الوقت_ في الوقت الذي توالت فيه زيارات العديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى المغرب في الأشهر الأخيرة، في التقارب الأمنيّ بين الرباط وتل أبيب عقب التطبيع المرفوض شعبيّاً مع حكومة العدو، والحديث عن زيارة مرتقبة لأفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الأسبوع المقبل، نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرا قال فيه إن الرباط سهلت فتح مكاتب لقناة لقناة “i24news” التابعة للكيان الإسرائيليّ في البلاد، إلا أن الصحفيين المحليين يرفضون هذا القرار بشدّة، ما يعيد قضيّة التطبيع المغربيّ إلى الواجهة ويركّز على الرفض الشعبيّ الكبير لتلك "الخيانة".
جريمة إعلاميّة
إنّ ما نُشر على الموقع البريطانيّ صحيح بشكل كامل حيث إنّ الصحفيين المغاربة يعتبرون أن التطبيع الإعلامي مع "إسرائيل" بمثابة جريمة في حق الفلسطينيين والشعب المغربي والإنسانية جمعاء، وفي وقت سابق أصدروا بياناً حمل توقيع عشرات الإعلاميين رفضاً لتلك القضيّة المهمة وكان من أبرزهم، أبو بكر الجامعي، وعلي أنوزلا، وهاجر الريسوني، وحنان بكور، حيث يتصاعد الرفض الشعبيّ للتطبيع مع العدو منذ سلسلة الخيانة الحكومية التي بدأت عند إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التوصل إلى “اتفاق تاريخيّ” لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والرباط مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة.
وفي ظل رفض الصحفيين والشارع المغربيّ إقامة أيّ علاقات مع الكيان الغاصب، ناهيك عن مناهضة عشرات الأحزاب من تيارات مختلفة للتطبيع مع تل أبيب، يؤكّد المغاربة على أن أيّ تطبيع مع الكيان الصهيونيّ هو "اعتداء على مشاعر الشعب المغربيّ، وإهانة لا يمكن تغطيتها بأيّ حديث عن المصلحة الوطنيّة"، وقد اعتبرها الصحفيون "جريمة في حق الفلسطينيين والمغاربة والإنسانية"، في عبارة لخصت وجهة نظر الإعلاميين المغاربة في تعبير عن رفضهم للتطبيع الإعلامي مع الاحتلال الصهيوني، منددين بتأسيس مكتب للقناة الإسرائيلية في بلادهم وتنظيم حفل افتتاح له في موقع “شالة” الأثري في العاصمة الرباط، ومطالبين بإغلاق مكتب القناة فوراً، لأنهم اعتبروا ذلك “خطوة استفزاز لمشاعر المغاربة المرتبطة قلوبهم في فلسطين" قبل استفزازهم كصحفيين منحازين للحقيقة، ويعلم الجميع أنّ المغاربة عبروا بكل قوة عن رفضهم العارم لإقامة علاقات مع الكيان الصهيونيّ المجرم، منذ أن أعلنت تل أبيب والرباط الكيان استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد توقفها عام 2000، فيما أعربت التكتلات الحزبية مراراً وتكراراً عن رفضها لزيارة وفود العدو إلى بلادهم.
وإنّ القناة الإسرائيلية التي بدأت بثها في 17 تموز/ يوليو 2013 من مقرها في مدينة حيفا، وتقدم خدمات إخبارية باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، ولديها مكاتب في فرنسا والولايات المتحدة والإمارات، استفزت مشاعر المغاربة بشّدة خاصة عقب تصريحات من قبل الحكومة المغربية على الخطوة، أعلنت فيها مطلع يونيو/ حزيران الحالي، أنها “تعمل على تنفيذ جميع الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل في جميع القطاعات"، وهذا كله لا يعدو عن كونه دعما حكوميا مطلقا من حكومة المغرب لكيان الاحتلال اللقيط الذي بني منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، في خيانة من حكوميّة لا أكثر لفلسطين ولأهم قضيّة عربيّة وإسلاميّة وتحرريّة.
وإن ما أثار غضب المغاربة وبالأخص الصحفيين منهم، هو غضّ الحكومة المغربيّة الطرف عن محاولة اختراق المجتمع المغربيّ إعلاميّاً خاصة أنّ عدد المهاجرين اليهود المغاربة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة كبير نسبيّاً، باعتبار أنّ هذا الدعم الإعلامي من حكومة بلادهم للصهاينة يزيد من التغول الصهيوني وصهينة ما تبقى من المكون اليهودي في المغرب بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية، لتحقيق حلم القادة الصهاينة في قضم أراضي الفلسطينيين وسحقهم تماماً مثلما حدث في بدايات تطبيق المشروع الصهيونيّ الذي أدى إلى عملية تطهير عرقيّ وتهجير قسريّ لأصحاب الأرض الفلسطينيين.
وبالتزامن مع التحذيرات الكثرة من قبل هيئات حقوقية مغربية من نتائج ذلك المنهج الذي تسير عليه حكومة بلادهم، تدعو هيئات سياسية ونقابية في المغرب إلى الحذر من التطبيع المتزايد بين المغرب و"إسرائيل"، وخاصة مع وجود أجندة صهيونية عالمية في المغرب تستهدف الدولة والمؤسسات والمجتمع، بعد أن أصبحت البلاد رابع دولة تدخل حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الصهاينة، بعد الإمارات و البحرين والسودان، في فترة تسارعت فيها وتيرة التطبيع من بعض الدول والأنظمة العميلة تنفيذاً للإملاءات الامريكية، رغم أنّ المغاربة يرفضون بشكل مطلق خيانة فلسطين والقدس ولا تغريهم أراضي الغير ولا الاعترافات غير الشرعيّة بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة التي تحتل الرباط جزءاً كبيراً منها.
جريمة مزدوجة
بما أنّ افتتاح مكاتب القناة التابعة للعدو الإسرائيليّ في المغرب جاءت قبل أقل من شهر على جريمة إعدام الصحفية شيرين أبو عاقلة ميدانيّاً من قبل جنود الاحتلال الإسرائيليّ في 11 أيار/ مايو بمدينة جنين، كان غضب الصحفيين المغاربة مضاعفاً في جريمة مزدوجة لكنها من طرفين حكومة العدو وحكومة بلادهم، الأولى تجسدت في قتل صحفيّة حُرة، والثانية في رفع صوت المحتلين داخل المغرب، حيث باتت المؤسسات الحكوميّة في المغرب تعتبر العدو الصهيوني دولة شقيقة في المراسلات الادارية، وضيف شرف في المغرب.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة المغربيّة فرض خيلنتها على المغاربة إلا أنّها لم ولن تنجح وفقاً لما يقول هذا الشعب الحر في جعل الأكاذيب الأمريكيّة والصهيونيّة تنطلي على الشعوب في البلدان التي طبعت أنظمتها العميلة، بل ستكون المسمار الأخير في نعشها بسبب اتساع الفجوة بين الحكومات العميلة وشعوبها المقاومة، خاصة أن الوقوف مع فلسطين ضد الاحتلال الصهيونيّ ليس من أجل الدفاع عن فلسطين فقط، بل من أجل الدفاع عن بلادهم من الاختراق التطبيعيّ، الذي يسعى العدو من خلاله إلى التسلل للمنظومة الإعلاميّة والتعليميّة في بعض الدول العربيّة لتزييف الوعيّ وجعل الرواية الصهيونيّة المخادعة هي السائدة، ومحاولة دفن القضية الفلسطينية وإرغام الشعوب والأجيال على القبول بهذا الظلم التاريخيّ الغير مسبوق.
وفي هذا الصدد، لا يكف الشعب المغربي عن ترديد عبارات مثل “لا نكبة مع المقاومة، لأن المعركة على أرض فلسطين، ولا تطبيع مع الصهاينة في المغرب”، لأنه يدرك جيداً حجم التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير "صفعة القرن" التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، وإنّ الموقف الشعبيّ المغربيّ مناصر بشدة للقضية الفلسطينية كما الفلسطينيين أنفسهم، وجميعهم يكررون جملة واحدة “الاحتلال الإسرائيليّ سيبقى عدواً مهما تلبس بلبوس السلام".
كذلك، يخشى المغاربة من ربط المكون اليهودي المغربي في الدستور الإسرائيليّ وجعله “جالية إسرائيلية في المغرب"، كما يؤكّد مناهضو التطبيع أنّ تلك الخيانة تتناقض مع النزاع الحقوقيّ والديني والروحيّ والأخلاقيّ، كما أنها تتم مع عدو يدنس مقدسات المغاربة ويحتل أولى قبلتهم ومسرى رسولهم يوميّاً، مؤكّدين على أنّه "لا يزال على أمتنا وبالأخص في المغرب إضافة إلى مناهضة التطبيع أن نسعى لتقديم الدعم اللازم للقضية الفلسطينية، وأن نكون سنداً للمقاومة في فلسطين متى قررت مواجهة العدو الصهيونيّ"، في ظل المساعي الصهيونيّة لإقامة الهيكل المزعوم، ومصادرة ممتلكات وأوقاف الفلسطينيين وهدم حارة المغاربة في القدس.
ويتساءل المغاربة عن السر وراء كل هذا الدعم من الحكومة المغربية للصهاينة والذي كان آخره افتتاح قناة إسرائيلية ورفع علم الكيان الغاصب في المعابد اليهودية بالمغرب، وتبني الطائفة اليهودية لاحتفالات اسرائيلية خاصة، وتصرف رئيس مكتب الاتصال الاسرائيليّ في المغرب مع الطائفة اليهودية “كأنها طائفته بالمغرب”، رغم أنّ الحل الوحيد للقضية الفلسطينيّة هو إنهاء الاحتلال وزواله، وعودة اليهود إلى البلدان التي جاؤوا منها لاحتلال ديار غيرهم.
ويُشار إلى أنّ حكومة المغرب طبعت بشكل غير رسميّ منذ العام 1986، عندما زار رئيس وزراء العدو حينها، المجرم شمعون بيريز، المغرب والتقى بالملك الحسن الثانيّ، لتعلن الرباط قبل عام وبكل وقاحة اعترافها الرسميّ بكيان الاحتلال الغاصب للأراضي العربيّة، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، في ظل رفض شعبيّ ودينيّ وحزبيّ عارم، فيما يؤكّد المغاربة وبالأخص النخبة المثقفة على وجوب أن تتفادى بلادهم لغم التطبيع الذي ألقت به الولايات المتحدة بمعية الكيان الصهيونيّ في المغرب، أولاً لخلق الشرعيّة لهذا الكيان اللقيط، ثانياً للتوسع في معركة التقسيم والتفتيت والنفوذ ونهب الثروات، ثالثاً لضرب الوحدة الداخليّة أكثر بين بعض الحكومات والشعوب العربيّة، وغيرها الكثير من المصالح التي سيكون المطبعون آخر المستفيدين منها وأول الخاسرين فيها، لكن الاحتجاجات والفعاليات المختلفة للشعب المغربيّ مستمرة، ولا يمكن أن يسير الأحرار على طريق الخيانة.