الوقت- في ظل حالة هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن ونشر تقارير مختلفة عن انتهاكات وقف إطلاق النار كل يوم من قبل قوات تحالف العدوان، كانت صفقات بيع السلاح الامريكي أحد العوامل الرئيسية لبدء عدوان التحالف السعودي على اليمن عام 2015 والإصرار على استمرار العدوان لمدة 7 سنوات، والذي أدى إلى وقوع كارثة إنسانية في هذا البلد الفقير. والان مع زيارة بايدن للسعودية ورفع حظر بيع السلاح الامريكي للرياض، أصبح خطر انهيار اتفاق وقف إطلاق النار واستئناف الحرب الشيطانية أكثر بروزًا مما كان عليه في الأسابيع السابقة.
إن دور الدعم العسكري والسياسي الشامل للحكومة الأمريكية للمملكة العربية السعودية وإقناع الرياض بالقيام بمغامرة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر للدخول مباشرة في حرب خارجية واسعة النطاق، كان بارزًا للغاية منذ ذلك الحين. ومع بداية أزمة اليمن، حيث أكدت السلطات اليمنية مرارًا أن هذه الحرب كانت أمريكية واعتبرت هذا البلد مسؤولاً عن جرائم السعودية والإمارات في اليمن. كان هذا الدور موجودًا منذ بداية التطورات الثورية في اليمن بدعم واشنطن لخطة التدخل وما تسمى "مبادرة الخليج" في عام 2011 لتحويل مسار الثورة ثم لعب دور في الموافقة على قرار مجلس الأمن رقم 2216 ودعم المملكة العربية السعودية بمبيعات الأسلحة ما تسبب في وقوع كارثة استمرت لسنوات عدة في اليمن.
الآن، على الرغم من أن أحد شعارات حكومة بايدن بشأن السياسة الإقليمية للولايات المتحدة في غرب آسيا كان إنهاء الحرب في اليمن، فقد أفادت وسائل الإعلام الآن بإمكانية استئناف بيع الأسلحة الهجومية للسعوديين خلال الزيارة الأولى لرئيس الولايات المتحدة للمنطقة. وكشفت وكالة الأنباء الأمريكية رويترز، نقلاً عن عدة مصادر في وزارة الخارجية الأمريكية، أنه في الأشهر الأخيرة، وخلال اجتماعات عدة في الرياض وواشنطن، واجه كبار المسؤولين السعوديين نظراءهم الأمريكيين بشأن طلبهم إلغاء سياسة واشنطن. والسماح بمبيعات الأسلحة الدفاعية لهم. وفي أوائل فبراير 2021، أعلن البيت الأبيض أنه سينهي دعمه لـ "العمليات العدوانية" في الحرب، بما في ذلك مبيعات الأسلحة العسكرية للسعودية. ولقد أدى هذا الإجراء وإزالة اسم "أنصار الله" من قائمة الجماعات المتطرفة إلى تدهور العلاقات بين البلدين في ذلك الوقت.
وجاء هذا الإجراء في ظل كون حكومة الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة للتحالف السعودي خلال عدوان 7 سنوات على اليمن. ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، من 2015 إلى 2019، قدمت الولايات المتحدة 73٪ من احتياجات الأسلحة للسعودية، وشكلت مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية 25٪ من إجمالي صادرات الأسلحة للولايات المتحدة في هذه السنوات.
أما في الشأن الداخلي فمن المؤكد أن يثير أي تحرك إلغاء للقيود المفروضة على الأسلحة الهجومية معارضة في الكونغرس، سواء من أعضاء حزب بايدن الديمقراطي أو من حزب الجمهوريين المعارضين الذين انتقدوا السعودية بشدة. وكان جو بايدن اتخذ بعد فترة وجيزة من توليه منصبه في أوائل العام الماضي موقفا أكثر صرامة تجاه حملة السعودية ضد قوات صنعاء، والتي أدت إلى وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين. صرامة طالت أيضا سجل الرياض في مجال حقوق الإنسان ولا سيما مقتل المعارض السياسي والصحافي بواشنطن بوست جمال خاشقجي عام 2018.
وحينما كان بايدن مرشحا للرئاسة ندد بالسعودية ووصفها بالـ "منبوذة" وأعلن في فبراير/شباط 2021 وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن بما في ذلك "مبيعات الأسلحة ذات الصلة". وشعرت السعودية، أكبر زبائن السلاح الأمريكي، أنذاك بغضب من تلك القيود التي جمدت نوع مبيعات الأسلحة التي ظلت الإدارات الأمريكية السابقة تزود بها الرياض منذ عقود. وخفف بايدن موقفه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في مارس/آذار والذي دفع الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى لمناشدة السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لضخ كميات أكبر من الذهب الأسود لتعويض ما فقد من الإمدادات الروسية.
كما أشاد البيت الأبيض بالسعودية لموافقتها في أوائل يونيو/حزيران على أن تمدد لمدة شهرين الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في اليمن مسرح أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وتريد واشنطن حاليا أن يتحول ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار. فبحسب شخص مطلع على الأمر في واشنطن، باشرت الإدارة الأمريكية بمناقشات داخلية حول إمكانية إلغاء القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة للسعودية ولكنها أشارت إلى أنها لم تصل بعد إلى مرحلة اتخاذ القرار. وقال مصدر آخر إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها طلب كهذا بل أثار المسؤولون السعوديون الطلب أيضا خلال زيارة نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان لواشنطن في مايو/أيار.
الانفتاح السياسي بمبيعات الأسلحة؛ النفط في مقابل السلاح
على الرغم من أن دور الدعم العسكري الأمريكي للسعودية كان مهمًا للغاية في بداية العدوان العسكري الذي استمر سبع سنوات على اليمن، فمن المؤكد أنه من بين أسباب ودوافع ميل الرياض إلى وقف إطلاق النار، كان العامل الأهم هو قوة الردع العسكري لـ أنصار الله، وخاصة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، التي أتاحت منذ عام 2019 إمكانية استهداف البنية التحتية الاقتصادية الحيوية للسعودية، كما فشلت جميع الوصفات العلاجية للسعوديين في منع تلك الهجمات. في الواقع، فإن مأزق العمليات العسكرية السعودية في اليمن والتكاليف الباهظة التي خلفها استمرار الحرب على أيدي السعوديين كل يوم، بالنظر إلى اليأس ضد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على منشآت أرامكو النفطية، جعلت الرياض أكثر من صنعاء بحاجة لوقف إطلاق النار. من ناحية أخرى، فإن السعوديين، بميزانية عسكرية تبلغ 50 مليار دولار في عام 2021 وميزانية قدرها 45 مليار دولار في عام 2022، هم الأقل قلقًا من الوصول إلى السوق الدولية لأسلحة الحرب، ونقص الأسلحة كان أقلها تأثيرا على فشل الاستراتيجية العسكرية لهذا البلد في اليمن.
لذلك فإن إلغاء الحظر المفروض على بيع الأسلحة العسكرية للسعودية هو أكثر من خطوة نحو تغيير المعادلات العسكرية والميدانية في حرب اليمن. وفي هذا الصدد، أعلنت رويترز أيضًا أن بايدن سيواصل اتباع سياسة إنهاء الحرب في اليمن خلال رحلته. وتدرك واشنطن جيدًا حقيقة أن إنهاء وقف إطلاق النار يمكن أن يؤدي في الواقع إلى موجة جديدة من الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار ضد منشآت النفط السعودية، وسيؤدي خفض إنتاج النفط السعودي إلى كارثة على الاقتصاد العالمي.
الحقيقة أن حاجة الولايات المتحدة إلى زيادة إنتاج المملكة العربية السعودية من النفط نتيجة نمو السعر العالمي لهذا المنتج الاستراتيجي ومن ناحية أخرى لدفع خطة تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني في منطقة الخليج الفارسي. ومن أجل تنفيذ تحالف إقليمي من الحلفاء الغربيين والعرب في المنطقة، دفع البيت الأبيض إلى الالتفاف حول بعض سياساته المعلنة السابقة ضد السعودية، ولا سيما في موضوع حقوق الإنسان وبيع الأسلحة. لذلك، لا بد من القول إن مبيعات الأسلحة للحلفاء كانت دائمًا إحدى أدوات واشنطن الرئيسية في تعزيز سياساتها الإقليمية، وخاصة الموازنة ضد محور المقاومة وإيران.