الوقت - بعد قرابة 7 أشهر على الانتخابات النيابية في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، ما زلنا نشهد استمرار الجمود السياسي لتشكيل حكومة عراقية جديدة. من جهة، الصدر وحلفاؤه السنة والأكراد يواصلون قرع طبول تشكيل "حكومة أغلبية وطنية"، ومن جهة أخرى يصر إطار التنسيق الشيعي على تشكيل حكومة وحدة وطنية بحضور كل المجموعات والتيارات السياسية. في الأشهر الأخيرة، أدى عدم قدرة أي من هذين الاتجاهين على تشكيل حكومة جديدة إلى وصولهما إلى طريق مسدود في مسألة تشكيل الحكومة، والتي لا يمكن بالطبع تصور شكل واضح لها.
ولدى قراءة مجرى الأزمة السياسية في الحكومة العراقية، لا بد من التنبه إلى حقيقة أن ائتلاف "إنقاذ الوطن" المكون من فصيل الصدر بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود البرزاني وائتلاف السيادة (التحالف السني) بقيادة "محمد الحلبوسي وخميس الخنجر"، والذي أعلن عن وجوده في 23 آذار 2022 في مؤتمر صحفي عقده "حسن العذاري" رئيس الفصيل النيابي عن التيار الصدري؛ بعد أن فشل في بلوغ النصاب القانوني للبرلمان في 23 و 30 آذار (مارس) 2022، أصدر الصدر بيانا يمنح فيه الشيعة فرصة 40 يوما لتشكيل الحكومة الجديدة. لكن بعد انتهاء مهلة الصدر التي استمرت 40 يومًا، أطلق مؤخرًا مبادرة لتكليف 40 نائباً مستقلاً على الأقل بتشكيل حكومة جديدة من إجمالي 329 نائبا. دعا زعيم التيار الصدري في العراق، في خطته الجديدة، القوى المستقلة إلى تشكيل حكومة جديدة في البلاد خلال 15 يومًا. لكن كل الأدلة تشير إلى أن النواب المستقلين الأربعين الذين طلبهم الصدر ليسوا مستعدين للقيام بتحالف مع أي من التيارين الشيعي أو الصدر. وحتى في الآونة الأخيرة، عُرضت مبادرة من الإطار التنسيقي الشيعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة جميع التيارات، والتي عارضها ائتلاف "انقاذ الوطن" في اجتماع 9 مايو 2022. بشكل عام، وصل الجمود في تشكيل الحكومة الجديدة، وبالتالي الأزمة السياسية في بغداد، إلى أعلى مستوى ممكن. ولا شك أن التداعيات الناشئة عن كل ذلك ستؤدي إلى أزمات كبرى على المستويات الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية.
انخفاض ثقة الجمهور في العملية السياسية
على المدى الطويل، فإن الجمود السياسي الناجم عن الخلافات بين إطار التنسيق الشيعي وائتلاف إنقاذ الوطن لن يجعل أياً منهما يفوز بشيء. وما لا شك فيه أن الأزمة الحالية وتداعياتها ستؤثر في النهاية على كل التيارات السياسية. يكفي الانتباه في الآونة الأخيرة إلى المدى الكبير من الملل واليأس واللامبالاة لدى المواطنين الذي تسبب به استمرار الجمود السياسي. بالطبع، تجدر الإشارة إلى أن لا مبالاة المواطنين بالمعنى الاجتماعي تتمثل في شكل تراجع الثقة العامة بالنظام السياسي للبلد، يمكن تقييمها كأحد المكونات الرئيسية لشرعية الحكومة. المواطنون الذين سئموا الانقسامات والمنافسات السياسية، لا يفكرون بفوز أحد الأطراف على الآخر في الأزمة الحالية، بل يتوصلون أيضًا إلى استنتاج مفاده بأن سعي حركة ما لتغليب إرادتها على أخرى هو نقش على ماء ولن يؤدي الى نتيجة تخدم الوطن.
تقليص كفاءة النظام السياسي
أدى استمرار الجمود السياسي في العراق، إضافة إلى تراجع الثقة العامة، وبالنتيجة إلى تراجع كفاءة النظام السياسي. في دراسة علم الاجتماع السياسي، في البحث عن جذور حدوث الاحتجاجات والثورات الشعبية، تُقاس "كفاءة النظام السياسي" دائمًا كمكوِّن أساسي ومهم. فإن "مدى قدرة النظام السياسي على المستويين الكلي والمتوسط والجزئي على إدارة الأزمات والمشاكل في المجتمع" مسألة مهمة للغاية يواجهها النظام البيروقراطي في العراق حالياً بصعوبة كبيرة. ستؤثر أزمة عدم تشكيل حكومة جديدة وعدم وجود رؤية واضحة للاستقرار الإداري في المستقبل على قدرة مسؤولي الحكومة في المستويات العليا والمتوسطة على التخطيط لمعالجة العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. معدل الفساد الاقتصادي في النظام السياسي العراقي هو أيضا من أعلى المعدلات في العالم. واجهت الحكومة في الآونة الأخيرة العديد من المشاكل الإدارية في مواجهة القضية البيئية الجادة، والتي عطلت الحياة في العديد من المحافظات العراقية. إضافة إلى هذه القضايا، فإن قضايا مثل توظيف الشباب، والحد من الفقر، والقضايا المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية والأزمات الاجتماعية المختلفة، تثقل كاهل الحكومة التي لم تتخذ موقفًا قويًا ولا يمكنها إدارة الأزمة في هذا البلد.
وقف متابعة موضوع إخراج القوات الأجنبية
نتيجة أخرى للمأزق السياسي الحالي في العراق هو تعليق إخراج القوات الأجنبية من البلاد. في نهاية عام 2021 أعلنت حكومة مصطفى الكاظمي خروج آخر القوات الأمريكية من العراق. لكن بعد خمسة أشهر من هذا الوعد، ما زلنا نشهد استمرار وجود المحتلين الأجانب في العراق وحتى عملياتهم. وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر يؤكد أيضًا على ضرورة إخراج المحتلين، إلا أن أفعاله للتغلب على إرادة التيارات السياسية الأخرى أصبحت تصب في مصلحة المحتلين، بحيث توقف مشروع إخراجهم.