الوقت- تعمل معظم الدول الغربية سواء في وسائل إعلامها أو خطابها السياسي على طرح متناغم و متناسق فيما بينها لمفاهيم مدنية وعبارات براقة تتعلق بمجال حقوق الإنسان و الديمقراطية و احترام الفكر و حرية الآخرين و التصدي للفكر التكفيري التخريبي، و بغض النظر عن مصداقية الطرح لهذه المفاهيم و الهدف من ورائها إلا أن الوقائع العملانية و حقيقة الأمر يشيران بوضوح إلى تناقض كبير و فاصل شاسع بين الترويج الإعلامي الغربي و الخطاب السياسي فيها، أكثر ما يبرز في هذا التناقض و الإختلاف و أقربها مصداقاً هو الخطاب و الرؤية حول جماعات التخريب و التدمير و الجهات الداعمة لها و آلية التعاطي معها، أمثلة هذا التناقض بين الخطاب الإعلامي و السياسي كثيرة و التي تطرح بدورها مجموعة من الاسئلة التي تصب حول خلفية هذا التباين من جهة و الدوافع التي تقف خلف تجاهل خطر جماعات التخريب مع أنه تحول إلى تهديد لدول الغرب مؤخراً؟
خطاب الإعلام الغربي، الفكر التخريبي يدق أبوابها
في تتبع للصحف الغربية و مراكز الدراسات فيها فإنه من الملاحظ مؤخراً وجود تحول فارق في أسلوب مخاطبة الرأي العام الغربي، هذا التحول يرتكز حول الإشارة بشكل واضح وعلانية إلى بعض الأنظمة الحاكمة كالسعودية و قطر و تركيا و غيرهما اللذين يقفون خلف صناعة و دعم جماعات التخريب و التدمير، هذا التبدل و التغيير في آلية الخطاب تأتي متزامنة مع موجة الأحدث الأخيرة التي طالت دول الغرب و التي كان آخرها أحداث فرنسا بعد أن عاثت هذه الجماعات دماراً وخراباً وفساداً في منطقة الشرق الأوسط لسنوات ولا زالت، فصحيفة نيويورك تايمز في مقال لها في 20 من تشرين الثاني و في رد على سؤال كيف وجدت داعش، اعتبرت بأن الأم لداعش هي بقايا النظام العراقي البائد، أما الأب لها فهي الإيديولوجبة الوهابية السعودية، وهي عبرت بأن داعش بلباسها الأسود تقطع الرؤوس و تنهب الآثار التاريخية الحضارية، أما داعش بلباسها الأبيض فهي التي تغذي هذه الأعمال و تمولها و تهيء لها الأرضية و الظروف، و هي بلباسها الأبيض و الأسود لا يفرق عن بعضها بشيء.
فيما كتبت الصحيفة الفرنسية ليبراسيون بأن تركية و السعودية و قطر يجنون أرباح ومكاسب من دعمهم للجماعات التخريبية و خاصة داعش. وبحسب كريستين كوتيز اولريشستن الباحث في المعهد الملكي للدراسات الدولية في لندن، اعتبر أنه في الكويت يتم دعم جبهة النصرة بشكل واضح وعبر برامج التلفاز و ساعد على كل هذا قوانين متساهلة في جمع التبرعات و التمويل و غسيل الأموال. بدورها نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالاً يوضح بأن السعوديون في داعش و النصرة أكبر بكثير من أي دولة أخرى، و حذرت الصحيفة من دعم السعودية للإرهابيين، و خاطبت القراء البريطانيين بالقول: لا ينبغي أن تشتري أموال السعودية صمت الشعب البريطاني، فدعمها للجهاديين يهدد أمن البلاد.
الخطاب السياسي الغربي، النفط و تصريف الإنتاج العسكري سيد الموقف
بالرغم من ادعاء الغرب السياسي محاربته للجماعات التخريبية التدميرية، إلا أن أهم عنصر من عناصر هذا الإدعاء مفقود، فعلاقة الغرب مع الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط والداعمة للفكر التدميري بلوكالة عنها هو جوهر الموضوع، فبعد أن اتهم وزير التنمية الألماني غيرد موللر قطر بدعمها الفكر التدميري و بعد استياء قطر من هذا التصريح، تراجع الألماني عن ذلك معتذراً، وفي هذا الصدد تكثر الأمثلة، فلا عجب أن يحمي الغرب منهجية الأنظمة الحاكمة في منطقتنا ولا سيما السعودية، فالغرب يقيم علاقات اقتصادية بالدرجة الأولى مع هذه الانظمة و التي تقوم بالنيابة عن الغرب بصناعة الفكر التخريبي بالدرجة الثانية.
بريطانيا مثلاً تقوم ببيع أنظمة متقدمة لقطر و تصريف انتاجها العسكري، فيما تقوم قطر بانشاء استثمارات في لندن مثل متجر هارودز وشارد و حصة كبيرة من متجر سانزبري وجزء من سوق لندن المالي، و مع الكويت قامت بصفقة أسلحة مؤخراً بلغت قيمتها 45 مليون دولار أمريكي مع الكويت، وهي مع السعودية تعقد سنوياً صفقة بيع أسلحة و حجمها 3 مليار دولار أمريكي، وهناك 200 مشروع عسكري مشترك بين البلدين قيمتها 29 مليار دولار أمريكي.
أمريكا بكل وضوح تحمي الأنظمة الداعمة للجماعات التخريبية لأن السعودية كانت ولازالت الممول الرئيسي لإعتداءات أمريكا، و هي بعيدة عن الإنتقاد لأن الغرب ينهب خيراتها و أموالها دون رقيب ولا حسيب، ولأن السعودية تنفذ مخططات الغرب التي من شأنها حماية مصالحهم، فهي احتلت البحرين وتعتدي على الشعب اليمني و جيشه، و هو يورط النظام السعودي الحاكم نحو المكان الذي ينخفض فيه سعر النفط لينشأ عقود طويلة الأمد معه على السعر المنخفض الذي سيبقى ساري المفعول حتى حينه.
و أخيراً هل أن الإعلام الغربي وبعد أن بدأ يستشعر خطر الجماعات صاحبة الفكر التكفيري، سيشكل موجة اعلام ضاغطة على الخطاب السياسي الغربي للتوجه نحو تحرك فعلي وجاد يعزل مصالحه المادية و يرجح الكفة لمصلحة أمن شعبه بعد أن دق ناقوس الخطر؟