الوقت- لم تكن الزيارة الشرق أوسطية التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي جان كيري بعيدة عن هموم واشنطن في المنطقة، بل إنقسمت الجولة هذه المرّة إلى شطرين، الأول خليجي بنكهة سوريّة و يمنيّة، والآخر فلسطيني بنكهة واقع العلاقة المتأزم مع الكيان الإسرائيلي.
و بما أن لكّل تصرّف معنى، في الأعراف الدبلوماسيّة، فقد جاء ترتيب هذه الزيارة مبنياً على هذا الأمر حيث توجّه الوزير الأمريكي إبتداءاً إلى الإمارات و إلتقى هناك نظيريه الإماراتي والسعودي، و لاحقاً، أمس الثلاثاء، إنتقل إلى وجهته الثانية والأخيرة في جولته الشرق أوسطية فلسطين و الكيان الإسرائيلي. القصد هنا أن أولوية واشنطن اليوم للمواضيع التي تم البحث فيها على الساحة الإماراتية بحضور سعودي، تتفوّق على نظيرتها التي تمّ التطرق إليها على الأراضي الفلسطينية، المحتلّة و اللامحتلّة.
وعند الدخول في تفاصيل الزيارة إلى أبوظبى من ناحية و تل أبيب و رام الله من ناحية أخرى، يتّضح وجود جملة من الأهداف والدلالات لهذه الزيارة الثنائية.
الشق الخليجي
في الشقّ الخليجي، ليس الإماراتي فحسب بسبب حضور وزير الخارجية السعودي، هدفت زيارة كيري إلى:
أولاً: ما صدر عن المجتمعين أنفسهم فيما يخص توحيد المعارضة السورية، فقد قال مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية: "إن الاجتماعات التي تم الترتيب لها على عجل لتعقد في العاصمة الإماراتية بين كيري و ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان و وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ستناقش سبل توحيد معارضي بشار الأسد"، خاصّة أن الرياض تستضيف مؤتمراً لتوحيد المعارضة السورية الشهر المقبل.
ثانياً: لا يمكن التغافل عن الإستراتيجية الأمريكية الإعلامية المتمثّلة بتقديم نفسها كراعي للسلام و مكافح للإرهاب، بخلاف الواقع، وهذا ما حاول كيري إظهاره عندما أكّد أن بلاده ترغب في دحر تنظيم داعش بشكل سريع ما يدفعها لتسريع وتيرة الجهود الدبلوماسية و العسكرية و جهود مكافحة الإرهاب لإلحاق الهزيمة بهؤلاء المتشددين. لا نشكّ في ضرورة القضاء على داعش، و لكن ماذا عن "جبهة النصرة" المصنفة إرهابية، أم لأن الأخيرة أداة ليّنة في يد حلفاء واشنطن؟
ثالثاً: لا يمكن التغافل عن الساحة اليمنية حيث تشكّل هذه الزيارة دعماً أمريكيا واضحاً لجهود الإمارات في مكافحة "إرهاب" الشعب اليمني، و هذا ما يمكن إستشفافه من إقتصار الزيارة على الإمارات بحضور سعودي، و من دون الإلتفات إلى قطر التي لم تثبت ولائها في العدوان. في الحقيقة، إن عدم حضور قطر، أحد أبرز الداعمين للمعارضة السورية، يؤكد وجود خلاف بين حلفاء واشنطن قطر و الإمارات و السعودية.
رابعاً: يمنياً أيضاً، لم يتوان كيري عن الافصاح بإعجابه من الحضور الإماراتي في اليمن وهو ما يعتبر بمثابة ضوء أخضر لإستمرار العدوان في حال فشلت مفاضوات "جنيف2"، فقد خاطب وزير الخارجية الأمريكي نظيره الإماراتي قائلاً: نحن نحترم أن الإمارات العربية المتحدة كانت قادرة على تحقيق تقدم مهم في اليمن، وإننا نتفهم تماماً سبب شعور الإمارات و السعودية بتعرضهما للخطر، و بالتالي اتخاذهما إجراءات للدفاع عن النفس و لحماية الأمن في هذه المنطقة، و أنا أعلم أن الإمارات قد بذلت تضحيات في سياق ذلك الجهد، ونحن في الولايات المتحدة نتفهم هذه التضحيات، و نحترم ما قد تم إنجازه في اليمن، كما نحترم القيم التي تدافع عنها الإمارات".
الشق الفلسطيني
وأما في الشق الفلسطيني، تهدف زيارة كيري
إلى ما وصفته وزارة الخارجية الأمريكية بـ"وقف أعمال العنف في القدس بين
الفلسطينيين والإسرائيلين"، و" العمل على
إيجاد حلول لوقف العنف المتبادل قبل حلول نهاية العام الحالي"، وفق كيري.
لاريب في أن كيري لا يبحث بأي شكل من الأشكال عن مصلحة الشعب الفلسطيني المسلم، بل إن هدفه الرئيسي هو تقويض "الهبّة الفلسطينية" وتأمين الحماية للجنود والمستوطنين الصهاينة، خاصةً أن العمليات البطولية لأبناء الشعب الفلسطيني كبّدت سلطات الإحتلال لكثير من الخسائر، و هو ما أوضحه كيري عنما أكد دعم بلاده للكيان الإسرائيلي، و استيائه مما أطلق عليه أعمال عنف وهجمات إرهابية.
الرد الفلسطيني على زيارة كيري كان سريعاً، فقد إستقبلوه بتظاهرات عكست إستيائهم و شكوكهم في أهداف هذه الزيارة. إن واشنطن، كعادتها، تسعى لمعالجة ردّة الفعل لا الفعل نفسه، فلو أراد كيري وقف هذه العمليات البطولية حريّ به أن يطالب الكيان الإسرائيلي بوقف الاستيطان والإنتهاكات، فالمطلوب اليوم "حلول سياسية و ليس اقتصادية" وفق مصدر مقرّب من عباس في إشارة إلى الخطوات التي اقترحها الوزير الأميركي لإعادة بناء الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والمتمثلة في توسيع مساحة سيطرة السلطة، خصوصاً في المناطق الريفية، و تخفيف القيود المفروضة على الاستثمار في هذه المناطق.