الوقت- كما هو الحال في أغلب الدول العربية والمنطقة، تنقسم وجهات النظر في الشارع المصريّ على ذاتها، خاصة في العقد الأخير نتيجة الإيديولوجيا أو التوجهات والعقائد في مختلف النواحي وعلى وجه التحديد السياسية منها، لدرجة أنّ وفاة شخصيات بارزة في البلاد باتت تقسم الشارع إلى منتقد ومؤيّد للراحلين، والدليل ما أحدثته وفاة الإعلامي المصريّ، وائل الإبراشي مؤخراً، عن عمر يناهز 59 عاماً، بعد معاناة مع فيروس كورونا المستجد ومضاعفاته، وقبلها أيضاً وفاة النائب الأسبق للمحكمة الدستوريّة العليا المصريّة، تهاني الجبالي عن عمر ناهز 71 عاماً، إثر تدهور حالتها الصحية بسبب مضاعفات كورونا كذلك، والتي أثارت وفاتها انقساماً واسعاً بين المصريين، نتيجة الصراع بين معسكر القوى الإسلاميّة السياسيّة وبالأخص تنظيم "الإخوان المسلمين" المتشدّد، ومعسكر يضم قوى مختلفة من الأحزاب والجماعات ذات التوجهات الليبراليّة واليساريّة.
بمُجرد أن نعت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر الإعلاميّ البارز الإبراشي، وكذلك معظم مقدمي البرامج التلفزيونية المسائيّة في البلاد، كان الانقسام المجتمعي هو الراعي الرسميّ الحاضر بقوّة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ بين مدح مواقف الأخير والحديث عن أنّه أحد أبرز الإعلاميين المقربين من السلطة خلال السنوات الماضية، ولم تمنع الحالة الصحية السيئة التي كان يعيشها نتيجة مضاعفات الإصابة أن يكون المذيع الشهير الذي اختفى عن الظهور في برنامجه على التلفزيون المصري حتى وفاته، حدثاً جديداً للخلاف بين توجهات المصريين.
أيضاً، إنَ المسيرة الصحفيّة لوائل الإبراشي وتنقله بين مجلة روزاليوسف المثيرة للجدل، وتقديم البرامج السياسيّة على المحطات السياسيّة، سواء الحكوميّة أو الخاصة التي كان أشهرها على قناة "دريم" في برنامج "الحقيقة" و"العاشرة مساء" لعدة سنوات، كانت عاملاً هاماً في جعل قضية وفاته حدثاً بارزاً في ميدان الانقسام المصريّ، ويمكن القول أنّ الاستقطاب الذي طبّع المجتمع المصريّ خلال السنوات الأخيرة وبلغ ذروته قبيل تظاهرات 30 حزيران/يونيو، ربما تحوّل لظاهرة ملموسة وسائدة في مصر.
من ناحية أخرى، لم تكن وفاة النائب الأسبق للمحكمة الدستورية العليا المصرية، تهاني الجبالي، أقل انقساماً في الآراء بين المصريين، فمنذ الساعات الأولى لإعلان وفاتها بأحد مستشفيات العاصمة القاهرة الذي نُقلت إليه لتلقي العلاج، تصدّر وسم “#تهاني_الجبالي” القائمة الأعلى تداولًا على تويتر، وكذلك اسمها على محرك البحث غوغل في مصر، وانقسم الناشطون والمواطنون بشأن مواقف المستشارة الراحلة التي أثارت جدلاً واسعاً في السنوات الأخيرة التي أصبح فيها الانقسام شيئاً ثابتاً في كل حدث.
وإنّ الانقسام الجلي في وغير المسبوق المجتمع المصريّ، حلّ مكانَ الوحدة الوطنيّة التي لم تعشها البلاد لفترة طويلة عقب سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وأصبح التناقض في المواقف هو المُعبر عن المزاج العام السائد حالياً هناك، وإنّ وفاة الجبالي التي أثارت ضجة كبيرة بتصريحاتها عام 2012، عقب قرار للرئيس محمد مرسي بتعديل الدستور آنذاك ، مطالبة ببطلانه، كما عُرفت بمهاجمتها الكبيرة لجماعة "الإخوان المسلمين" المعروفة بولائها للتنظيم الدوليّ.
وكانت المستشارة الجبالي أطلقت تصريحات عدة مثيرة للجدل في وسائل الإعلام المصريّة والأجنبيّة، إذ كشفت عما كان يجري في الكواليس لإسقاط حكم الرئيس الإخوانيّ الراحل محمد مرسي، وبرلمان ما بعد ثورة يناير/ كانون الثاني عان 2011، وقد قالت االراحلة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عام 2012، إن أعضاء المحكمة الدستوريّة قرروا إسقاط البرلمان الذي كان يسيطر عليه الإخوان لمنع التيار الإسلاميّ من صياغة الدستور الجديد وتمكين المجلس العسكريّ من تشكيل جمعية تأسيسيّة جديدة لصياغة الدستور بعيدًا عن الأحزاب ذات التوجهات الإسلاميّة - السياسيّة.
خلاصة القول، بات طبيعيّاً أن يجدد المصريون انقسامهم مع كل حدث، وخاصة عند وفاة الشخصيات البارزة في مصر، حيث تتحول مواقع التواصل الاجتماعيّ إلى منبر خلافيّ كبير، لايصال الآراء المتباينة عبر تعليقات بعضها متعصبة بشأن الراحلين ومسيرتهم المهنية، ما يعني أنّ الطرفين انصرفوا إلى معاداة رأي الآخر وتشويه سمعته حتى، وهذا الأمر تعززه القنوات التلفزيونية المتعاطفة مع تنظيم الإخوان، والتي راحت تبثّ برامج متدنّية النوعية ومؤجّجة للمشاعر، تُظهِر فيها المعارضين بأنهم منحطون أخلاقياً ومعادون للإسلام، والعكس كذلك، ليتبادَل الجانبان الأوصاف التي تُصوِّر الآخر بأنه تهديد وجوديّ حقيقيّ، أو أنّه جماعة صغيرة هامشية وغير مؤثرة مقابل الأكثريّة الواضحة التي يدّعي كل طرف امتلاكها، لتبقى "الوحدة الوطنيّة" هي الخاسر الأكبر و"الشعب" هو الضحية.