الوقت - أفرجت السلطات المصرية مؤخراً عن الناشط السياسي المصري الفلسطيني رامي شعث بعد "إجباره" على التنازل عن جنسيته المصرية، بحسب بيان أصدرته أسرة شعث.
وعلى مدى الفترة الماضية، تابع كثيرون قضية الناشط المصري الفلسطيني، رامي شعث، التي تحولت لموضع نقاش استمر لأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطرق تحديدا إلى تفاصيل اعتقاله ومن ثم ظروف سجنه، وصولا إلى الإفراج عنه بعد أنباء عن إجباره على التنازل على الجنسية المصرية.
لاقى خبر الإفراج عن رامي إشادة واسعة من قبل عدد من المنظمات الحقوقية الدولية. كما سلط الضوء مجددا على ملف الحريات في مصر ومسألة تنازل النشطاء عن جنسيتهم مقابل الحصول على حريتهم قبل أن يتحول النقاش إلى سجال حول مفهوم الوطن والانتماء.
وعبر كثيرون عن سعادتهم لرؤية رامي حرا طليقا إلا أنهم اعتبروها فرحة منقوصة ومشوبة بالألم. فمنهم من أعرب عن استيائه من "إجبار رامي على التنازل عن جنسيته المصرية كشرط للإفراج عنه".
واستنكر مدونون ونشطاء حقوقيون "أسلوب المساومة التي تنتهجه بعض الحكومات للضغط على الناشطين وربط حريتهم بالتنازل عن جنسيتهم " ويقول بعضهم إن "قضية رامي كشفت زيف ما يردده البعض عن تمتع المصريين بحرية التعبير"..
من جهة أخرى، ذكر آخرون بقضايا مشابهة تنازل فيها نشطاء عن جنسيتهم مقابل الحصول على حريتهم.
وكانت الناشطة المصرية والمعتقلة السابقة آية حجازي من بين المتفاعلين مع خبر الإفراج عن رامي الشعث، إذ علقت : "عندما تساوم الحكومة نشطاء على جنسيتهم، فإنها تريد أن تثبت أنهم "خونة ومش وطنيين" ... الوطن للمواطن بورق أو من غير ورق، من غير فروض ولاء مبروك #رامي_شعث.."
وقد مرت آية حجازي التي تحمل الجنسية الأمريكية، بتجربة مشابهة لرامي. ولم يفرج عنها إلا بتدخل مباشر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وكان الرئيس الفرنسي ماكرون قد ذكر في وقت سابق عن أنه تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن حالات عدة بينها شعث، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ولدى مصر قانون صارم فيما يتعلق بالجنسية، و ينص على بعض الحالات التي يجوز فيها إسقاط وسحب الجنسية المصرية عن كل من يحملها. وجرى تعديل بعض أحكام قانون الجنسية عدة مرات، ومن شروط اسقاط الجنسية:
إذا دخل في جنسية أجنبية على خلاف حكم المادة 10.
إذا دخل قبل الخدمة العسكرية إلى إحدى الدول الأجنبية دون ترخيص سابق يصدر من وزير الحربية.
إذا كانت إقامته العادية في الخارج وصدر حكم بإدانته في جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج.
إذا قبل في الخارج وظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية أو الدولية وبقى فيها بالرغم من صدور أمر مسبب إليه من مجلس الوزراء بتركها.
إذا كان بقاؤه في هذه الوظيفة من شأنه أن يهدد المصالح العليا للبلاد.
إذا كانت إقامته العادية في الخارج وانضم إلى هيئة أجنبية من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي للدولة بالقوة أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة.
إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهي في حالة حرب مع مصر أو كانت العلاقات الدبلوماسية قد قطعت معها، وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز مصر الحربي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو المساس بأي مصلحة قومية أخرى.
إذا اتصفت الجهة التي يعمل بها في الخارج في أي وقت من الأوقات بالصهيونية.
ومنذ سنوات صار دفع المعارضين الذين يحملون جنسيات مزدوجة إلى التنازل عن جنسيتهم المصرية مقابل السماح لهم الحصول على حريتهم، ممارسة معتادة في مصر.
فبدأ ذلك المنهج مع القضية التي اشتهرت إعلامياً بـ"خلية الماريوت"، إذ فاوضت السلطات الصحافي المصري – وقتها- محمد فهمي التنازل عن جنسيته المصرية نظير الإفراج، عنه صحبة الصحافي الاسترالي بيتر جريست، وذلك وسط ضغوط دولية متصاعدة للإفراج عن الصحافيين اللذين كانا يغطيان مؤتمراً لمعارضين لصالح قناة الجزيرة الإنجليزية. لاحقاً تقدم فهمي – عقب إبعاده عن مصر- بطلب لاستعادة جنسيته المصرية.
وأثارت هذه القضية غضباً دولياً، واعترضت عدة دول من بينها بريطانيا وهولندا وأستراليا وكندا، على الأحكام التي صدرت في يونيو/ حزيران 2014، بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات على الصحافيين، ووُضع النظام المصري في موقف حرج.
وعلى إثر القانون رقم 140، تنازل الصحفي محمد فهمي عن جنسيته المصرية في نهاية يناير/ كانون الثاني 2015، وسافر إلى كندا، بعدما قضى في السجن في مصر نحو العامين.
ويأتي إبعاد المعارضين عن البلاد بعد دفعهم إلى التنازل عن جنسيتهم المصرية، تطبيقاً لقرار بقانون أصدره رئيس الجمهورية رقم 140 لسنة 2014، بشأن الأحكام الخاصة بتسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.
بموجب القرار يُسمح بتسليم المحكوم عليهم في قضايا داخل الأراضي المصرية ويحملون جنسية أخرى أو جنسية مزدوجة إلى دولهم خارج مصر، شرط التنازل عن الجنسية المصرية أولاً، ويكون الإفراج عن المحكومين في أي مرحلة من مراحل التقاضي متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك.
وفي مايو/ أيار 2015، أعلن الناشط محمد سلطان نجل أحد كبار قيادات الإخوان المسلمين، الذي يحمل الجنسيتين المصرية والأمريكية، تنازله عن جنسيته المصرية، للإفلات من عقوبة بالسجن المؤبد في القضية التي عُرفت إعلامياً باسم "غرفة عمليات رابعة" التي حكم عليه فيها و37 آخرين. وبالفعل تم الإفراج عن سلطان ولكن قبل أن يقدم على التنازل عن جنسيته، وذلك بطلب مباشر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ورحل سلطان إلى الولايات المتحدة بعدما قضى عامين في السجن، دخل خلالهما في إضراب عن الطعام استمر أكثر من 450 يوماً، وكان حديث وسائل الإعلام العالمية.
كذلك اضطرت الأمريكية من أصل مصري ريم دسوقي - التي تعمل مدرسة رسم في الولايات المتحدة- إلى التنازل عن جنسيتها المصرية مقابل الإفراج عنها بعد احتجاز استمر نحو 10 أشهر، على خلفية اتهامها بإدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف النيل من هيبة الدولة المصرية والانتماء لجماعة محظورة، بينما توقعت عائلتها أن يكون البلاغ المقدم في ريم "كيدياً" بسبب مشكلات عائلية مع طليقها.
وكانت ريم المقيمة في مدينة لانكستر بولاية بنسلفانيا الأمريكية، عائدة إلى مصر رفقة نجلها؛ لقضاء الإجازة الصيفية مع عائلتها في شهر يوليو/ تموز 2019، لكنها فوجئت بأفراد من وزارة الداخلية في انتظارها في ساحة استقبال الركاب في مطار القاهرة، احتجزوها فور وصولها، واستمر استجوابها لمدة 11 ساعة، وانتهى الأمر إلى احتجازها لمدة 15 يوماً.
واستغاث نجل ريم بالرئيس الأمريكي حينها، دونالد ترامب، في مقطع فيديو بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطرقت إليه وسائل الإعلام الأمريكية، وفي 5 مايو / آيار 2020 أفرجت السلطات المصرية عن ريم الدسوقي.
يرى مراقبون أن تلك الممارسات لا تعدو كونها محاولة من السلطات المصرية لترويع الوطنيين وتخويفهم لمداراة عجزهم ورعبهم منهم، و يؤكدون أن المواثيق الدولية نصت على أنه لا يجوز إسقاط الجنسية لأي سبب من الأسباب، فـ "الجنسية حق مكفول للجميع".