الوقت - تناولت جلسة برلمانية دعت إليها مجموعة اليسار الديمقراطي الجمهوري الفرنسية (GDR)، قضية الصحراء، حيث أعطت الكلمة لأحد أبرز قياديين الجبهة وهو أبي بشرايا البشير عضو الأمانة الوطنية المكلف بأوروبا والاتحاد الأوروبي.
وتعد هذه الجلسة الرسمية العامة لفحص السياسة الخارجية للحكومة الفرنسية، التي احتضنها البرلمان الفرنسي ، المرة الأولى التي خُصصت لقضية الصحراء الغربية، بحضور رسمي يمثل الحكومة الفرنسية.
واتهم مسؤول البوليساريو فرنسا بأنها “تخلت عن التزاماتها تجاه واجباتها والقانون الدولي”، وأضاف “فرنسا ظلت تدعم موقف المغرب الرافض لاستفتاء تقرير المصير ولتمديد صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة”.
وقال مستطردا أن السياسة التي تتبانها الحكومة الفرنسية لم تعد سراً بل أمر واضح، وقد تجلى ذلك في الخروج عن الإجماع الأوروبي من خلال تقديمها لطلب الطعن في الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية في سبتمبر من العام الماضي، الذي دعا بصريح العبارة إلى إلغاء الإتفاقيات المبرمة بين الإتحاد الأوروبي التي تضم الصحراء الغربية.
من جهتها، حذرت الناشطة الحقوقية الفرنسية كلود مونجان، من أزمة حقوق الإنسان الخطيرة في الأراضي الصحراوية المحتلة، بالنظر إلى فظاعة الجرائم التي ترتكبها يوميا قوات الاحتلال المغربي في حق المدنيين الصحراويين. وأثارت السيدة مونجان خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية، ما حدث ليلة 8 نوفمبر 2010 خلال الهجوم العسكري المسلح على مخيم أكديم إزيك وحملات الاعتقالات التي تلت ذلك الهجوم.
وأضافت كلود مونجان، إن سياسة الانتقام كانت العنوان الأبرز من قبل سلطات الاحتلال المغربي ضد النشطاء الصحراويين والمعتقلين السياسيين وعائلاتهم، مستشهدة في السياق بمنعها لسنوات من زيارة زوجها المعتقل السياسي الصحراوي، النعمة أصفاري في سجن القنيطرة وذلك انتقاما منهم على خلفية إدانة لجنة مناهضة التعذيب للدولة المغربية في قضية تعذيب زوجها واحتجازه بشكل صوري.
كما كشفت عن تعرضها للمضايقة والمنع من الترافع عن معتقلي إكديم ايزيك في لقاءين انعقدا في المانيا وستراسبورغ خريف 2018 وذلك في إطار سياسة استهدافها ومحاولة إخراسها.
وقالت زوجة الناشط الحقوقي الصحراوي، أنها تفاجأت بخمس عناصر أرسلتهم القنصلية المغربية بستراسبورغ يحيطون بها ويمنعونها من الحديث في أمسية نظمت بإحدى كنائس المدينة، قبل أن تعمد القنصلية ذاتها الى تنظيم مظاهرة ضدها.
ووجهت انتقادات إلى الدولة الفرنسية العاجزة عن حماية رعاياها والمقيمين على أرضها من تجاوزات نظام، عذب زوجها بشهادة من اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب .
ودعت مونجان أصفاري بلدها إلى التدخل لتفعيل قرار أممي والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين المحتجزين لدى نظام الاحتلال بشكل تعسفي.
وخلال الجلسة المذكورة تدخل عدد من النواب من اليسار منادين الحكومة الفرنسية بمراجعة مواقفها وتبني الموقف الأوروبي الموحد الذي يؤيد مساعي الأمم المتحدة.
من جانبها، ردت وزارة الخارجية الممثلة بالوزير المنتدب بأن فرنسا تلتزم بالمواثيق الدولية والشرعية الدولية وتؤيد الحل المتفق عليه وتدعم الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.
وقال الخبير المغربي مصطفى الطوسة إن ”هذا الجدل الدّائر داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، يأتي نتيجة دخول بعض مجموعات النفوذ الموالية للانفصاليين، على خط هذه القضية”.
وأبرز المحلل والإعلامي المغربي أن “هذا اللوبي يحاول الضغط على الدبلوماسية الفرنسية حتى لا تعترف بمغربية الصحراء بطريقة كاملة وشاملة”، مشددا على أن “الجزائر بدأت تحرك بيادقها على الساحة البرلمانية الفرنسية وتريد بعث بعض الرسائل للرأي العام الفرنسي مفادها بأن بعض الأوساط البرلمانية تساند الانفصاليين”.
وتعيش العلاقات بين فرنسا والمغرب ملفا آخر حارقا، وتفيد جريدة “هسبريس” المغربية أمس أن فرنسا تتجه الى منح الناشطين في يوتوب دنيا وعدنان الفيلالي اللجوء السياسي، ويعد هذا الثنائي من أشرس اليوتوبيرز الذي ينتقدون فساد الحكومة المغربية.
وكان الثنائي يقيم في الصين، وحصلا على حماية الأمم المتحدة بعد مضايقات يزعم أنها من طرف عملاء مغاربة، وحلا بفرنسا بعدما قبلت دراسة ملفهما، والأرجح أنهما سيحصلان على اللجوء، وكتبت جريدة “هسبريس” “إذا ما تحقق ذلك (الحصول على اللجوء)، فإن الأمر سيكون بمثابة ضربة قاضية لمبدأ اللجوء السياسي الذي جعلته الجمهورية الفرنسية من أقدس قيمها".
وخصصت جريدة ليبراسيون الفرنسية صفحتين الاثنين الماضي للثنائي دنيا الفيلالي وعدنان الفيلالي، واهتمت بهما وسائل الاعلام الفرنسية، وتعرضا لحملات من جرائد إلكترونية فرنسية أخرى.
وشاركت وسائل إعلام إسرائيلية في انتقاد الثنائية، وتتهم بعض الصحف المغربية والإسرائيلية الثنائي الفيلالي بمعاداة السامية بسبب مزاعم بانتقادات سابقة لإسرائيل والإشادة بحزب الله، وهذه أول مرة تتهم الصحافة المغربية سياسيين أو نشطاء مغاربة بمعاداة السامية.
ومع هذه الجلسة الخاصة حول الصحراء الغربية ودراسة منح فرنسا اللجوء السياسي لشابين مغربيين رغم الاتهامات الصادرة في حقهما بمعاداة السامية، تسجل العلاقات بين فرنسا والمغرب مزيدا من الغيوم.
ومن شأن هذه الأحداث زيادة الأزمة التي تسجلها العلاقات بين فرنسا والمغرب منذ شهور بسبب التجسس الذي نفذه المغرب بواسطة بيغاسوس الإسرائيلي ضد مصالح فرنسية.
وكان دبلوماسي فرنسي مخضرم محال على التقاعد قد قال بطريقة مازحة “لا يقوم وزراء فرنسيون بزيارة المغرب ولا نستقبل وزراء مغاربة في باريس لأن المغرب أغلق حدوده ولا يوجد طيران بسبب كوفيد 19″، تعليق ساخر يخفي حقيقة تراجع العلاقات الفرنسية-المغربية منذ شهور طويلة بسبب صدامات سياسية على رأسها برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس.
ويعلق “توقفت الزيارات لأن فرنسا لم تحسم بعد هل تجسس المغرب على الرئيس ماكرون أم لا ونتمنى أن لا يكون قد فعل لأننا أصدقاء”. وبمكر الدبلوماسية الفرنسية يضيف “لن أضيف شيئا، فبيغاسوس مازال يباع لمن يدفع”.
ولم توجه باريس دعوة رسمية الى الوزير الأول المغربي عزيز أخنوش الصديق المقرب من الملك المغربي محمد السادس لزيارتها رغم ما تربط حزبه “التجمع الوطني للأحرار” علاقات سياسية وعمل وتبادل مع حركة “الى الأمام” التي ينتمي اليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويبدو أن فرنسا قد اتخذت قرارها، لن تستأنف بشكل طبيعي العلاقات مع المغرب. طالما لم تصل الى نتائج مرضية في التحقيقات التي تقوم بها مصالحها الأمنية والقضائية ومعرفة الجاني الحقيقي الذي تجسس على الرئيس إيمانويل ماكرون وباقي الساسة الفرنسيين.
ولا تصل الأزمة الحالية بين فرنسا والمغرب الى مستوى الأزمة التي عصفت بين البلدين سنة 2014 بسبب ملفات قضائية وأمنية. ولكنها تسير في نفق مشابه، جعلت أبرز المدافعين عن العلاقات بين البلدين الكاتب الشهير طاهر بنجلون يتحدث في مقال له في مجلة لوبوان الفرنسية يوم 7 ديسمبر الماضي عن تدهور العلاقات وكيف فقدت حرارتها المعتادة ويسرد المشاكل ومنها قضية التجسس المغربي على مسؤولين فرنسيين.
وكان يفترض قيام وزراء فرنسيين بزيارات الى المغرب للتعريف ببرنامج التعاون كما حدث في الماضي، ومن المقرر في يناير الجاري ان يفتح المغرب الحدود الجوية مع باقي العالم، ومن المستبعد حصول زيارات ثنائية بين مسؤولي فرنسا والمغرب، فتأثير بيغاسوس أكثر من تأثير كوفيد 19 بالاضافة الى هذا الحدث البرلماني الاخير.