الوقت_ عقب فشل الوسيط المصريّ بشكل ذريع منذ انتهاء الهجوم الصهيونيّ الفاشل على قطاع غزة المحاصر في أيار/ مايو المنصرم، والذي استمر 11 يوماً، في فرض معادلة متزنة ومستمرة لوقف التصعيد الصهيونيّ المتكرر من مختلف النواحي، تحدثت وسائل إعلام عبريّة، أنّ وفدا استخباراتيّاً مصريّاً رفيع المستوى، وصل إلى الأراضي الفلسطينيّة التي تحتلها العصابات الصهيونيّة، لإجراء محادثات مع مسؤولين في حكومة العدو، لبحث ملفات أمنيّة وُصفت بـ "الحساسة" تتعلق بآخر التطورات في غزة، واتصالات مع قادة الفصائل الفلسطينية في القطاع.
تحذيرات ومطالبات مصريّة
لا يخفى على أحد أنّ الحكومة المصريّة لم تقدم أيّ ضمانات حقيقية لفصائل المقاومة الفلسطينيّة بإلزام العدو المجرم بتخفيف الحصار المفروض على غزة، وبدل أن يُكسر الحصار المفروض منذ عقد ونصف وتدخل المواد اللازمة وبالأخص مواد الإعمار والاحتياجات الضروريّة لإعادة بناء الاقتصاد الفلسطينيّ، أرسل جيش العدو مزيداً من الدبابات والقناصة لحدود غزة، فيما اتفقت الفصائل مؤخرا على بدء التصعيد خلال الأسابيع القادمة، ومنح مهلة حتى نهاية شهر كانون أول/ديسمبر الجاري، من أجل منح فرصة لتنفيذ التفاهمات وتخفيف الحصار، وهو ما يعني سحب الذرائع من الاحتلال والوسيط المصريّ على حدٍ سواء، عقب تحذيرات للاحتلال الإسرائيلي، من التلكؤ في الالتزام بالتفاهمات التي تلت العدوان الأخير على القطاع.
وفي هذا الصدد، فإنّ الوفد الأمنيّ المصري سيضم قيادات من جهاز المخابرات، ولن يكون اللواء عباس كامل على رأس الوفد لأسباب مجهولة، وسيبحث الوفد ملفات هامة متعلقة بأخر التطورات في قطاع غزة، وتهديد فصائل المقاومة المتصاعد بفتح جبهة تصعيد جديدة مع العدو الغاشم، والعودة لوسائل قتاليّة كانت قد أوقفتها منذ مّدة، بسبب تماطل وتملص تل أبيب من تنفيذ خطوات رفع الحصار عن سكان غزة.
كما أنّ زيارة الوفد المصري لن تستغرق أكثر من يومين، وبعد ذاك سيكون هناك اتصالات مع قادة فصائل غزة على رأسها حركة “حماس”، لإطلاعهم على نتائج زيارة العدو، ودراسة الخطوة المقبلة، في ظل الأوضاع المشحونة والتهديد المتكرر بحرب جديدة قد تكون وشيكة، في ظل إصرار تل أبيب على عرقلة سير تلك القضيّة وربط قضيّة إعادة إعمار القطاع وفك الحصار عنها بتسوية قضية أسرى الجنود الصهاينة الأربعة لدى الحركة، والذي أسر 2 منهم خلال الحرب العدوانيّة على غزة صيف عام 2014 أما الآخران فدخلا غزة في ظروف غامضة، وهذا ما ترفضه المقاومة وبالأخص "حماس"، مع تمسك فصائل المقاومة الفلسطينيّة بحق إنهاء حصار القطاع بشكل كامل.
وبالتزامن مع تصاعد نبرة التهديد الصهيونيّة بالاستمرار في سياسة الاغتيالات، سيطالب ويحذر وفد المخابرات المصري تل أبيب من تنفيذ أيّ عمليات اغتيال مفاجئة لقادة الفصائل في غزة أو خارجها، لأنّ هذه الخطوة التي وُصفت بـ“الضارة” قد تقلب الأوضاع بأكملها وتدخل المنطقة بحلقة تصعيد شديدة الخطورة وذات نتائج كارثيّة، حيث إنّ العدو الباغي يعتقد أنّه في حال استطاع أن يقضي على بعض القيادات البارزة يمكنه أن ينهي منهجاً مقاوماً لا يمكن أن يميل قد أنملة عن أهدافه في القضاء على الاحتلال البغيض والعنصريّ، وإنّ المقاومة أكّدت مراراً أنّها لن تأبه أبداً من أيّ خطوة إسرائيليّة تصعيديّة لأنّها وباعتراف قيادات العدو نفسها، باتت تملك مفاتيح اللعبة وأصبحت في قوة رادعة للغاية، وقد شهدت الأشهر الماضيّة.
وهنا لابد من التذكير بأنّ معركة “سيف القدس” التي ألحقت هزيمة عسكريّةً ومعنويّة غير مسبوقة في جميع الأوساط الإسرائيليّة وأدت بشكل كبير إلى إسقاط حزب "الليكود" المتطرف وزعيمه نِتنياهو من الحكم، دفعت أجهزة الأمن التابعة للعدو الغاصب لأن تعمل بشكل مستمر لجمع المعلومات عن أبطال المقاومة في حرب غزة، ولكن "إسرائيل" فشلت فشلاً ذريعاً في خططها العدوانيّة لسبين، الأول لأنّها فشلت في الوصول إليهم، وثانيّاً لأنّ القيادتين العسكريّة والأمنيّة للكيان القاتل تعلم جيداً أنّ تلك الغلطة ستكون ذات تأثير أبعد مما يتخيلون وأنّ الرد سيكون مُؤلماً ومُدمراً للغاية.
مماطلة إسرائيليّة
تأتي الزيارة المصريّة في ظل التهرب والمماطلة الإسرائيليّة لإنهاء معاناة الفلسطينيين في القطاع، حيث إن تل أبيب لا تتجاوب مع مطالب إنهاء الأزمة الإنسانيّة في القطاع المحاصر الذي يعيش "حالة ضبابيّة" مع استمرار قيود الحصار الخانق، وآثاره المدمرة على كافة مظاهر الحياة في القطاع وشل مؤسساته، ناهيك عن التصعيد المتكرر لقوات العدو الغاصب بالقصف وتضييق الخناق على الصيادين والتجار وغيرها من الحالات التعسفيّة، ما دفع بالفصائل الفلسطينيّة مؤخرا إلى إيصال رسالة شديدة اللهجة إلى جهاز المخابرات المصريّ بشأن أوضاع غزة القابلة للانفجار في أي لحظة، إضافة إلى الأوراق التي تملكها المقاومة للجم الكيان وسياساته العدوانيّة.
“وقد كانت الفصائل الفلسطينيّة جادة وحازمة وأمهلت للمرة الأخيرة العدو القاتل لتحديد موقفه الرسميّ والواضح من الأوضاع الدائرة في قطاع غزة وحالة التوتر القائمة، حيث يعتبر الفلسطينيون أنّ إرهاب الاحتلال الصهيونيّ وعدوانه المتمثل في الحصار ومنع الإعمار يأتي في سياق محاولة التغطية على فشله الأمنيّ والعسكريّ وابتزاز الشعب الفلسطينيّ والضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة، وذلك عقب الحرب الأخيرة التي شنّتها قوات الاحتلال على القطاع وتركت العدو في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة.
“وجاء التحرك المصريّ بعد رسالة من الفصائل بأنّ الوضع لن يبقى كما هو عليه كثيراً"، وفي حال واصل الاحتلال سياسة المماطلة والتصعيد المستفزة، فإنّ فصائل المقاومة تملك أوراقاً قويّة كثيرة، وتجمع على أنّ الهدف من التطاول والاعتداء الإسرائيليّ، هو التستر على هزيمة العدو وتقليل الانهيار الكبير بعد انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس"، التي اعتبرها الصهاينة حتى نصراً كبيراً للمقاومة، بالرغم من محاولة إخفاء ذلك من بعض المسؤولين، حيث حمل الانتصار رسائل تحدٍّ كبيرة.
وما ينبغي ذكره أنّ مصر عبرت عن غضبها الشديد في الفترة الماضية من ممارسات الكيان الصهيونيّ التصعيديّة في غزة، حيث اعترضت القاهرة خلال زيارة وفد إسرائيليّ ترأسه مستشار الأمن القوميّ الصهيونيّ، إيال حولتا، للعاصمة المصرية، وطالبت تل أبيب باحترام التعهدات وتقديم التسهيلات تجاه القطاع، والبدء بتنفيذ جميع الخطوات التي تم الاتفاق عليها لتخفيف من الحصار ووقف أعمال التصعيد والقصف المتكرر لغزة.
في النهاية، سيرضخ العدو والأيام القادمة ستشهد، لأنّ تمسك الفصائل الفلسطينيّة بضرورة فك حصار غزة وإعادة إعمارها، ينبع من ضرورة وضع حد لمعاناة الأهالي داخل القطاع، وإفشال محاولات تل أبيب تدمير حياتهم وعزلهم عن أراضي بلادهم المحتلة، خاصة أنّ العدو يقوم بتشديد الحصار أكثر فأكثر على غزة، عبر فرض حصار بريّ بإغلاق المنافذ ومنع حتى المرضى من الخروج للعلاج، وآخر بحريّ إما بمنع الصيد أو تقليل مساحته.