الوقت- منذ ما يقارب 35 عاما ولازالت أمريكا تفرض عقوبات إقتصادية صارمة وشاملة علی الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهدف إجبار طهران علی الركوع أمام هيمنتها الدولية، حيث لازالت هذه العقوبات تستمر دون أن تؤدي الی رضوخ إيران أمام السياسة الأمريكية. ولقد ألحق التعنت الأمريكي الذي يتمثل في فرض العقوبات الإقتصادية علی إيران، أضرارا ليس بالإقتصاد الأمريكي فحسب، بل باقتصاد العالم باسره. وادت هذه العقوبات الی خسائر فادحة بالإقتصاد الیاباني واقتصادات الدول الغربية مجتمعة وكوريا الجنوبية وكذلك الاقتصاد الروسي والصيني، وذلك من خلال حرمان هذه الدول من الإستثمار في إيران وشراء منتجاتها البترولية، خاصة النفط والغاز. الیوم وبعد توقيع إتفاق فيينا بين إيران ومجموعة دول «5+1»، وبالرغم من أن الإتفاق الموقع يؤكد علی رفع جميع العقوبات الإقتصادية المفروضة علی إيران، فان واشنطن لازالت تلمح ببقاء بعض هذه العقوبات. وبموازاة ذلك تؤكد إيران أن بقاء اي من العقوبات المفروضة عليها سيؤدي الی نسف الإتفاق الذي أبرمته مع القوی العالمية. إذن بين هذا الإصرار الإيراني الذي يؤكد علی لزوم إنهاء جميع أشكال العقوبات الدولية المفروضة علی طهران، ومحاولات واشنطن لإبقاء باب العقوبات مفتوحا ضد إيران، كيف سيكون مصير هذه العقوبات؟
في البداية اسمحوا لنا أن ندخل في صلب الموضوع من زاوية الجاسوس الإسرائيلي «جوناثان بولارد» الذي افرجت عنه السلطات الأمريكية يوم الجمعة الماضي، بعد أن أمضی 30 عاما من حياته خلف قضبان السجون الأمريكية. الكثيرون رأوا أن اطلاق سراح بولارد يعتبر هدية ثمينة من قبل الرئيس الامريكي باراك اوباما، لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وبالطبع فان قصة بولارد الذي كان يعمل كمحلل استخبارات مدني في السابق لدی القوات البحرية الأمريكية، من المفترض أنها الی حد ما معروفة للجميع، فانه دخل السجن بعد اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1986 بعد ادانته بتهمة التجسس لصالح الكيان الإسرائيلي. وظلت جميع مساعي المسؤولين في الکيان الإسرائيلي التي طالبت باصدار عفو أمريكي لإطلاق سراح بولارد، تصطدم بعدم الإجابة من قبل الرؤساء الأمريكيين. لكن اخيرا وافق الرئيس اوباما علی اطلاق سراح بولارد وأصبح خارج السجن، رغم اشتراط واشنطن علی أنه لم يسمح لبولارد بمغادرة أمريكا حتی الأعوام الخمسة القادمة. ولكن يبدو ان الضغوطات بدأت تمارس علی واشنطن للسماح لبولارد بالرحيل الی الکيان الإسرائيلي.
عودة بولارد الی الکيان ستكون بمثابة افلاته بشكل مطلق من جميع القيود الأمنية التي اشترطتها أمريكا في الإتفاق الذي أدی الی الافراج عنه. حيث تم الاشتراط بان يتم وضع سور الكتروني بيد بولارد لمراقبته من قبل الاجهزة الأمنية الامريكية علی مدار الساعة. فضلا عن أن الإتفاق نص علی مراقبة جميع اجهزة الحواسب الشخصية او التي تعود ملكيتها الی اي شركة يعمل فيها بولارد مستقبلا، دون اي شرط او قيد.
إذن اسمحوا لنا لنعود مرة اخری الی صلب موضوع التحليل وهو العقوبات الإقتصادية الأمريكية ضد إيران. كثيرا ما سمعنا من المسؤولين الأمريكيين أنهم يتحدثون بعد اتفاق فيينا النووي بان بعض العقوبات الإقتصادية ضد إيران لا يمكن إلغائها لان ذلك سينتهك القانون الأمريكي!. وفي هذا السياق يقول كثير من المتابعين إن واشنطن تريد من جهة إبقاء العقوبات الإقتصادية ضد إيران لشل الاقتصاد الإيراني، (ولهذا تزعم أنه لا يمكن رفع بعض العقوبات) ومن جهة اخری تريد الحفاظ علی الإتفاق النووي مع إيران، وتعلم أنه في حال بقيت العقوبات فان إيران ستكون غير ملزمة بالاعتراف بالاتفاق النووي.
لكن بعد أن تم الافراج عن بولارد، أصبح هنالك الكثير من المحللين يتسائل، عن أنه كيف استطاع الرئيس الأمريكي أن يلتف علی القانون الأمريكي ان صح التعبير، ويصدر عفوا عاما عن الجاسوس الاسرائيلي والذي هدد الأمن القومي الأمريكي بشكل صارخ، والذي كان من المفترض وفقا للقانون الأمريكي أن يبقی مدی الحياة في السجون الأمريكية؟! ويقول هؤلاء المتسائلون ايضا: إذن كيف نصدق الرئيس الأمريكي أنه لا يستطيع إلغاء بعض العقوبات المفروضة علی إيران بسبب تشريعات الكونغرس او الدوائر القانونية الاخری؟
إذن لا شك أن الرئيس الأمريكي يستطيع إلغاء اي عقوبات مفروضة علی إيران حتی إن كان منشأها قرارات صدرت من قبل الكونغرس او سائر دوائر القرار الأمريكية. وبناء علی هذا فينبغي علی الرئيس اوباما، إلغاء جميع العقوبات الإقتصادية التي تفرضها بلاده علی إيران إن كان حقا يريد أن تبقی طهران ملتزمة بإتفاق فيينا النووي، وإلاّ فانه سيكون المسؤول الاول والاخير إذا ما الغت الحكومة أو البرلمان الإيراني، الإتفاق النووي من جانب واحد، في حال بقاء اي نوع من العقوبات الاقتصادية الأمريكية علی إيران، لأن ذلك سيكون مخالفا لنص إتفاق فيينا النووي.