الوقت - بعد إغلاق جميع الأبواب أمام السعودية في اليمن وعدم تحقيق أي من أهدافها في هذه الحرب المدمرة، وبينما كان السعوديون يبحثون عن حل سحري لتقليل الخسائر، خاصة على جبهة مأرب، بدأت عملية "توازن الردع الثامنة" لأنصار الله واستهدفت عدة مواقع في عمق السعودية لتضاف إلى ارتباك السعودية.
والسؤال هنا هو ما إذا كانت السعودية تفضل البقاء في مستنقع هذه الحرب المدمرة وتحمل تبعاتها لعدة أجيال قادمة أم ستحاول إيجاد مخرج من هذا المأزق بعد حساب خسائرها. تحاول السعودية في الوقت الراهن إنكار هزيمتها الفادحة في كل جغرافية اليمن، ولا سيما في مأرب. يبدو أن السيناريو الحالي للسعودية هو أنها تعتقد أنه إذا أطالت الحرب وقتلت المزيد من المدنيين ووسعت دائرة الدمار في اليمن، ستتمكن من اخفاء هزائمها البارزة في هذه الحرب.
هذا التخطيط السعودي ما زال يأمل في الحصول على دعم ومساعدة أمريكا. وعلى الرغم من كل مزاعم الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن وقف بيع الأسلحة للسعودية، فإن صفقات السلاح بين الجانبين مستمرة ونرى استمرار استخدام المعدات الأمريكية في عدوان التحالف السعودي على مواقع المدنيين اليمنيين.
هناك حديث الآن عن صفقة ضخمة لبيع العشرات من أنظمة الدفاع الأمريكية ثاد للسعودية، أغلى نظام دفاعي في العالم، ومن الواضح أن هذا النظام كغيره من الأنظمة الأمريكية لن ينجح في منع الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية من الوصول للسعودية.
ربما كان الهاجس الرئيسي للسعوديين قبل الآن هو الصواريخ الباليستية اليمنية، وكانوا يعتقدون أن الطائرات اليمنية المسيرة لا يمكن أن تتمتع بقدرة عالية على اختراق عمق السعودية. لكن نرى أن الطائرات المسيرة اليمنية تحلق بسهولة في سماء السعودية ولا يوجد نظام دفاعي قادر على اعتراضها. هذه المحاولات السعودية لإنكار هزيمتها لا تقتصر على ساحة المعركة اليمنية وفشل أنظمتها الدفاعية في اعتراض الطائرات المسيرة والصواريخ اليمنية، بل تتعلق أيضاً بالوضع السياسي السعودي في هذه الحرب وعلاقاتها مع حلفائها في تحالف العدوان العربي، لا سيما الإمارات.
بالإضافة إلى ذلك، ليس لدى الرياض أوضاع مواتية في مستوى علاقاتها مع مرتزقتها داخل اليمن. ومن ناحية أخرى، تسمع دائما أنباء حول اشتباكات عسكرية بين المرتزقة السعوديين والإماراتيين في جنوب اليمن لا يمكن حلها. وبالإضافة إلى الهزائم الثقيلة التي تعرضت لها السعودية على جبهة مأرب، كان الانسحاب الاجباري لتحالف العدوان السعودي من منطقة الحديدة الاستراتيجية بمثابة ضربة أخرى للرياض في حرب اليمن.
لكن إلى متى ستستمر السعودية في إنكار هزائمها؟ هل يمكن لهذا البلد أن يواصل سياسته العدوانية الجائرة على اليمن وتفويت جميع الفرص لتسوية الحرب بالحل السياسي السلمي؟
من ناحية أخرى، إلى متى يمكن للسعودية أن تستمر في سياستها المتمثلة في عدم التقييم المناسب للعواقب المالية والسياسية والأخلاقية للحرب المدمرة في اليمن والمكلفة لكل السعوديين؟ هل تضمن السعودية خروجاً آمناً من الحرب اليمنية بعد هذه الهزائم الكبيرة؟
كيف سيكون رد فعل السعودية إذا تفاقم الوضع ووصل اليمنيون كافة إلى مستوى المواجهة مع السعودية وقرر اليمنيون شن حرب داخل السعودية، الذين بالطبع يملكون القوة لفعل ذلك؟ خاصة وأن عملية توازن الرادع الثامنة أظهرت أن جر الحرب إلى داخل السعودية ليس مهمة صعبة لأنصار الله.
تُظهر تطورات الحرب اليمنية في ظل عدم وجود رؤية سياسية واستراتيجية للسعودية للانسحاب منها أن هذا البلد خسر أيضا دعم مرتزقته داخل اليمن. إن الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة المتكررة لأنصار الله في عمق السعودية، مستهدفة منشآتها الحيوية، تظهر أن السياسة السعودية فشلت في عزل اليمن ووضعه في موقف الضعف.
رغم أن السعودية بدأت الحرب في اليمن وراهنت على احتلال اليمن وعزل لجانه الشعبية؛ لكن الآن انعكست الأوضاع وهناك دلائل على قدرة عالية للجيش اليمني واللجان الشعبية على تحقيق أي نجاح في هذه الحرب.
إن اختراق الطائرات اليمنية المسيرة مناطق حساسة واستراتيجية مثل الرياض وأبها وجدة، وهي من أكثر المواقع حيوية للسعودية، يظهر أن هذا البلد لم يكن قادراً على رسم معادلة ردع مقبولة ضد جماعة أنصار الله خلافا لمزاعمه.
من جهة أخرى، أنفقت السعودية أموالاً طائلة في السنوات الماضية لجذب بعض القبائل في جنوب اليمن من أجل خلق جبهة موافقة لها في هذا البلد. لكن بعد حدوث تحول في ميزان القوى في الحرب اليمنية والهزائم المتتالية للسعودية، كانت هذه القبائل نفسها من أوائل الاطراف التي قطعت تحالفها مع الرياض، واتهمت السعودية بالخيانة.
ونتيجة لذلك، انضم العديد من أفراد هذه القبائل، وكذلك العسكريين الذين كانوا في صفوف مرتزقة السعودية، الواحد تلو الآخر إلى قوات صنعاء، مبدين ندمهم من خيانة بلادهم.
يعتقد العديد من المراقبين أن السعودية ستضطر في النهاية إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بسحب جميع مطالبها وقبول شروط أنصار الله من أجل الخروج من الحرب اليمنية بأقل الأضرار على الأقل.
وبناءً على ذلك يمكن القول إن السعودية قد تواجه خيارين في المرحلة المقبلة:
- قد يتجه اليمن نحو فترة انتقالية وتشكيل حكومة بمشاركة جميع الأطراف بما في ذلك حركة أنصار الله. وهكذا يفشل الهدف الأول للسعودية وهو عزل حركة أنصار الله وإلغائها من اليمن، ويضطر السعوديون إلى قبول أنصار الله كمكون فاعل داخل اليمن، والذي اثبت تواجده الواسع على جميع الجبهات وتولى دورا رئيسيا في حماية شعب هذا البلد.
- الخيار التالي الذي يمكن توقعه هو أن يقوم الجيش واللجان الشعبية اليمنية بتحرير جميع المناطق الاستراتيجية في هذا البلد من احتلال تحالف العدوان بعد تحرير مأرب وشبوة. وهكذا تجبر السعودية على الاعتراف بعبثية الحرب اليمنية وقبول إنهائها لتلافي زيادة التكاليف السياسية والاقتصادية لهذه الحرب التي تتزايد يوما بعد يوم. في هذه المرحلة، قد تطرح السعودية شروطاً مثل وقف هجمات أنصار الله على منشآت أرامكو.
وبالطبع، إن قبول أي من هذين الخيارين سيرافقه تحديات عديدة للسعودية، ولن تحقق اي انجاز سواء استمرت في هذه الحرب ام انسحبت منها.