الوقت- لم يحظى "مهرجان العود الدولي" الإسرائيلي في القدس، بأي مشاركات مهمة هذا العام، حيث نجحت اللجنة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل من الداخل (BDS 48) والحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية (PACBI) في اقناع الفنانين الفلسطينيين والعرب والدوليين بعدم المشاركة، وأقدم عدد كبير من الموسيقيين الفلسطينيين والعرب والدوليين بالتوقيع على بيان، للمطالبة بمقاطعة كاملة لـ "مهرجان عود" الإسرائيلي السنوي الذي يبدأ يوم غد الخميس ويستمر حتى27 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في القدس المحتلة، كما دعا البيان إلى الوقوف ضد التطبيع مع نظام يهدف إلى استعمار عاصمة فلسطين بأكملها.
وأوضح البيان أن العود، الآلة الوترية الأساسيّة للثقافة الموسيقيّة الفلسطينيّة والعربية، يتم الاستيلاء عليه من قبل دولة صهيونية يقوم تاريخها على محو وسرقة سبل العيش الأصلية للشعب الفلسطيني بينما تُعيد "بلدية القدس" الإسرائيلية إطلاق مشاريع العلاقات العامّة الموسيقية مع تخفيف بعض القيود المفروضة على فيروس كورونا .
وقال البيان إن "مهرجان عود" يدلُ على غسيل ثقافي لجرائم الاستعمار الإسرائيلي. وعلى هذا الأساس نقف ضد كل مشاركة فلسطينية ودولية.
باستثناءات قليلة للغاية، فشل منظمو المهرجان فشلاً ذريعًا في تجنيد موسيقيين فلسطينيين وعرب للتواطؤ في عرض مهين لـ "التعايش" الذي تُمليه "اسرائيل"، هذا يعكس المعارضة الشعبية وموقف فناني فلسطين ويجب أن نبني على الإمكانيات الثورية لالتزام الموسيقيين الفلسطينيين بمناهضة التطبيع وأن نكشف للعالم الجذور السياسية الصهيونية لهذه الظواهر الثقافية.
وفي حين قرر العديد من الفنانين والفرق الانسحاب من المهرجان "لتعارضه مع المبادىء الوطنية"، رأت فرقة "ترشيحا" أن مشاركتها لا تمس بثوابتها الأخلاقية والوطنية، "بل هي جزء من الصراع الذي تخوضه الأقليّة الفلسطينية داخل إسرائيل لتثبيت هويتها الثقافية".
في الحقيقة إن مهرجان "العود" هو مهرجان دعائي بامتياز، يجسد ما يطلق عليه الأديب الراحل إدوارد سعيد الإمبريالية الثقافية التي تسعى الى سرقة موروثنا الثقافي وادعاء ملكيته، كما تفعل بالأرض وبالتاريخ. لقد دعت الحملة في بيانها إلى مقاطعته من قبل الفنّانين الفلسطينيين لأن مشاركتهم فيه لا تعد تطبيعاً فحسب، بل تقدم ورقة توت فلسطينية لمهرجان صهيوني يهدف إلى غسل جرائم إسرائيل ضد شعبنا وثقافتنا وإرثنا وأرضنا.
المقاومة الثقافية لا تقل إطلاقاً عن المقاومة بالسلاح، وهي من أهم أشكال النضال الفلسطيني المدعوم عالمياً لفرض العزلة على إسرائيل، مثلما تم عزل جنوب أفريقيا في زمن الأبارتهايد لإجبارها على الانصياع الى القانون الدولي، ومن أجل تحصيل حقوقنا غير القابلة للتصرف وعلى رأسها حق تقرير المصير وعودة لاجئينا إلى الديار بموجب قرار الأمم المتحدة 194.
لقد نمت حملة المقاطعة الثقافية لإسرائيل تحديداً منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة المحاصر وبعدها على أسطول الحرية. فقد التزم عدد هائل من أهم الفرق العالمية والفنانين بالمقاطعة ورفضوا إقامة حفلات في تل أبيب.
إن مشاركة بعض الفنانين الفلسطينيين في مثل هذه المهرجان يوجه صفعة قوية لقضيتهم، ويصعب المهمة على حملات المقاطعة لمنع الفنانين الدوليين من المشاركة.
إن أقل ما يفعله الفنانين الفلسطينيين هو المقاطعة لمثل هذه الفعاليات الثقافية، فهذا ما فعله المثقفون والأكاديميون من ذوي الضمائر الحيّة أثناء حقبة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. إن أضعف الإيمان، هو الامتناع الواعي عن المشاركة في التغطية على جرائم إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا واجب أخلاقي إنساني على كل فنان وأكاديمي ومهني، بل على كل إنسان يؤمن بقيم الحرية والعدالة والمساواة.
إن حملة مقاطعة المهرجان لم تأت من فراغ، بل هي نتاج عملية حوار مستمرة منذ أكثر من عامين مع ناشطين وناشطات من كافة التوجهات السياسية بين فلسطينيي 48.
قد لا تاتي النتائج بسرعة لأن حملات المقاطعة مهمة ومفيدة على المدى الطويل، فالجدل الواسع الجاري في مناطق 48 حول قضية التطبيع والمقاطعة، ربما لأول مرة بهذه القوة والانتشار والعمق.
بالعودة إلى البيان الذي أصدره الموسيقيين الفلسطينيين، فقد اعتبر أنه "بصرف النظر عن النوايا، تعدّ مشاركة هؤلاء الفنانين الفلسطينيين في هذا النشاط ذي الطابع الدوليّ برعاية إسرائيلية رسميّة خرقاً لمعايير المقاطعة المتّبعة في أراضي عام 48، كونها توفر غطاءً فلسطينياً لمهرجانٍ إسرائيلي دوليّ ندعو الفنانين/ات العالميين/ات لمقاطعته، كما تشكّل ورقة توتٍ لتغطية ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية وبلديّة الاحتلال في القدس من جرائم بحق شعبنا المستمر في نضاله من أجل حقوقه غير القابلة للتصرف. حيث تدعو معايير المقاطعة إلى "عدم المشاركة في أنشطة إسرائيلية ذات طابع دوليّ وخاضعة للمقاطعة"
وأضاف أن هذا يعتبر خرقا أكبر في ظل قانون القومية الصهيوني العنصري واستمرار الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو القدس المحتلة على يد بلدية الاحتلال العنصرية.
ودعا البيان كلّ المشاركين في المهرجان إلى "الانسحاب والامتناع عن المشاركة في أنشطة ومهرجانات مدعومة رسمياً من حكومة الاحتلال وتحمل طابعاً دولياً"، بالإضافة إلى دعوة "جماهير شعبنا الفلسطيني كافة، وبالذات في مناطق 1948 والقدس المحتلة، لمقاطعة هذا المهرجان بكلّ الأشكال الممكنة".