الوقت_ في ظل الرفضٌ الجزائريّ لأيّ وساطة عربيّة أو حتى غربيّة للمصالحة مع المغرب، نتيجة لارتفاع حجم توتر العلاقات بين البلدين الجارين، والتي وصلت إلى حد القطيعة بسبب المتغيرات الأخيرة في المنطقة وبالأخص في المغرب العربيّ عقب تطبيع حكومة الرباط مع الكيان الصهيونيّ الغاصب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه أو ما يعرف بـ "الصحراء الغربيّة" إضافة للتآمر مع تل أبيب للنيل من الموقف الجزائريّ المقاوم والكثير من الملفات الأخرى، تمر العلاقات بين الجزائر وبعض الدول الخليجيّة وبالأخص السعودية وقطر بحالة من الفتور، حيث تنتقد الجزائر بعض الدول التي تساند المغرب في ملف الصحراء، لدرجة أن وسائل الإعلام الجزائريّة شنّت هجوما لاذعاً على السعودية التي أعلنت مواقفاً داعمة للمغرب.
لا يخفى على أحد أنّ الجزائر ترفض بشكل كامل تضمين جدول أعمال وزراء الخارجيّة العرب أيّ مبادرة للمصالحة، بعد القرار الأخير بقطع العلاقات الدبلوماسيّة، ولم تقبل الجزائر أيّ عروض للوساطة من الكويت والسعودية والإمارات لحل النزاع مع المغرب، وأغلقت السفارة المغربيّة لديها بسبب الخلافات الكبيرة والتصريحات اللاذعة، مع ارتفاع منسوب العداء بشكل غير مسبوق بينهما وتأزم العلاقات أكثر وأكثر، نتيجة انخراط المغرب في مشاريع تستهدف جيرانه، ناهيك عن تناقض المواقف في عدة ملفات حساسة في المنطقة، ترى الجزائر فيها أنّها مُستهدفة بالفعل من أعداء الماضي والحاضر، في إشارة إلى المتعاونين والمُطبعين مع الصهاينة.
ومع إشارة السلطات الجزائريّة إلى أنّ قطع العلاقات الدبلوماسيّة جاء بعد تصاعد التوترات التي تفتعلها الرباط الضالعة في أعمال عدائيّة ضد بلادهم، وغياب الرغبة الجزائريّة في تطبيع العلاقات المتأزمة مع المغرب، تعتقد الطبقة السياسيّة ووسائل الإعلام الجزائريّة أن رفض حكومتهم للوساطة يدفع دول مؤثرة مثل السعودية إلى رد فعل يتمثل في إعلان موقف داعم لسيطرة المغرب على الصحراء، حيث إن المندوب السعوديّ الدائم لدى الأمم المتحدة مؤخراً، كان بمثابة رد فعل على رفض الوساطة.
“نظام آل سعود الإجرامي يهدد الجزائر في الأمم المتحدة”، هكذا وصفت بعض الصحف الجزائريّة رد الفعل السعوديّ، كما شنّت هجوماً حاداً على العائلة الحاكمة في بلاد الحرمين، رداً على التدخل السعوديّ السافر في الأمم المتحدة المساند للمغرب التي هددت الأمن الجزائريّ وفقاً لوجهة نظهرهم،، وسمحت للصهاينة بالتجسس على بلادهم انطلاقاً من الحدود المغربيّة، واستعملت الرباط برنامج “بيغاسوس” للتجسس على المسؤولين الجزائريين، إضافة إلى أنّها شّعت حركة الانفصال في منطقة القبائل، ناهيك عن تحميل المغرب مسؤولية الحرائق التي شهدتها هذه المنطقة في الفترة الماضيّة، الشيء الذي كشف الانخراط المغربيّ مع العدو الإسرائيليّ لمحاربة الجزائر لصدّ الحملة التي قادتها ضد قبول الكيان كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقيّ.
ووفقاً لوسائل إعلام جزائريّة، فإن كلمات الممثلين الدائمين للسعودية قطر في الأمم المتحدة حول "الصحراء الغربيّة"، قد أثارت غضباً واسعاً في الأوساط الرسميّة والشعبيّة في البلاد، والتي جاءت بحسب متابعين، لتستكمل قواعد اللعبة في المغرب العربيّ انطلاقاً من المغرب المنخرطة في تحالفات استخباراتيّة مع بعض الدول بالإضافة للكيان الصهيوني، لاستهداف الجزائر وإشغالها عن القضايا المصيريّة وإبعادها عن القضايا العربيّة والإفريقيّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ التصريحات السعوديّة والقطريّة خلال جلسة النقاش العام للجنة الرابعة في دورة الجمعية العامة الـ76، والتي أكّدت دعمهما لجهود المغرب الرامية إلى تحقيق ما أسمتاه "حل سياسيّ واقعي” لقضية الصحراء الغربيّة، وشدّدت على دعمها لمبادرة “إنشاء حكم ذاتي في المنطقة"، وإعرابهما عن رفض لأيّ مساس بـ "المصالح العليا للمغرب أو التعدي على سيادته أو وحدة أراضيه"، لا تعدو عن كونها دعماً علنيّاً لأطراف متحالفة مع الصهاينة لجعل ملف الإقليم الصحراويّ الذي يُعد من أبرز نقاط الخلاف هناك، حيث تقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيطرتها، فيما تطالب جبهة "البوليساريو" المناضلة ضد الاستعمار المغربيّ، باستفتاء يقرر مصيرهم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من الإقليم الصحراويّ، فيما يسيطر المغرب على أجزاء كبيرة من الصحراء الغربيّة التي أعلنت جبهتها الصحراويّة عن تأسيس "الجمهورية العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة" و شكلت حكومتها في منطقة "تندوف" الجزائريّة.
وبما يخص الإقليم الصحراويّ الذي شهد نزاعاً بين المغرب وجبهة "البوليساريو" منذ عام 1975، أي بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ومن ثم يتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، تؤكّد الجزائر على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الملف الحساس، خاصة وأنّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبيّ والاتحاد الأفريقيّ لا يعترفون بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة، وتُصر الجزائر على أنّها ماضية في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، رافضة كل ما يمكن أن يثنيها عن مواقفها وخياراتها.
وفي الوقت الذي تعتبر الجزائر قضية "الصحراء الغربية" من أولوياتها، وتشدّد على ضرورة تحمل المسؤوليّة القانونيّة الكاملة في تطبيق الشرعيّة الدوليّة، وإعطاء الشعب الصحراويّ حقه في تقرير مصيره، بعد خيانة فلسطين والجرائم البشعة التي ارتكبها المغرب بحق هذا الشعب لتحقيق أهدافه التوسعيّة، تدرك الحكومة الجزائريّة حجم الأهداف المغربيّة الخطيرة، لاستهداف بلادهم عبر التجسس والتطبيع وملف الصحراء الغربيّة والتواجد العسكريّ الحدوديّ، ما يُشكل استفزازاً و تهديداً للأمن القوميّ الجزائريّ عبر المخططات المغربيّة والغربيّة والإسرائيليّة المعاديّة للجزائر و للوحدة المغربيّة في آن واحد.
وبناء على ذلك، يكون العدو الغاصب الذي كان ضالعاً بشكل كبير في تدهور العلاقة إلى هذا الحد بين البلدين قد نجح في استعمال المغرب كورقة لضرب العلاقات العربيّة وبالأخص بين دول المغرب العربيّ، وبالتالي فإنّ التعاون العربيّ هو الخاسر الأكبر نتيجة بناء العلاقات مع الأعداء ومعاداة الدولة التي تربطها أواصر الدم والأخوة والثقافة والنضال المشترك ضد المستعمر الفرنسيّ مع المغرب، لإشغالها وإبقائها بعيدة عن القضايا الهامة والعادلة، وثنيها عن مواقفها العادلة المناهضة للاستعمار والمؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
وما ينبغي ذكره أنّ "الصحراء الغربية" المُتنازع عليها، تعد من أهم نقاط الخلاف بين الجزائر والمغرب، والتي يحدها المغرب من الشمال بينما تحدها الجزائر من الشرق، وموريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كيلومتر مربع، وتعد واحدة من المناطق ذات الكثافة السكانيّة القليلة، وعدد سكانها يتجاوز النصف مليون شخص، يعيش 40% منهم في منطقة "العيون" كبرى مدنها.
خلاصة القول، عبّرت وسائل الإعلام الجزائريّة بشكل واضح عن وجهة النظر الرسميّة والشعبيّة في البلاد، والتي اعتبرت تصريحات بعض الدول الخليجيّة بأنّها تضرب عرض الحائط أحكام القانون الدوليّ وقرارات الشرعية الدوليّة التي تتعامل مع قضية الصحراء الغربية على أنها قضية إنهاء استعمار، وتتجاهل ما أقرته وبشكل نهائيّ محكمة العدل الدوليّة في لاهاي عام 1975، حول أنّ الروابط بين الصحراء الغربية للمغرب وموريتانيا "غير وثيقة" ولا تصل إلى السيادة، مذكرة بقرار الكونغرس الأمريكيّ بشأن منع إقامة قنصليّة أمريكيّة في الصحراء الغربية، رغم اعتراف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الإقليم الصحراويّ، مقابل اعتراف رسمي مغربيّ بالكيان العنصريّ.