الوقت- تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية تقلبات جديدة بعد تأجيل غير متوقع لزيارة رئيس الوزراء جان كاستكس إلى الجزائر، ما يعقّد التقارب الهش الذي بدأه الرئيس إيمانويل ماكرون.
وأرجئت مساء الخميس الزيارة التي كانت مقررة يوم الأحد إلى أجل غير مسمى، بناء على طلب جزائري فاجأ الجميع، بعد ساعات قليلة من إعلانها المتأخر.
وعزت باريس التأجيل لأسباب صحية، بالنظر إلى انتشار جائحة كورونا، غير أن هذا المبرر لم يلق القبول بحكم أن قرار عقد القمة اتخذ في ظل الجائحة. وقال مكتب رئيس الوزراء الفرنسي إن “جائحة كوفيد-19 لا تسمح بأن تكون هذه الوفود في ظروف مُرضية تماما”. وأضاف إن اللجنة الحكومية الفرنسية- الجزائرية “أُرجئت بالتالي إلى موعد لاحق يكون فيه السياق الصحي أكثر ملاءمة”.
في حين لم يصدر عن الجزائر بعد أي بيان رسمي حول تأجيل زيارة كاستيكس، وإن كان مراقبون يرون أن القرار تمثل في إلغاء الزيارة وليس فقط تأجيلها.
لكن في الكواليس، تحدثت مصادر مختلفة عن انزعاج الجزائر من تقليص عدد الوفد الفرنسي إلى أربعة وزراء ثم وزيرين، مقابل نحو عشرة في العادة في مثل هذا النوع من الزيارات.
مع ذلك، توجد العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب الحقيقية للتأجيل، إذ أوضح مصدر حكومي فرنسي أنه “مضى وقت طويل منذ أن تم استبعاد صيغة ثمانية وزراء التي كان مخططا لها في البداية.
وإضافة إلى رئيس الحكومة، كان الوفد الفرنسي يشمل في البداية أربعة وزراء هم جان إيف لودريان (الشؤون الخارجية) وبرونو لومير (الاقتصاد) وجان ميشيل بلانكير (التعليم) وجيرالد دارمانين (الداخلية).
ويضيف المصدر الحكومي: “مرت عدة أيام منذ أن تم الإعلان أن بلانكير، ثم دارمانين، لن يتمكنا من الحضور لتكليفهما بملفات صحية”.
ويرى العديد من المراقبين أن “إعادة الدفء” إلى العلاقات التي بدأها إيمانويل ماكرون ونظيره عبد المجيد تبون، وترجمت في سلسلة بوادر حول “الذاكرة” اتخذتها القوّة الاستعمارية السابقة (1830-1962)، لا تحظى بالضرورة بإجماع في الجزائر. حيث إنه يوجد داخل السلطة الجزائرية اتجاهات أخرى غير متحمسة، تقول إنه لا توجد ثقة سائدة بين باريس والجزائر”.
أما جان بيار فيليو، الأستاذ في معهد العلوم السياسة في باريس، فيعتبر أن رجل الجزائر القوي ليس الرئيس عبد المجيد تبون الذي انتخب في خضم اضطرابات في ديسمبر 2019، بل رئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة، ومن ورائه أصحاب القرار والعسكريون الذين يستولون على السلطة منذ عقود بشكل آو بآخر”.
ويضيف الباحث في منشور على مدونته الشخصية إن هؤلاء الجنرالات هم ورثة الحراك العسكري الذي قاد إلى استقلال الجزائر عام 1962، وهم لا يوافقون على “مصالحة الذاكرة”، لأن “من شأنها أن تشكك في الدعاية الرسمية (المناهضة لفرنسا) الأساسية في اكتسابهم الشرعية”، في ظلّ العلاقات المضطربة بين البلدين.
وفي إشارة إلى استمرار تقلّب مناخ العلاقات وارتكازه على العاطفة بعد ما يقرب من 60 عاما على انتهاء حرب الاستقلال، قال وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب الخميس إن فرنسا “عدوتنا التقليدية والدائمة”، تزامنا مع إعلان إلغاء الزيارة.
ويعتبر محللون أن القادة الجزائريين الذين تلقى عدد مهم منهم تدريبهم وفق المدرسة السوفياتية، لا يعترفون سوى بـ”ميزان القوى”، ويضيف إنهم يقومون من خلال هذا التوتر الجديد بتطبيق “استراتيجية التوتر لدفع الفرنسيين إلى الأقصى وجعلهم يتنازلون”، ولاسيما فيما يتعلق باشتراطهم تقديم الاعتذار عن الاستعمار.
رغم ذلك، كثّف الرئيس الفرنسي من البوادر الرمزية تجاه الجزائر. وفي يوليوز 2020، سلمت فرنسا رفات 24 من المقاتلين الوطنيين الذين قتلوا في بداية الفترة الاستعمارية. وفي مارس، أقر إيمانويل ماكرون بمسؤولية الجيش الفرنسي عن مقتل القيادي الوطني الجزائري علي بومنجل عام 1957.
لكن تقرير المؤرخ بنيامين ستورا، الذي يعتمده الرئيس الفرنسي أساسا لسياسته حول الذاكرة، لا ينصّ على تقديم اعتذارات أو إعلان التوبة، وقد اُنتقد بشدة في الجزائر. وبعد نشر التقرير لم يتجاوب الجزائريون ولم يقوموا بأي بادرة ويرى باحثون أن السبب الحقيقي لغضب الجزائريين قد يكون ملف الصحراء. حيث أعلن حزب الرئيس الفرنسي “الجمهورية إلى الأمام” الخميس إنشاء فرع في الصحراء المغربية. وتعتبر الجزائر الداعمة للبوليساريو أن ذلك خطّ أحمر.
من جهة أخرى، أفاد مصدر أمني من البوليساريو بمقتل القائد العسكري للجبهة الثلاثاء في ضربة غير مسبوقة نفذتها طائرة مسيّرة مغربية، ما زاد استياء الجزائر في ظل دعم باريس لمقترح المغرب منح الصحراء حكما ذاتيا ضمن سيادته.