الوقت - انهارت كابول أمس وسط ذهول العالم، وتمكن مقاتلو طالبان من الاستيلاء على آخر وأهم مدينة رئيسية في أفغانستان دون مقاومة تذكر. ومع ذلك، فإن التقدم السريع لطالبان وغزو كابول في يوم واحد لا يمكن تصوره حتى من خلال وجهات النظر الأكثر تشاؤما حول إمكانيات الجيش والقوات الحكومية بمقاومة متمردي طالبان. في وقت سابق، قدرت وكالات المخابرات الغربية والجيش والسياسيون أن الجيش الأفغاني قد يقاوم محاولة طالبان الاستيلاء على كابول لمدة ثلاثة أسابيع، إلا أن ما حدث هو أن كابول سقطت بالسرعة التي لم تتمكن فيها الدول الغربية حتى الآن من إجلاء مواطنيها وموظفي سفارتها. وقد أدى ذلك إلى فضيحة استخباراتية وعسكرية كبيرة للولايات المتحدة والغرب. في غضون ذلك، يطرح السؤال الآن حول أسباب السقوط السهل لكابول وهيمنة طالبان على الأراضي الأفغانية.
تقديرات المعلومات المضللة مفاجأة أم دسيسة؟
في وقت سابق من شهر يوليو، كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية قد قدرت أن كابول يمكن أن تسقط في غضون ستة أشهر، ولكن في آخر تقدير نشرته أمس صحيفة واشنطن بوست، نقلاً عن مصادر استخبارات عسكرية أمريكية، زعمت أن كابول قد تسقط في غضون 90 يومًا أو في أقل تقدير خلال 30 يوما. الآن، أثار الانهيار السريع للحكومة الأفغانية والفوضى الناتجة عنها انتقادات كثيرة من الجمهوريين إلى بايدن، الذي قال إنه فشل، ووصف زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل هروب الدبلوماسيين الأمريكيين بأنه "محرج". لم تتح للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى الفرصة حتى لإخراج مواطنيها من أفغانستان، لذلك أرسلوا قوات إلى أفغانستان لإخلاء السفارات في أسرع وقت ممكن. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ووزارة الخارجية في بيان مشترك الأحد "إننا نتخذ سلسلة من الخطوات لتأمين مطار حامد كرزاي الدولي للسماح بخروج آمن للمواطنين الأمريكيين وحلفائهم من أفغانستان عبر رحلات جوية مدنية وعسكرية"، وأمر بايدن 1000 جندي آخر بدخول كابول لضمان إجلائهم. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين "رأينا أن الجيش الأفغاني لا يستطيع الدفاع عن البلاد، وحدث ذلك أسرع مما كان متوقعا". اشتداد الانتقادات المحلية والدولية للحكومة الأمريكية والكشف عن الهزيمة الاستخباراتية والعسكرية الكبرى لواشنطن في أفغانستان، والتي شوهت صورتها كقوة عظمى على الساحة الدولية، لاقى انتقادات من قبل معارضي الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان. والذين شككوا باستحالة عودة القاعدة إلى حكم أفغانستان، والتي كانت إحدى النقاط الرئيسية في اتفاق الدوحة مع طالبان. صرح الجنرال مارك ميلي، رئيس الأركان المشتركة، لأعضاء مجلس الشيوخ عبر الهاتف يوم الأحد أنه من المتوقع أن يغير المسؤولون الأمريكيون تقييماتهم السابقة بالسرعة التي تعيد بها الجماعات الإرهابية بناء نفسها في أفغانستان. بالنظر إلى تطور الوضع، يعتقد المسؤولون أن الجماعات الإرهابية مثل القاعدة يمكن أن تنمو بشكل أسرع مما كان متوقعًا. في غضون ذلك، هناك تقارير أخرى تفيد بأن وكالات الاستخبارات الأمريكية في تقديراتها الأخيرة لتقدم طالبان حذرت البيت الأبيض سرا من احتمال سقوط سريع لكابول، لكن بايدن وفريقه تجاهلوا هذه التحذيرات. ومن القضايا التي يمكن أن تعزز الشائعات القائلة أن الخطة الأمريكية كانت بالأساس تتمثل في السقوط السريع لكابول والإطاحة بالحكومة وهيمنة طالبان على الوضع، على عكس الدعاية المعلنة في محادثات الدوحة الأخيرة، بدعم الجيش الافغاني.
مما لا شك فيه أن جزءًا مهمًا من الفشل الكبير للجيش الأفغاني وقوات الأمن في مقاومة مقاتلي طالبان هو في نوع التنظيم والتدريب وكفاءة القوات العسكرية الأفغانية، والتي كانت تحت مسؤولية الناتو والولايات المتحدة على مدى السنوات العشرين الماضية. وتستند استراتيجية البيت الأبيض في هذا الصدد إلى استمرار اعتماد جيوش الدول المضيفة على وجود القواعد الأمريكية لحفظ تواجدهم فيها. في الواقع، طالما اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية الوجود العسكري في أفغانستان، فقد أدارت العملية بطريقة لا تستطيع القوات الحكومية هزيمة طالبان بشكل مستقل، وكانت هناك دائمًا حاجة من الشعب الأفغاني والمسؤولين الأفغان لقوات أجنبية. الآن بعد أن تغيرت الاستراتيجية الأمريكية، أدى الافتقار إلى الثقة بالنفس والخوف من تقدم طالبان إلى إرباك قادة البلاد فجأة وأدى إلى انهيار الجيش الأفغاني. كما تم اغتيال عدد كبير من كبار قادة جبهة المقاومة المناهضة لطالبان في شمال أفغانستان خلال العقدين الماضيين، مما يجعل المقاومة المحلية لتمرد طالبان في شمال ووسط البلاد صعبة للغاية. برهان الدين رباني، الجنرال داود، اللواء شاه جهان نوري، اللواء رازق، سيد مصطفى كاظمي، اللواء سيد خيلي، سمنغاني، وغيرهم، وجميعهم كانوا يعتبرون رفاق أحمد شاه مسعود، من بين ضحايا عمليات القتل المتسلسلة هذه. في هذا الفراغ لا يوجد زعيم قوي يمكنه أن يوحد الناس المذعورين من الإرهابيين. في عملية التطهير الدموي للقادة المناهضين لطالبان، تظهر آثار لمسؤولين حكوميين عرقيين قريبين من القصر الرئاسي وأجهزة المخابرات الأجنبية. في غضون ذلك، لا ينبغي التغاضي عن الفساد المستشري في بنية قوات الأمن الأفغانية، وهو جزء آخر من فشل مشروع بناء الدولة الأمريكية في هذا البلد. ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن حركة طالبان عرضت رشاوى على مسؤولي حكومة كابول والجيش الأفغاني في أوائل عام 2020 للاستسلام أو تسليم أسلحتهم، وفي غضون عام ونصف وصلت الاجتماعات إلى مستوى المقاطعات والأقاليم، مما أدى إلى أن يصبح الاستسلام عادياً لدى القوات الأفغانية. قبل عامين، بعد الإعلان عن وفاة زعيم الجماعة الملا عمر، وما تلاه من مقتل خلفائه، الملا منصور والملا هبة الله أخوندزاده، ضربة الحركة طالبان حالة من الانشقاق. لكن وفقًا للخطة الأمريكية، فإن إطلاق سراح شخصيات مشهورة في الجماعة، مثل الملا عبد الغني بردار، الذي كان في السجون الباكستانية، أعاد إحياء أنشطة الجماعة.
استياء الشعب الأفغاني من احتلال البلاد من قبل القوات الأجنبية وعدم احترام استقلال البلاد السيادي من قبل الأمريكيين، حيث أملى البيت الأبيض سياساته على حكومة كابول، وكذلك الوضع المعاشي المتردي والفساد المستشري زاد نقمة الشعب الأفغاني على الحكومة الحالية واستغلت طالبان هذا الوضع لتسريع تقدمهم.