الوقت- عقدت في العاصمة العراقية بغداد أمس الأحد، قمة ثلاثية ضمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وتركزت المناقشات خلال القمة على ملفات إقليمية وعلى التعاون الاقتصادي والأمني والتجاري بين الدول الثلاث.
في غرف الأخبار تم الحديث على أن القمة الرابعة لقادة العراق والأردن ومصر، ستكون قمة اقتصادية، لكنّ بيانها الختامي كشف عن سماتها السياسية، بعدما تميزت هذه المرة بزيارة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي الأولى لرئيس مصري منذ عقود إلى بغداد.
على الرغم من أن الظروف العراقية المصاحبة لزيارة اليوم، ليست بالضرورة مطابقة للظروف التي صاحبت زيارة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك إلى بغداد في يوليو 1990، قبيل عملية غزو الكويت، التي كانت بمثابة ضربة قاصمة للتضامن العربي، إلا أن الظروف الحالية التي يعيشها العراق لا تختلف كثيراً عن المشهد حينها، فالمعاناة العراقية من آثار الغزو الأمريكي عام 2003، وما تلاه من عدم استقرار سياسي وامني، مازالت جميعها مستمرة وتتفاقم عاماً بعد أخر.
العراق والأردن في وجه التحديات
العراق الذي رغم ظروفه غير المستقرة، تمكن من هزيمة تنظيم “داعش” في الموصل، يواجه حالياً مجموعة من المخاطر، تتنوع بين تردي الوضع الاقتصادي والخدمي، وبين عودة نشاط تنظيم داعش للتصاعد تدريجياً على أراضيه، وأزمات سياسية متكررة نابعة من اختلاف الأولويات والرؤي بين المكونات السياسية العراقية المختلفة ولعل الهجمات الصاروخية المتكررة على القواعد الجوية والمرافق الدبلوماسية، وأخرها الهجوم الذي تم منذ أيام قليلة بطائرات دون طيار على مواقع قرب القنصلية الأمريكية في كردستان العراق، جميعها دلائل تؤكد على تفاقم هذه المعضلة، وعلى حاجة العراق الماسة للدعم من محيطه العربي على كل المستويات.
في نفس السياق، تواجه الأردن تحديات مهمة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، تترافق مع تصاعد ملف الانتهاكات الإسرائيلية في القدس، وهو ملف يعد أساسياً بالنسبة لعمان.
رسالة دعم مصرية للدولتين
نستطيع أن نعتبر هذه الزيارة بمثابة رسالة دعم وإسناد مصرية لكلا الدولتين في مواجهة كل هذه التحديات.
هذا يتضح بشكل جلي من خلال كلمة الرئيس السيسي التي ألقاها خلال القمة التي جمعت بينه وبين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والعاهل الأردني الملك عبد الله بن حسين، حيث تضمنت هذه الكلمة إشارات واضحة إلى المعضلات التي تواجه كل من بغداد وعمان، ومنها مثلاً التحديات المائية، حيث لا يخفى على أحد الواقع المؤلم الذي تواجهه بغداد نتيجة السدود التي شيدتها تركيا على نهر دجلة، لذا قال الرئيس المصري بوضوح أن مصر “تؤيد الحقوق المائية للعراق والأردن في مواجهة التحديات الماثلة أمامهما، وترى أن الحقوق العربية المائية تعد مكوناً أصيلاً من مكونات الأمن القومي العربي، ما يتطلب التنسيق والتعاون فيما بيننا للحفاظ عليها”.
التضامن مع بغداد وعمان، يأتي في سياق استراتيجية مصرية أكبر وأوسع مجالاً، ترتكز بشكل أساسي على تعزيز التعاون العربي وتحويل العمل العربي المشترك إلى الاتجاه الإيجابي، بدلاً من الاتجاهات التي اتخذتها بعض الدول العربية خلال الأعوام الماضية تجاه دول عربية اخرى، ولهذا لم يكن مستغرباً أن يأتي الرئيس المصري في كلمته خلال القمة، على ذكر القضايا العربية الأساسية، مثل الملف الليبي والملف السوري، والقضية الفلسطينية، وهي جميعها ملفات بدأت القاهرة منذ سنوات في محاولة إيجاد حلول سلمية وفعالة لها، وحققت نجاحات معتبرة في هذا الصدد.
الجانب الاقتصادي والتجاري للقمة
على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، تأتي زيارة الرئيس المصري اليوم إلى بغداد، للبناء على رصيد كبير من الاتفاقيات والتفاهمات والمباحثات بين مصر والأردن والعراق، بدأت فعلياً بإطلاق آلية التعاون والشراكة بين الدول الثلاث في مارس 2019، خلال لقاء القمة الذي جمع في القاهرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس العراقي برهم صالح، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في القاهرة. تلا هذه القمة اجتماع عالي المستوى تم في أغسطس من نفس العام، جمع بين وزراء خارجية الدول الثلاث، ثم اجتماع قمة بين رؤساء الدول الثلاث في نيويورك في سبتمبر من نفس العام.
عقب هذه اللقاءات، زار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي العاصمة العراقية في أكتوبر الماضي، وتلت هذه الزيارة قمة ثلاثية انعقدت في شهر أغسطس الماضي في العاصمة الأردنية عمان، شارك فيها الملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تم خلالها مناقشة سبل تعزيز التعاون الثلاثي المشترك في مختلف المجالات، بين الدول الثلاث خاصة تلك التي تتعلق بالطاقة والربط الكهربائي والبنية الأساسية والغذاء، فضلًا عن التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب، وقد تم البحث بشكل مفصل خلال تلك القمة في كيفية تحويل مشروع (الشام الجديد)، إلى حقيقة واقعة مبنية بشكل أساسي على التعاون الاقتصادي.
ما هو مشروع الشام الجديد؟
إن فكرة مشروع (الشام الكبير)، ترتكز بشكل أساسي على تعزيز التعاون العربي في مجال الطاقة، وتم طرحها للمرة الأولى خلال فترة ولاية رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، وسبقه في هذا الطرح وإن كان بشكل أكثر توسعاً –البنك الدولي في دراسة نشرها عام 2014 حول الدوائر الإقتصادية المتوقعة في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية. وهو مشروع يرتكز بشكل رئيسي على تبادل الموارد الطبيعية ذات القيمة العالية بين الدول الثلاث، حيث تخطط بغداد لإنشاء خط لنقل النفط، من مدينة البصرة جنوبي البلاد، إلى مصر مروراً بميناء العقبة الأردني، مع إعطاء كل من القاهرة وعمان أسعاراً تفضيلية لبرميل النفط الواحد، تتراوح ما بين 14 و16 دولار للبرميل، في مقابل إستيراد بغداد للطاقة الكهربائية من القاهرة وعمان، وفتح الأبواب أمام أستثمارات كلا البلدين على الأراضي العراقية، خاصة في قطاع البناء والتعمير، وقطاع النفط، وهو ما ستكون محصلته فتح الأسواق العراقية أمام المنتجات المصرية بشكل أوسع، وهو ما سيساهم بشكل كبير في تحقيق تكامل اقتصادي بين البلدان الثلاث، الذين يبلغ مجموع ناتجهم المحلي الإجمالي نحو 570 مليار دولار.
على المستوى التجاري، يستهدف العراق من خلال البحث في تنفيذ خطة الشام الجديد، توسيع المنافذ المتاحة له لتصدير سلعه ونفطه، خاصة في ظل المصاعب التي تطرأ ما بين الفينة والأخرى على منافذه التجارية مع تركيا، وفي الجنوب العراقي حيث ميناء البصرة، وهو يمتلك في هذا الصدد الطاقة والموارد البشرية، ومصر لديها الخبرات الصناعية والإدارية التي يمكن أن تدير هذه الأصول، والأردن من جانبها تستطيع لعب دور تنسيقي في هذا المشروع، بحيث تمثل الممر الذي من خلاله يمكن الربط بشكل كامل بين العراق ومصر، وبالتالي ستكون هذه الجهود مجتمعة، سبباً في انفتاح أسواق الدول الثلاث على بعضها البعض، خاصة السوق العراقي المتعطش للمنتجات المصرية، بجانب دورة تنقل العمالة بين البلدان الثلاثة، والتي ستفرضها عمليات إعادة تأهيل منشآت النفط العراقية، وعمليات إنشاء خط النفط بين الدول الثلاث، وكذا منشآت وآليات الربط الكهربائي بين مصر والعراق.
النفط مقابل الإعمار
النقطة الأهم في هذا الصدد هي مشروع النفط مقابل الإعمار، وهو المشروع الذي تم التوافق عليه خلال زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى العراق في أكتوبر الماضي، فقد أعلن مدبولي حينها عن استعداد شركات المقاولات المصرية دخول السوق العراقي، للمساهمة في تطوير البنية الأساسية وجهود إعادة الإعمار، وتنمية وتطوير قطاع الإنشاءات والإسكان، بالإضافة إلى دعم القطاع الاستهلاكي العراقي، علماً انه تم خلال هذه الزيارة التوقيع على 15 اتفاقية متنوعة، بعد أن عادت اللجنة العليا المشتركة بين البلدين إلى الإنعقاد، للمرة الأولى منذ عام 1990، وشملت الاتفاقيات مجالات النقل البحري وأسواق المال والبيئة والصحة والإسكان والتعمير والقضاء والتعاون الصناعي والاستثمار.
ربما تكون هذه القمة مفيدة للوضع الداخلي العربي الذي عانى الأمرين بعد أن تركت سوريا وحيدة في مواجهة العصابات الإرهابية وتركت ليبيا للمليشيات والعصابات الإرهابية وقراصنة النفط الأوروبيين، ومن المؤكد أن الوضع الداخلي العربي بحاجة إلى تكاتف وتعاون بين الدول الأساسية واللاعبين البارزين لإعادة الحياة والدماء إلى عروق الكيان العربي ونتمنى أن لا تكون هذه القمة كغيرها من القمم وأن لا تبقى مقرراتها حبر على ورق!.