الوقت - اجتاحت عشرات الحرائق ولايات تركية مختلفة في وقت متزامن، وخلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة؛ ما دفع الحكومة إلى فتح تحقيقات موسعة حول أسباب اندلاعها بهذا الكم الهائل في وقت واحد وتركزها في مدن سياحية.
وكان أول حريق قد اندلع يوم الأربعاء 28 يوليو 2021، في غابة بمنطقة منافغات بمحافظة أنطاليا قبل أن يمتد إلى قرى مجاورة. وأمام اتساع رقعة الحريق، أخلت السلطات عشرات القرى من سكانها، كما أخلت فندقاً في مدينة بودروم السياحية من نزلائه.
واندلعت حرائق منفصلة في غابات تقع في منافغات وألانيا وأضنة ومرسين وبودروم ومرمريس وموغلا، بالقرب من المواقع السياحية المطلة على البحر المتوسط في جنوب تركيا، لكنّها سرعان ما وصلت إلى مناطق مأهولة بالسكان بسبب الرياح العاتية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة إن 71 حريقا قد اندلع بين 28-30 يوليو الجاري في 22 ولاية مختلفة، مشيرا إلى أن الطواقم استطاعت السيطرة على 57 منها.
وقالت محافظة باليكسير (جنوب بحر مرمرة) في بيان أول أمس الخميس "تقييمنا أن حرائق الغابات قد تزداد بسبب عوامل موسمية أو بشرية أو بسبب ظروف جوية غير عادية قد تحدث خلال الأيام المقبلة".
وأسفرت الحرائق عن مقتل 6 أشخاص، أحدهم رجل يبلغ من العمر 25 عاما كان في طريقه لمد يد العون في منطقة أتت عليها النيران في مرمريس، وفقاً لقناة "إن تي في" التلفزيونية الإخبارية.
والتهمت النيران عشرات المنازل والحقول والإسطبلات في قرى عديدة، وعرضت قناة "تي آر تي" التركية الحكومية صورا لفندق يتم إخلاؤه بواسطة قوارب في ميلاس.
وقال وزير الزراعة التركي باكديمريلي إنّه "وفقاً للمعلومات الأولية، فقد نفق 150 رأسا من الأبقار وألف رأس من الأغنام وتضرر 600 هكتار من الأراضي الزراعية و50 هكتارا من الخيم الزراعية".
وبثت وسائل إعلام تركية مشاهد لأشخاص مذعورين وهم يركضون للنجاة بحياتهم في شوارع أضاءتها ألسنة النيران. ومنعت السلطات المحلية في إزمير وإسطنبول المواطنين من الدخول إلى الغابات.
أسباب اندلاع الحرائق
رئيس أركان القوات البحرية السابق الأميرال جهاد يايجي قال إن الحرائق يقف وراءها إرهاب اليونان وحزب العمال الكردستاني، وهو يتناقض مع ما قاله وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بأنه لا يوجد دليل على أن الحرائق وراءها أي فعل تخريبي.
وقال خبير الغابات في المؤسسة التركية لمكافحة تآكل التربة، حكمت أوزتورك، لشبكة "سي إن إن" (CNN)، إنه في حين أن 95% من الحرائق في تركيا سببها الناس، فإن سبب تفاقم انتشار الحرائق هو تغير المناخ.
وأضاف أوزتورك إن منطقة الحرائق تقع داخل حوض البحر الأبيض المتوسط وهو أحد أكثر المناطق عرضة لمخاطر تغير المناخ.
وفي وقت سابق، قال الوزير باكديميرلي للصحفيين إن الأحوال الجوية عند اندلاع الحرائق كانت مواتية لانتشار اللهب بدرجة حرارة تبلغ 37 درجة مئوية، ورطوبة أقل من 14%، ورياح تبلغ حوالي 50 كيلومترًا في الساعة.
وصرح رئيس بلدية أنطاليا محيي الدين بوجك أن "اندلاع حريق منافغات من 4 مواقع مختلفة يشير إلى أنّه حريق مفتعل، لكن ليس لدينا -في الوقت الراهن- معلومات واضحة بهذا الشأن".
وتركز الحرائق في مدن سياحية دفع السلطات للاعتقاد بوجود عمل تخريبي، فقد قال مسؤول الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون "سيحاسب المسؤولون عن الاعتداء على طبيعتنا وغاباتنا في أسرع وقت. دعاؤنا مع أبطال الغابات وهم يكافحون الحرائق".
وأشار وزير العدل التركي عبد الحميد غول في بيان، إلى أن "مصدر وسبب الحرائق يخضع للتحقيق من كل جانب من قبل النيابات العامة". وقالت وكالة الأناضول إن المدعي العام في مدينة مرمريس فتح تحقيقا لتحديد أسباب اندلاع هذه الحرائق.
من جهة أخرى، أفادت وسائل إعلام تركية اعتقال السلطات 3 أشخاص في إطار تحقيق يتعلق بحريق مدينة العثمانية، كما أفادت بأنه تم القبض على شخص آخر حاول حرق العشب في قيادة مدرسة المدفعية والصواريخ في أنقرة.
من ساعد تركيا في اخماد الحرائق؟
أعلن رئيس مركز السيطرة والدعم الجوي لإطفاء الحرائق بوزارة الدفاع واسناد القوات المسلحة الايرانية، مساء السبت، عن انجاز القوات المسلحة الايرانية أولى عمليات إطفاء حرائق الغابات في تركيا.
وقال الطيار محمد مهدي نوري آل آقا ان فريق إطفاء الحرائق وطائرة إطفاء من تصميم الخبراء الشباب الايرانيين بسعة 40 طنا من الماء حضر مساء اليوم السبت في مدينة مولا التركية.
وأشار إلى اتساع دائرة الحرائق بسبب الرياح الإقليمية وانتشار الحرائق إلى مناطق أخرى ، وقال انه من خلال التنسيق الجاري نأمل بإضافة طائرتين مروحيتين أخريين إلى عمليات الاطفاء بالمنطقة في الأيام المقبلة ، كي نتمكن من إطفاء الحرائق في المنطقة ومنع انتشارها.
وقال الطيار نوري آل آقا، إن الطيارين وفريق الخبراء الموفد ينفذون عمليات الاطفاء بكل حرص واهتمام، واضاف ان طريقة اداء الفريق الإيراني تميزه عن الفرق الأخرى المرسلة من دول الجوار ، وهو يشكل مفخرة لإيران والإيرانيين.
بدوها قالت السفارة الروسية في تغريدة على تويتر إن 3 طائرات روسية لإطفاء الحرائق تشارك في جهود إخماد النيران جنوبي تركيا.
انتقادات داخلية
وخلال الساعات الأخيرة استحوذت كارثة الحرائق على اهتمام الشارع بكل أطيافه، كما ظهرت على موقع التواصل "تويتر" 3 هاشتاغات تصدرت قائمة الترند: "تركيا تحترق"، "صل من أجل تركيا"، "استقالة".
وعبر تلك الهاشتاغات تفاعل آلاف المستخدمين، وفي الوقت الذي طالب البعض منهم بكشف الفاعلين الحقيقيين، ذهب آخرون للمطالبة باستقالة وزراء في الحكومة، على خلفية "استجابتهم القاصرة"، خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وأثار حديث طرحه مسؤولون في المعارضة جدلا واسعا، إذ انتقدوا آلية الاستجابة التي اتبعتها الحكومة لإخماد الحرائق، وأشاروا إلى أنها لم تجد نفعا بشكل فوري.
وفي تصريح، نقلته وسائل إعلام تركية، قال علي أوزتونتش، نائب رئيس مجلس إدارة حقوق الطبيعة في "حزب الشعب الجمهوري": "نشاهد الفيلم نفسه كل صيف. ولا تستطيع الحكومة القيام بالعمل اللازم لوقف حرائق الغابات".
وأضاف: "طائرات THK تتعفن في حظيرة الطائرات. انظر إنهم يحاولون التدخل بالطائرات المستأجرة بملايين الدولارات".
ويقول مسؤولو المعارضة إن الحكومة التركية لم تستخدم الطائرات المخصصة لإخماد الحرائق، التابعة لـ"جمعية الطيران التركية"، وهي طائرات برمائية تنزل على المياه لدقائق، ومن ثم تنطلق لإخماد النيران.
بينما قالت وسائل إعلام معارضة، بينها صحيفة "سوزكو"، إن الطائرات الثلاث التي تحدث عن مشاركتها وزير الزراعة التركي، هي طائرات مستأجرة من روسيا مقابل 203 ملايين ليرة تركية، لمدة 153 يوما.
وقال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، علي أوزتوك: "طائرات THK نفسها مستخدمة في أوروبا. لماذا لا نستخدمها؟ لا يوجد تفسير منطقي آخر لذلك".
حرائق سنوية
وهذه ليست المرة الأولى التي تندلع فيها حرائق بغابات تركيا. وخلال الأسابيع الماضية أعلنت فرق الإطفاء التركية السيطرة على حرائق عدة امتدت من الجانب السوري.
ووفقا للبيانات الرسمية يحترق، في المتوسط، ما بين 8 إلى 10 آلاف هكتار من الغابات سنويا في تركيا.
وحسب بيانات المديرية العامة للغابات فقد تضرر 11 ألف هكتار عام 2019. أما في عام 2020 فقد احترق 20 ألف و938 هكتارا.