الوقت- لطالما كان الغرب يتخذ من دول الشرق مستعمرات له، ولطالما ايضاً حارب الشرق الاستعمار الغربي على مدار عقود طويلة، بعد أن ذاق الويلات من الارهاب الغربي على مدى العصور، وفي الوقت الحالي غير الغرب من خططه الخبيثة لاستعمار الشرق، وبدأ يعمل على مشروع الحروب بالنيابة، واثار الفتن في شرقنا، ونجح في عدة أمكنة بذلك، ومع هذا لا تزال الشعوب تقاوم، إن كان في سوريا أو العراق أو ليبيا أو أي مكان آخر.
في سوريا كانت الأمور معقدة جداً، وخاصة ان الغرب كان يعتقد أن الفتنة ستقضي على سوريا خلال ايام قليلة، ولكن لم يحصل ما طمح له، ومن ثم عاد ودعم المسلحين بالعتاد والسلاح والمال، ليهاجم الجيش السوري ويستهدف البنى التحتية للدولة، ومع ذلك لم ينجح، فما كان منه إلا العمل على اطالة آمد الأزمة من خلال حصار سوريا اقتصاديا، واعادة محاولة اثارة الفتنة من جديد.
في الغرب يتحدثون عن محاولات الغرب خلط الأوراق في سوريا ودعم الجماعات المسلحة المعارضة والعبث في الجغرافية السورية والتاريخ والمستقبل، ونهب ثروات سوريا بدلا من محاربة الإرهاب في البلاد.
على سبيل المثال حمل الدبلوماسي التشيكي السابق ميروسلاف بيليتسا، الحكومات الغربية الجزء الاكبر من المسؤولية عن الأزمة في سوريا لانفاقها مليارات الدولارات على تسليح التنظيمات الإرهابية.
وشدد بيليتسا في كتاب جديد أعده بعنوان "ذكريات عن سوريا" وصدر في العاصمة التشيكية براغ على ان الحرب والتدخلات الخارجية في شؤون سوريا تسببت لها بمآس إنسانية هائلة وبخسائر وأضرار مادية كبيرة وأنها ستبقى لسنوات عديدة تمثل بقعة سوداء في ضمير العالم مؤكداً أن الربيع العربي لم يحقق أي شيء إيجابي للمنطقة وحتى هذه التسمية نشأت في الغرب وليس في الدول العربية.
لقد واجهت سوريا منذ اليوم الأول حرباً إرهابية إعلامية، مضلِّلة وشرسة، كان هدفها دائماً قلبَ الحقائق رأساً على عَقِب، وملء الصفحات بالأخبار المزيَّفة والكاذبة، والتي تَكيل التهم للحكومة السورية وتبرّئ الإرهابيين والمجرمين، وتصف الحرب الدائرة بأنها حرب أهلية، بينما كان الجيش العربي السوري والشعب السوري صفاً واحداً في مقاومة إرهاب شرِس يستهدف تدمير مؤسسات الدولة والبنى التحتية في سوريا، وحضارتها وهويتها.
ومع ذلك، وبعد تحرير معظم الأراضي السورية من دَنَس الإرهاب، وبعد عجز الوكلاء الذين أُوكِلَت إليهم هذه الحربُ على سوريا وشعبها، حضر الأُصَلاء، وهم "إسرائيل" والولايات المتحدة ودول أوروبا الاستعمارية والعثمانيُّ الجديد، واحتلّوا الأرض، بعد أن فشل إرهابيوهم في إنجاز المهمات الموكَلة إليهم. وضيَّق الأميركيون والغرب الخناقَ الاقتصادي على الشعب السوري، ومنعوا تواصله مع الدول العربية الجارة بقوّة السلاح. وهذا وجه آخر من الحرب الإرهابية المتواصلة، لكن هذه المرة، من خلال الجبهة الاقتصادية، لتجويع الشعب السوري وكسر عزيمته وثني إرادته، وهزيمته، بعد أن انتصر في معركته العسكرية الصعبة والمهمّة.
في شمال شرق البلاد، تنتشر قوات أمريكية في مناطق سيطرة الأكراد، الذين أنشأوا إدارة ذاتية باتت مهددة بشدة بعد شنّ تركيا ثالث هجوم عسكري على مناطقهم في تشرين الأول/أكتوبر. وباتت أنقرة، التي تخشى حكماً ذاتياً كردياً قربها، تسيطر على منطقة حدودية واسعة. وتنشر قواتها في إدلب.
ويتذرّع الأمريكيون بـ"حماية حقول النفط"، وأبرزها في مناطق سيطرة الأكراد، والهدف الوحيد والحقيقي لكل ما يقومون به هو الاحتلال وسرقة الخيرات السورية.
الغرب وبعد أن فشل بجميع مخططاته لم يبقَ امامه سوى حصار سوريا اقتصاديا، ودعم الجماعات الارهابية المسلحة لاطالة زمن الازمة، وانتشرت تقارير كثيرة في هذا الخصوص واعترفت بها حتى اليوم وبشكل رسمي عدة دول أوروبية وغربية آخرها ألمانيا.
اعترافات هذه الدول تبدو منسجمة إلى حدّ كبير مع الأخبار الواردة من الميدان السوري وشهادات مراسلين ومراقبين هم في غالبيتهم أجانب. أما المخاوف الكبيرة المشتركة بينها فترجمت تردداً في تسليح المعارضة، تردد لم يصل إلى حدّ درء ما أسمته هذه الدول نفسها "خطر المجموعات الجهادية" على أمنها القومي.
بدأت الأحداث في سوريا وبشكل إعلامي صاخب، وتحركت الشبكات النائمة ونشط الإعلام الجديد، وبدأت مراكز الأبحاث الغربية وفروعها العربية بتناغم مخطط له من أجل الإسراع في تنفيذ الخطة وصناعة رأي عام مساعد من أجل إسقاط الدولة السورية. وهنا لا يخفي دور مراكز "بروكينغز – ومركز التقدم الأميركي، وراند، وبيل غيتس وغيرها إضافة الى مؤسسات مثل مجموعة الأزمات الدولية وتنظيمات مراقبة حقوق الإنسان. كما أنه لا يخفى دور مؤسسة البرت انشتاين وبالأخص اليهودي الاصل "جين شارب"" (Gene Sharp ) أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستس، والذي ارتبط اسمه بالكتابة والتأليف في الموضوعات الخاصة بالكفاح السلمي، وقد استقت من كتاباته العديد من التحركات المناهضة للحكومات حول العالم وأصدر تعليمات خاصة للمتمردين في سوريا من أجل إسقاطها .
وفي العام الماضي أظهرت وثائق مسرّبة نشرها موقع "غراي زوون" كيف طوّر مقاولون حكوميّون بريطانيون بُنيةً تحتية دعائيّة بهدف تحفيز دعم الغرب لجبهة المعارضة السياسية والمسلحة في سوريا.
تكشف الملفات المسرّبة كيف لعبت المخابرات الغربية دور وسائل الإعلام، وأتقنت صياغة الخبر باللغتين الإنكليزية والعربية على حدّ سواء وقامت بتغطية إعلامية مستمرة للحرب على سوريا دعماً لمعسكر المعارضة.
وقام المقاولون الأمريكيون والأوروبيون بتدريب قادة المعارضة السورية وتقديم المشورة لهم على جميع المستويات: نشطاء إعلاميون في عمر الشباب ورؤساء حكومة "سوريا الموازية" في المنفى. نظّمت هذه الشركات أيضًا مقابلات مع قادة المعارضة السورية على وسائل الإعلام الرائجة مثل بي بي سي والقناة الرابعة في المملكة المتحدة.