الوقت- لم تتوقف الامارات عند مرحلة الصمت على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، بل تعدت ذلك لتتجه نحو التحريض على المقاومة التي صمدت في وجه الاحتلال الاسرائيلي لعشرات السنين، ولولا هذه المقاومة ودفاعها المستميت عن ارض فلسطين، لكانت اسرائيل اليوم تسرح وتمرح في دول عربية أخرى، ولكانت فلسطين اليوم لم تعد فلسطين، لكن تضحيات هذه المقاومة منعت الاحتلال من التمادي وكسرت شوكته في جميع الحروب السابقة، ولولا هذه المقاومة لكان "حي الشيخ جراح" اليوم خال من سكانه، ومع ذلك رأت الامارات أن الجناح السياسي لحركة حماس يجب أن يصنف ارهابياً، وليس فقط الجناح العسكري.
هذا الكلام جاء على لسان وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، وقال إنه "من المؤسف أن تتردد الدول بشكل أكبر في الحديث عن مجموعات مثل حماس أو حزب الله أو الإخوان المسلمين بطريقة أوضح".
وخلال حديث له مع موقع "اللجنة اليهودية الأميركية"، التي افتتحت مكتباً لها في أبو ظبي، أضاف الوزير الإماراتي "من المضحك أن بعض الحكومات تصنف الجناح العسكري فقط للجماعة، وليس الجناح السياسي، على أنه إرهابي، في حين أن الجماعة نفسها تقول أنه ليس هناك فرق".
يوضح تأكيد بن زايد على عدم وجود فوارق بين جسم سياسي وعسكريّ في "حماس" أن المشكلة هي مع السياسيّ كما مع العسكريّ، فالمطلوب ليس وقف دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم عسكريا فحسب (رغم أن عدد ضحاياهم وخسائرهم أكبر بكثير من خسائر إسرائيل) بل كذلك تجريم "الإسلام السياسي" لأنه يقدّم نسخة من الإسلام تختلف عن نسخة الأنظمة العربية، التي تريد نزع الطابع النضالي عنه وتحويله إلى أدوات ضبط وإطاعة الحاكم وقصره على طقوس صلاة وصيام وزكاة وحج مضبوطة فحسب.
المفارقة في هذا الموضوع أن وزير خارجية عربي لدولة مسلمة يقوم بالتحريض على حركة إسلامية للجنة يهودية أمريكية، أي أنها مؤسسة دينية ـ سياسيّة، والغريب أن الوزير لا ينتبه إلى هذه المفارقة البائسة التي تجعله يحرّض فيها على أبناء قوميّته ودينه أمام أبناء قوميّة ودين آخرين.
من المفهوم أن أمور التطبيع لا يمكن أن تقتصر على صفقات المال والرياضة والتجسس، وأنها في حاجة إلى أشكال من التنظير عن "التسامح" الدينيّ والسياسي، غير أن التناقض يصبح كبيرا حين يظلل التسامح والإخاء والود علاقات مع عدوّ يحتل أراضي عربية ويضطهد شعبا عربيا مسلما، ويتم التحريض على ذلك الشعب المضطهد واعتبار دفاعه عن النفس، وتمسكه بهويته الثقافية والدينية إرهابا.
الحقيقة أن موقف أبو ظبي من حركة "حماس" كان سابقا على التطبيع مع إسرائيل غير أن العلاقة التي تزداد حميمية بين الطرفين وضعت الموقف الإماراتي من "حماس" ومن نضال الشعب الفلسطيني عموما، ضمن معادلة جديدة يصبح فيها تطوير العلاقات مع تل أبيب، وتحريض اليهود الأمريكيين على الحركة الإسلامية المقاومة، ضمن معادلة جديدة غير مسبوقة في التاريخ السياسي العربي الحديث.
وفق حركة "حماس" التي علّقت على التصريح الأخير، فإن كلام بن زايد "يتنافى مع قيم العروبة" و"يتساوق مع الدعاية الصهيونية" و"يصطدم مع توجهات الجمهور العربي" والحقيقة أن "قيم العروبة" صارت أمرا خارج التداول ضمن سوق السياسة العربية الرسميّة، وأن "التساوق مع الدعاية الصهيونية" كان موجودا ضمن السياسات الرسميّة بشكل أو بآخر منذ زمن طويل، غير أن المستجدّ فيه هو العمل الحثيث، خصوصا من لدن أبو ظبي، لتحويل هذا التساوق إلى تحالف بين نظم عربية وإسرائيل، وهو ما يقتضي، بالضرورة، ليس تجريم حركة "حماس" فحسب، بل تجريم أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال والاستيطان، بالتزامن مع تجريم أشكال النضال العربي ضد الاستبداد السياسي، وصولا إلى فرض دكتاتوريات عسكرية وإنهاء أي شكل من أشكال الحراك والتمثيل والتعبير الديمقراطي.
في مقابل هذا التحريض الصريح على المقاومة الاسلامية في لبنان وفلسطين، من قبل ابن زايد، نرى في المقابل استسلام وانبطاح امام الصهاينة، حيث خاطب ابن زايد القائمين على اللجنة اليهودية الامريكية قائلا:" نحن سعداء بوجودكم، ونأمل ان تشعروا هنا في الامارات بأنكم في وطنكم وسنفعل كل ما في وسعنا لجعل وجودكم هنا ذا قيمة".
اللافت ايضا، ان ابن زايد، الذي يحاول ان يسوق علاقة بلاده بالكيان الاسرائيلي، وكذلك "علاقة العيش المشترك بين الاسرائيليين والاماراتيين"، على انها "الطريقة" المُثلى التي يجب ان يحتذي بها "الاسرائيليون والفلسطينيون" ، لكي يعيش الجميع معا. نسى او تناسى ابن زايد، ان هذه الكيان الاجرامي العنصري الغاصب، يعمل ليل نهار بكل ما يمتلك من قوة ارهاب وارعاب ، من اجل طرد المقدسيين من منازلهم في القدس لتهويد المدينة المقدسة بأكملها، وكاد ان ينجح في اخلاء حي الشيخ جراح وحي سلوان في القدس، لولا صواريخ حماس والمقاومة الاسلامية، التي يتهمها ابن زايد بالارهاب ويحرض عليها!!.
وفي ظلِّ تصاعد قوى المقاومة في المنطقة، ورأس حربتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، وذراعها العسكرية كتائب القسام، يكثّف العدوّ هجماته الإعلامية على المقاومة وقياداتها، بكل السبل الممكنة، ان كان من خلال دول او اجهزة اعلامية في محاولة منه للتغطية على فقدانه سياسة الردع، وفشله في وقف نموها العسكري والاستخباري، فيمارس عملية التّضليل ونشر الأخبار الكاذبة عبر عشرات الصفحات من خلال منصّات التواصل الاجتماعي.
صراع الأدمغة متواصل بين المقاومة الفلسطينيّة والعدوّ الصهيونيّ بكلّ أجهزته ومن يسانده معلوماتياً من المخابرات المتعاونة معه. نعم، نجح العدو في تجنيد عناصر من الدول المطبعة إلا أنه لم ينجح في حمايتها من يد المقاومة، فالصّراع طويل. ورغم كلّ إمكانياته، فإنّ الغلبة ما زالت للشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال، ومقاومته التي تحقّق نجاحات كلّ يوم.