الوقت- يوم الخميس الماضي أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي بياناً أعلن فيه تمديد العقوبات على "سوريا" لسنة أخرى حيث تم تمديدها حتى 1 حزيران 2022 للمرة العاشرة على توالي، حيث اعتاد الاتحاد تمديد العقوبات سنوياً قبل حلول موعد انتهاء فاعليتها.
العقوبات لا معنى لها سوى ممارسة المزيد من الضغط على الشعب السوري ومحاصرته، وهذه العقوبات لا تمت للانسانية بصلة، وكل أهدافها سياسية محضة، فالعقوبات الأوروبية تستهدف الشركات ورجال الأعمال البارزين الذين تتهمهم الدول الأوروبية بالاستفادة من علاقاتهم مع الحكومة السورية، وتشمل العقوبات أيضاً حظر استيراد النفط، وفرض قيود على بعض الاستثمارات ، وتجميد أصول مصرف سوريا المركزي المحتفظ بها في الاتحاد الأوروبي، إضافة لقيود تصدير المعدات والتكنولوجيا، وكذلك الحال في المعدات والتكنولوجيا لرصد أو اعتراض اتصالات الإنترنت أو الهاتف.
الخارجية السورية ردت على بيان المجلس الاوروبي وصرحت ان المجلس أصدره "بذريعة تطوير واستخدام الأسلحة الكيميائية بُني على النفاق والتضليل ويأتي استمرارا للحملة المعادية لسوريا".
واعتبرت الخارجية السورية أنه هذه العقوبات "لا إنسانية وتشكل انتهاكا سافرا لأبسط حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي الإنساني".
الموقف السوري كان واضحاً في اعتبار الموقف الأوروبي غير متمتع بالاستقلالية عن الموقف الأمريكي، وأن بعض الدول الأوروبية التي كانت شريكة في دعم الحرب الإرهابية على سوريا هي شريكة اليوم بالقدر ذاته في حرب التجويع والحصار الاقتصادي التي تستهدف الشعب السوري.
المفارقة أو الدلالة، تبدو واضحة في هذه الجريمة الأوروبية، التي تأتي غداة الانتخابات الرئاسية والصور التي شاهدها العالم برمته حول زحف السوريين إلى صناديق الاقتراع بكل عفوية وروح وطنية للإدلاء بأصواتهم، وإيصال صوتهم إلى العالم كله، بعد عشرية حرب على سورية، لم يكن الأوروبيون سوى شركاء في هذه الحرب بشكل أو بآخر.
تمديد هذه الإجراءات الظالمة، هو تعبير عن حالة فشل بعد ما جرى في العشرين والسادس والعشرين من الجاري.. هم لم يستطيعوا بكل قوتهم وإعلامهم التأثير في خيارات السوريين، رغم ما سخروا لذلك، وبعد أن أسقط في يدهم قاموا بتمديد العقوبات التي تبدو في التوقيت أنها روتينية لقرار سياسي، لكنها في الحقيقة تحمل من الرسائل أكثر ما تحمل من تأثير على خطورة الأخير.
لقد أدرك عموم الشعب السوري أنّ المشاركة في الاستحقاق الانتخابي هي انتصار لقرار وطني وتعبير أخلاقي عن الوفاء، وبهذا عبروا في الداخل والخارج عن نبل وشهامة بهذا النوع من التصويت.
إن تصويتاً بهذا الشكل وبهذا المعنى يصعب على الدوائر الغربية أن تستوعبه، لأنّها لن تفهم الأبعاد الرمزية والتاريخية للانتخابات السورية في منعطف التحولات العالمية، إنهم لن يفهموا من تلك الانتخابات بأنها تصويت للانتصار على نظام دولي قوامه سياسات التّدخّل والتلاعب بمصائر الأمم والتدخل في شؤونها، ومعاقبة الشعوب على خياراتها الوطنية.
لقد ضيّق الأوروبيون والأمريكيون الخناق على الشعب السوري، وهذه حقيقة لا لبس فيها، نعيش جميعاً تداعياته الواضحة، وما تمديد المجلس الأوروبي لعقوباته الكيدية والحاقدة إلا فصل جديد من العقاب للسوريين على خياراتهم ووقوفهم مع دولتهم ومؤسساتهم.
قد يكون من الصعب على الأوروبيين فهم دلالات المشاركة السورية اللافتة في الانتخابات والتي قد تكون غير مسبوقة في الاستحقاقات الانتخابية (ظاهرة يتداخل فيها السياسي بالتاريخي والطبيعي في اختيار الأكفأ) هذه حقيقة لم تعد تخفى إلاّ على من تلبسهم ذُهان الثأر والكراهية لسورية وشعبها.
تمديد العقوبات ليس مستغرباً، وهو جريمة موصوفة وانتهاك سافر لأبسط حقوق الإنسان، بل إنه أبعد من ذلك في التوقيت والدلالة ما يؤكد مجدداً الشراكة الكاملة للاتحاد الأوروبي في الحرب على سورية، ودعمه اللامحدود للمجموعات الإرهابية.
والحال فإن الاتحاد الأوروبي يتحمل مسؤولية أساسية في سفك دم السوريين، وانتهاك حرياتهم، وكذلك في معاناتهم جراء العقوبات الظالمة التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم ولقمة عيشهم وإعاقة الجهود لتوفير الوسائل والإمكانيات والبنية الطبية اللازمة لمواجهة وباء كورونا.
العقوبات الأوروبية كحال العقوبات الأمريكية على "سوريا" ساهمت في التأثير سلباً على حياة المواطنين السوريين ووضعهم المعيشية نظراً لانعكاسها على قيمة الليرة ووضع الاقتصاد ومحاصرة البلاد، وذلك رغم دعوات “الأمم المتحدة” للتخفيف من العقوبات الاقتصادية مع التحديات التي تواجهها دول العالم جراء جائحة كورونا.
لا يمكن النظر إلى السياسة الأوروبية على أنها مستقلة عن الأجندات الأمريكية حتى عندما يتعلق الأمر بمصلحة أوروبا نفسها.
عندما يتعلق الأمر بغض نظر أمريكي عن سياسات مخالفة لرغبتها ضمن هامش بسيط فهذا الأمر يتعلق غالبا بقناعة الولايات المتحدة بأن هذا الاختلاف لا يقدم ولا يؤخر في المشهد العام.
على سبيل المثال كان من اللافت بالنسبة لأي مراقب محايد أن انتقادات وزيرة الخارجية السويدية للاحتلال التركي اقتصرت على المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، مقابل صمت وتجاهل مطبق للاحتلال التركي في منطقة إدلب التي يوجد فيها الجانب التركي جنبا إلى جنب وكغطاء استراتيجي لتنظيم جبهة النصرة المصنف إرهابيا على قوائم مجلس الأمن.
هذا الكيل بأكثر من مكيال يسير إلى أن سياسات غالبية الدول الأوروبية، فيما يتعلق هنا بسوريا على الاقل، هي نسخة طبق الأصل عن السياسات الأمريكية، بما في ذلك ضروب التحيز والأهداف الخارجة عن القانون الدولي التي تمارسها الولايات المتحدة، فمن المستحيل عمليا أن نسمع تصريحا أوروبيا ينتقد الاحتلال الأمريكي لمنطقة الشمال الشرقي، مع أنه شأنه شأن الاحتلال التركي، يأتي من خارج الشرعية الدولية والقانون والتفويض الدولي، كما أنه يتساوى معه في دعم الميليشيات اللاشرعية والعصابات التي يدعمها الاحتلالان كل في منطقته.