الوقت- ولد سليمان منصور في احدى قرى رام الله في فلسطين المحتلة. بالطبع، ولد عندما لم يكن الصهاينة قد احتلوا بلاده بعد. منصور، البالغ من العمر 74 عاما، هو أحد أشهر الفنانين الفلسطينيين الملتزمين بالقضية الفلسطينية، ولهذا يُعرف باسم "فنان الانتفاضة".
فقد منصور والده وهو في الرابعة من عمره وذهب مع والدته إلى القدس. بعد حرب الأيام الستة عام 1967، التحق بأكاديمية بيت لحم للفنون والحرف، لكنه ترك الدراسة في سن التاسعة عشرة لأن الإسرائيليين اتهموه بإضرام النار في المكتبة - وتم لاحقا اكتشاف ان مصدر الحريق كان ماساً كهربائياً. ويقول إنه لم يكتسب خبرة هناك وتمكن من دخول عالم الفن بجهده ومثابرته.
رسم حكاية كيف حمل الفلسطينون منازلهم
عندما كان يبلغ من العمر 26 عاما فقط رسم لوحة "جمل المحامل" التي سرعان ما اشتهرت. هذه اللوحة، المعروفة أيضا باسم "الحلاق الفلسطيني، هي إشارة إلى كيف يحمل الفلسطينيون منازلهم على ظهورهم. وأظهرت لوحة منصور رجلاً فلسطينياً عجوزاً يحمل القدس على ظهره بحبل.
نشرت منظمة التحرير الفلسطينية اللوحة على شكل ملصق عام 1975 ووزعت على المنازل والأماكن العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة. بالطبع، من المحتمل أن تكون النسخة الأصلية من اللوحة قد دُمِّرت في الغزو الأمريكي لليبيا عام 1986، لأن السفير الليبي آنذاك في لندن اشتراها عام 1976 من معرض في لندن.
أعاد منصور رسم اللوحة مرتين أخريين، مرة في عام 2005 لأسباب مالية ومرة أخرى في عام 2014 عندما رسمها مرة أخرى بتفاصيل مختلفة قليلاً. على سبيل المثال، يمكن رؤية النسخة الجديدة من "كنيسة مقبرة القدس"، لكن الجوهر هو نفسه: الفلسطينيون يحملون وطنهم أينما ذهبوا.
سبب تسمية اللوحة برمز النضال في فلسطين
ربما نشأ اسم هذه اللوحة أيضا من المثل العربي: "هو ليس من جمل المحامل". جمل المحامل عبارة عن جمل يحمل على ظهره هودج، وهو إشارة إلى شخص لديه الكثير من القوة ولا يتعب بسهولة.
يقول منصور إنه لم يفكر قط في العيش خارج فلسطين. حتى عندما تمكن من الحصول على الجنسية الأمريكية من والدته، لأنه قال إنه شعر بالاختناق عندما سافر، ولم يكن يعرف السبب.
وقال منصور إنه لم يكن يتوقع أن تصبح اللوحة رمزا للنضال الفلسطيني عندما رسمها. يقول إنه سعيد بهذا الإنجاز وفي نفس الوقت يشعر بالخوف إلى حد ما لأنه جلب له مهمة ثقيلة. بالطبع، لم يدم هذا الوضع طويلاً، إذ إن إقامة العديد من المعارض المحلية، والتي كانت في ذلك الوقت جزءا مهما من الحركة السياسية الفلسطينية، سرعان ما أبعد منصور عن هذا الوضع، كما ساهمت لوحاته اللاحقة في جذب انتباه الجمهور، على الأقل في الأراضي المحتلة.
ويؤكد منصور أنه لا يعتبر لوحة "جمل المحامل" من أفضل أعماله من الناحية الفنية، لكنه لا يقلل من أهميتها: هذه اللوحة تختلف عن باقي أعمالي، ليس لأنها تلقت الكثير من الحب والاعجاب من الآخرين أو لأنني أراها أفضل اعمالي. لكن القضية في الشهرة والاهتمام. أشعر أنها خرجت من ملكيتي ولم تعد جزءا مني، وقد تقبلت هذا الامر. في عام 1980، رسمت لوحة بسيطة صامتة، تحتوي رغيفين من خبز التنور، وحبتين من الطماطم، وبصلة، وقليل من الزيتون، وقد لاقت رواجا كبيرا ايضا، ربما أكثر من "جمل المحامل".
يعتقد سليمان منصور أن الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم بعد قيام ”إسرائيل” يواجهون مشكلة هوية بسبب الضغوط الاقتصادية والتأثير الكبير للفن في الأراضي المحتلة وتأثيره عليهم. ويقول: "لقد استضفناهم واستضفنا معارضهم وتواصلنا معهم على جميع المستويات. مشكلتنا مع الصهيونية وليس اليهودية كدين".
"الإنسانية" حافظت على الفن الفلسطيني
وقال منصور عن الاختلافات بين الفن الفلسطيني المعاصر والفنون الأخرى انه تم الحفاظ على "الفن الفلسطيني ورسالته النبيلة للعدالة والحرية" من خلال الانسانية. وان ما يميز الفن الفلسطيني هو بعده التاريخي عن الفن الزخرفي. لأن الفنان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها.
وعن دور الفن في توحيد الشعب الفلسطيني، أضاف منصور: "يلعب الفن بأوسع معانيه كالأدب والموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية دورا مهما في توحيد الناس، وخاصة الفن الصادق عندما يعكس ثقافة الناس واهتماماتهم ".
استغلال إسرائيل لغفلة العالم العربي
في السبعينيات والثمانينيات، سعى الفن الفلسطيني في الأراضي المحتلة إلى ايجاد وسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية، من خلال أربعة مصادر رئيسية: التراث، والفن الإسلامي، والفن الكنعاني، والفن الدولي بالنظر الى مفهوم الحرية. يقول منصور إن كل فنان تقريبا قد استخدم هذه الموارد واختار منها ما يناسبه، بمن فيهم هو، لكن تركيزه كان على التراث، وخاصة الملابس والتطريز الفلسطيني الشعبي، والذي يعد من أغنى الصناعات الفنية في مجاله في العالم.
بالتاكيد كان يستخدم كل هذه القضايا كموضوع لأعماله النقدية، لأنه يعتقد أنه طالما يعيش في عالم الفن، فلديه اهتمامات سياسية ولا يستطيع المرء الهروب من السياسة ومستوى الظلم الموجود في العالم.
ورغم أن منصور يخوض صراعاً فنياً ضد كيان الاحتلال في القدس منذ حوالي نصف قرن، إلا أنه غير راضٍ تماما عن أدائه: "أنا لا أقول إنني لم أفعل ما كان يجب أن أفعله، لكنني لست راضيا مئة بالمئة. وأعتقد أنه يمكنني إنتاج أكثر من ذلك، لكن الحياة تبقي الناس مشغولين بقضاياهم الاقتصادية والعائلية، وتشغلهم، وأحيانا تجعلك تشعر أنك تريد الاسترخاء.
يرى الفنان الفلسطيني الشهير أن إسرائيل تستغل إهمال العالم العربي لتسريع الاستيطان وتهويد القدس وذبح الشعب الفلسطيني.