الوقت- أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية السورية والتي من المقرر أن تنطلق يوم الـ26 من أيار الحالي، لتبدأ سوريا خطوة جديدة في عصرها السياسي، وحتى موعد الانتخابات الرئاسية المقررة، يشارك السوريون من جميع أنحاء العالم، مؤكدين أن المشاركة هي كرمى لسوريا.
إقامة الانتخابات الرئاسية في سورية في موعدها هي نصر جديد للشعب السوري ودليل على تماسك مؤسسات الدولة السورية وعدم الرضوخ للضغوط والإملاءات الخارجية رغم الحرب الإرهابية الكونية التي شنت على سوريا.
لقد راهن المهولون المعتدون على عدم التمكن من إجراء الانتخابات ما يؤدي إلى فراغ سدة الرئاسة في الجمهورية العربية السورية، ومبادرة الرئيس للتمديد لنفسه عبر آلية الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة، ليبادروا إلى الطعن بشرعية الرئيس وشرعية حكومته ويبرروا المواقف العدوانية التي اتخذوها منها، لكن سوريا واحتراماً لدستورها واحتراماً لإرادة شعبها وثقة منها بنفسها وبشعبها وجهت لهؤلاء المعتدين صفعة قاسية بالإصرار على الانتخابات والتأكيد أن سوريا انتصرت على العدوان وأنه رغم بقاء بعض أجزاء من أرضها خارج سيطرة الدولة تحت احتلال أجنبي أمركي أو تركي وإرهابي انفصالي، فإن هذا لا يمنعها من التقيد بالدستور والعمل بأحكامه، حيث يمكن إيجاد البدائل الممكنة لتمكين هؤلاء من المساهمة في انتخاب رئيسهم وهذا أيضاً كان صفعة أخرى للمعتدين.
أما الصفعة الثالثة فقد كانت بمبادرة سورية إلى دعوة ممثلي 14 دولة صديقة لمواكبة الانتخابات ميدانياً والاطلاع على كيفية إجرائها وفقاً لقواعد النزاهة والشفافية التي آلت الدولة على نفسها أن تترجمها وتتقيد بها، في دعوة ذات دلالات ومضامين مهمة أولها ثقة الحكومة السورية بنفسها وبشفافية إجراء الانتخابات التي تنظمها، ثانياً ثقة سورية بشعبها الذي سيكون يوم الانتخابات بصدد القيام بحق وواجب فضلاً عن التأكيد على التزامه بدستوره النافذ، أما الثالث فهو رسالة ثقة بتلك الدول الصديقة التي لم تترك صداقة سوريا في أيام الشدة ولم تتنكر لها، وخاصة أن تلك الدول تؤيد سوريا في تطبيق دستورها وإجراء الانتخابات باعتبارها شأناً سيادياً داخلياً لا يتعارض مطلقاً مع القرار 2254 المتعلق بالأزمة السورية، على حد ما وصفت الخارجية الروسية.
إن سوريا بإجرائها الانتخابات الرئاسية في مثل الظروف القائمة تؤكد إصرارها على احترام دستورها ومواجهة العدوان وهي عازمة على الانتصار في السياسة كما انتصرت في الميدان.
لقد دارت سوريا مواجهتها للحرب العدوانية التي شُنت عليها بقوة جيشها وشعبها وتحالفاتها وذكاء قيادتها، ففرضت نفسها مجدداً على المعادلات الإقليمية، واليوم المؤشرات على العودة القوية الواثقة لسوريا إلى المحيط العربي والإقليمي والدولي أصبحت واضحة، وأصبح بعضها في طور التفعيل، والمشهد القادم في المستقبل القريب لا تخطئه العين المبصرة، أما تلك التي لا ترى من خلال الغربال فعمياء بالتأكيد.
سوريا عائدة إلى المنطقة بدورها السياسي وتشبيكها الاقتصادي وثقلها الجيوبوليتيكي، وعودتها تلك ستكون حيوية وضرورية لإيجاد صيغ متوازنة لحل الأزمات التي لا تزال تنهش الجسد العربي.
من ليبيا إلى اليمن، وصولاً إلى العراق ولبنان، سيعيد الدور السوري المُفتقَد التوازن السياسي المفقود، وسيزيد من استقرار دول المنطقة وحصانتها ضد أعدائها، وسيعيد بناء منظومات الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي الإقليمي على حد سواء.
إن النجاح المرتقب للاستحقاق الانتخابي الرئاسي، وسير هذا الاستحقاق وفق المعايير الدستورية والقانونية السليمة، سيبعث من سوريا رسالة قوة وثقة إلى كل العالم، وبمقدار ما يُظهِر هذا الشعب العريق وَحدته وقوته في إنجاح هذا الاستحقاق، فإن العالم بأسره، العدو فيه قبل الصديق، سيكون مضطراً لقراءة رسالة قوة سورية وعودتها الواثقة، وسينعكس ذلك، رغماً عمن يريد ومن لا يريد، على المناعة الوطنية والقرار المستقل والتعافي الاقتصادي السوري.
إن سوريا العائدة والواثقة، والمحررة قريباً من المجموعات الإرهابية وداعميها، هي سوق اقتصادية ناشئة وواعدة في آن، وهي على موعد مع استعادة الدورة الاقتصادية الزراعية والصناعية والخدمية القوية كاملةً، واستثمار ثرواتها الباطنية باحتياطياتها المهمة والمؤكدة، فضلاً عن دورها كمعبر للتجارة والترانزيت وخطوط نقل الطاقة، والنقل البري والبحري والجوي، ومن هنا ينبغي لكل من يريد أن يكون له قصب السبق في المشهد القادم السياسي والاقتصادي والاستثماري أن يبادر، اليوم قبل الغد، إلى أن يحجز مكانه في المستقبل السوري، فرجل الأعمال السوري المهاجر نتيجة ظروف الحرب، والمستثمر المغترب الذي يبحث عن إعادة توطين ماله في وطنه، وكذلك الفعاليات الاقتصادية الاستثمارية الإقليمية، وبعض من الدولية، جميعها معنية بأن تقرأ المستقبل القريب الذي تلوح معالمه الواضحة منذ الآن، والتي تنتظر الفصل الأخير من فصول الانتصار والتحرير.
"العالم لا يحترم إلا الأقوياء"، هكذا يقولها ويؤمن بها كل من يعرف حقيقة العلاقات الدولية وأسسها الواقعية، ومن هنا فإن رسالة هذا الاستحقاق هي رسالة قوة ووحدة وثقة، وهي تعبر عن قوة الشعب التي تتمم وتتوج ما أنجزته قوة الجيش، وهي التي بإمكانها أن تفرض احترام حقوق السوريين واستقلالهم، ومراعاة مصالحهم المادية والمعنوية على العدو كما الصديق.
يخشى من شن الحرب الإرهابية على سوريا من كلمة الشعب السوري التي سيقولها في صناديق الاقتراع في 26 أيار المقبل، ويخشى أن تكون هذه الكلمة وتلك الأصوات صدى للأفعال التي خطها ونفذها الشعب السوري في الميدان وتمخض عنها هزيمة العدوان وإفشال أكبر مؤامرة كونية استهدفت سوريا ورمت للإطاحة بها بكيانها ودورها في هذا الشرق والعالم.
وكما امتهن أهل العدوان خلال المواجهات في الميدان إطلاق الإشاعات وتلفيق المسرحيات الكيميائية من أجل تشويه الانتصارات السورية وتبرير مزيد من التدخل العدواني أملاً في تحقيق الحرب الكونية لأهدافها، فان السلوك ذاته يتكرر في الميدان السياسي ويطل هؤلاء المعتدون الآن برؤوسهم وألسنتهم وأيديهم للتدخل في مسار العملية الانتخابية التي ستجري وفقا للدستور السوري النافذ والذي تحطمت عند دفاته كل أحلامهم وأمالهم.
يبتغي المعتدون إنكار نتائج الانتخابات قبل حدوثها، لأنهم يعلمون أن النتائج لن تكون كما يشتهون، ويبتغي هؤلاء شيطنة العملية الانتخابية لأنهم يعلمون أن هذه العملية التي سينخرط فيها الشعب السوري لن تكون ألا وجها آخر من عمليات الدفاع عن سوريا وخاصة بعد أن رفع الشعب السوري شعاراً مفاده: بأن كل صوت في صندوق الاقتراع يحدث من الأثر ما كانت تحدثه الرصاصة في الميدان في قلب المعتدين، ولذلك يرى السوريون أن من فاته شرف القتال والمساهمة بالعمل الميداني لهزيمة المؤامرة فإنه سيعوض عن فوات الفرصة في صناديق الاقتراع.
إن سوريا التي عرفت في الميدان العسكري كيف تنتصر على العدوان وتمنعه من تحقيق أهدافه التي استخدم من أجلها كل فنون الإجرام والإرهاب، ستعرف أيضا كيف تلقن المعتدين دروساً في السياسة، وإن من وصف ديمقراطية بلاده بالمشوهة والعرجاء والناقصة، كما فعل الرئيس الأمريكي الحالي، لا يحق له ولا لأحد من أتباعه وعملائه أن يقيّم العملية الانتخابية السورية التي اختار السوريون مسارها ويثقون بما سينتج عنها وبمن يفوز عبرها ليكون رئيساً لسوريا يقودها في معارج النصر والقوة.