الوقت - مع احتدام الصراع العسكري بين قطاع غزة والکيان الصهيوني بعد أحداث الأسبوع الماضي في القدس، واستعداد القادة الصهاينة لموجة جديدة من قمع الفلسطينيين، أصبح عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة الآن هدفًا لهجمات حماس الصاروخية وفصائل المقاومة الأخرى في قطاع غزة.
تشير الأرقام المعلنة إلى إطلاق 2000 صاروخ في الأيام الأخيرة. في هذه الأثناء، بالإضافة إلى إعادة التأكيد على عدم فاعلية الأنظمة الدفاعية الصاروخية للکيان الصهيوني، وخاصةً نظام القبة الحديدية باهظ التكلفة في مواجهة صواريخ المقاومة، ثمة تطور دراماتيكي واستراتيجي آخر هو الكشف عن صواريخ يصل مداها إلى 250 كم.
هذا الأمر قد صدم قادة الصهاينة بعد استهداف هذا الصاروخ مطار رامون الدولي في جنوب الکيان الإسرائيلي، ما أشاع ظلال الرعب في الأراضي المحتلة أكثر فأكثر.
ويأتي هذا الهجوم الجديد وغير المسبوق بعد ساعات فقط من نقل الرحلات الدولية من مطار بن غوريون بتل أبيب إلى مطار رامون بضواحي إيلات.
كانت عواقب هذا الهجوم على القادة الصهاينة صادمةً ولا تصدَّق، لدرجة أن حكومة الکيان قد سارعت، في ابتزاز سياسي، إلی التهديد بالتحضير لعملية برية في قطاع غزة.
وكان الجيش الصهيوني قد اضطر في السابق للانسحاب من غزة في صيف 2005، بسبب مقاومة أهالي هذه المنطقة. الأمر الذي کان السبب الرئيسي للأزمة في حكومة أرييل شارون وسقوطها. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، هل سيقامر نتنياهو هذه المرة وينهي حياته السياسية بدخوله قطاع غزة؟
لا شك أن تطورات الأسابيع الأخيرة في القدس وما تلاها من حرب صهيونية علی قطاع غزة، هي نتيجة الأزمة السياسية الكبرى التي ضربت المشهد السياسي الإسرائيلي، ولا يوجد مخرج قريب لها مع إصرار نتنياهو على البقاء في السلطة.
إن تكثيف سياسات الضغط اليمينية على الفلسطينيين في القدس لتطهير المدينة من هويتها، وانتهاك الالتزامات السابقة بشأن المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، يتماشيان مع خطط نتنياهو لإحباط الخصوم وإفشالهم في بناء الائتلافات، وبالتالي استمرار رئاسته.
لكن اعتماد هذا النهج في العامين الماضيين أدى إلى توترات مع فصائل المقاومة في غزة، ويعرف نتنياهو أكثر من غيره أن بدء حرب شاملة سيؤدي إلى تفاقم أزماته بالنظر إلى القوة الصاروخية لفصائل المقاومة في غزة.
وفقًا لذلك، على الرغم من أن نهج نتنياهو ركَّز دائمًا على التستر على الأزمات الداخلية من خلال خلق التوترات مع الفلسطينيين، إلا أنه كان على دراية أيضًا بالسيطرة على التوترات.
لكن ما حدث في الأيام الأخيرة قد فاجأ نتنياهو والصهاينة بشدة. بحيث أن شدة هجمات فصائل المقاومة ومدى الصواريخ المستخدمة في هذه الجولة من الاشتباكات، قلبت معادلات مجلس الوزراء الصهيوني، ويدل على ذلك الشعار غير العملي والضعيف للاستعداد للعمليات البرية في غزة.
نتنياهو يعلم أنه سيواجه في الأيام المقبلة تساؤل منتقديه، أنه كيف استطاعت حماس، رغم كل الشعارات السابقة حول السيطرة على قوة المقاومة في غزة، الحصول علی صواريخ بمدى 250 كم، التي ستغطي عملياً كل الأراضي المحتلة.
إن المسافة الجغرافية من معبر رفح على الحدود مع مصر إلى أعلى نقطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة على الحدود مع لبنان هي أقل من 250 كم.
وبالتالي، فإن شعار الهجوم البري يُستخدم لإقناع الرأي العام، وخاصةً أنصار الليكود واليمين، حتى لا تنخفض أصوات الليكود أكثر فأکثر في الانتخاب التالية المحتملة، بتأثير من شعارات المنافسين الحادة حول سياسات نتنياهو غير الفعالة في ضمان أمن الأراضي المحتلة.
من ناحية أخرى، يعتبر القادة الصهاينة، الذين يرصدون رد فعل الأمة الإسلامية على التطورات في القدس وتوحيد الشعوب الإسلامية دفاعًا عن القدس والقضية الفلسطينية، أن الحرب في غزة ستثير غضبًا واسعًا بين المسلمين لما لها من عواقب إنسانية، وهو ما سيقضي تماماً علی إنجازات نتنياهو الضئيلة وغير الفعالة في اتفاقيات التطبيع مع عدة أنظمة عربية.
ولكن في غضون ذلك، فإن القضية المهمة هي أن استعراض فصائل المقاومة لقدراتها وتشكيل أجواء سياسية وإعلامية دولية ضد الصهاينة، قد أحبطا عملياً خطة نتنياهو، وهو الآن يواجه معضلة إما القبول بوقف إطلاق النار مع غزة والذي يشبه الهزيمة الکاملة له، أو الذهاب إلى مستنقع العمليات البرية التي ستسقطه بالتأكيد.