الوقت- أعلن رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن رسمياً أمام لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، الجمعة، أنه قرَّر التخلي عن الاستعدادات لإجراء الانتخابات الفلسطينية، لأن هذه الانتخابات لن تجرى حتى يكون إجراؤها ممكناً في القدس أيضًا.
وعلی الرغم من أن أبو مازن قال إن سبب تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمی، هو منع الكيان الصهيوني إجرائها في القدس، لكن حقيقة الأمر تتجاوز هذا السبب الواهي، وما دفعه إلی القيام بذلك هو الخوف من إعطاء الساحة السياسية لحركة حماس.
هذا النوع من القرار الانفرادي، الذي له تاريخ طويل في عهد أبو مازن، سيكون له تداعيات ستلحق ضرراً شديداً بالفلسطينيين في نيل حقوقهم وأراضيهم المسلوبة.
عودة الجمود إلی المصالحة الوطنية الفلسطينية
إن المصالحة الوطنية الفلسطينية هي عنوان قضية يعود تاريخها إلى التسعينيات وبعد اتفاقيات أوسلو.
أثيرت هذه القضية من قبل الحكومة المصرية في السنوات الأولى من دخول أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية إلى قطاع غزة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو. عندما كانت هناك خلافات جدية بين فصائل المقاومة وجهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية، وذهبت إلى حد نشوب الصراع المسلح بين الجانبين.
وبلغ الخلاف بين فصائل المقاومة، بقيادة حماس، وجهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية ذروته في عامي 2006 و 2007، بعد الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في ذلك العام.
عندما حازت حماس على غالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، أصبحت مسؤولةً عن تشكيل الحكومة. لکن أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لم تسمح لحركة حماس بتولي الشؤون، بأمر من الكيان الصهيوني.
وهكذا سيطرت حماس على قطاع غزة، وأنشأت السلطة الفلسطينية بقيادة قادة حركة فتح حكومةً غير شرعية في الضفة الغربية. ومنذ ذلك الحين، تقود مصر قضية المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي لم يتم حلها بسبب الخلافات عميقة الجذور.
وکانت هذه الانتخابات الشيء الوحيد المشترك بين الطرفين، والتي دفعت الطرفين إلى إعادة تفعيل قضية المصالحة الوطنية الفلسطينية من خلال الاتفاق على الانتخابات.
والآن، مع تعليق أبو مازن أحادي الجانب للانتخابات، ستصل قضية المصالحة الوطنية الفلسطينية مرةً أخرى إلى طريق مسدود، وستعيش فلسطين أيام الصراع مرةً أخرى.
خلق الفرص للکيان الصهيوني على الساحة الداخلية
يجد الكيان الصهيوني نفسه في أفق مغلق بسبب الجمود السياسي في الکيان، والذي يعود إلى عدم وجود حكومة وإجراء أربع انتخابات فاشلة. وهذا المأزق يخلق أزمات اجتماعية نتيجةً لهذا الحادث.
يتظاهر الصهاينة في الأراضي المحتلة منذ ما يقرب من عام، احتجاجاً على إدارة أزمة كورونا والمشاكل الاقتصادية الناتجة عنها. وقد أثارت هذه الاحتجاجات مؤخرًا قضية الجمود السياسي كأحد موضوعات الاحتجاج للمتظاهرين بعد انتخابات 23 مارس 2021، وتتحول قضية الجمود السياسي للکيان الصهيوني إلى أزمة اجتماعية.
لو أجريت الانتخابات الفلسطينية في موعدها، لكانت قد ألحقت أضرارًا نفسيةً بالصهاينة الذين يعيشون في فلسطين المحتلة، ومن ناحية أخرى، لقوَّضت قضية الجمود السياسي بشكل أسرع وعلى نطاق واسع.
لكن مع تأجيل هذه الانتخابات، سُلبت هذه الفرصة الميدانية من الفلسطينيين، وتوفَّر الوقت والفرصة لمسؤولي الکيان الصهيوني للتورط في الأزمة الاجتماعية التي سببها الجمود السياسي بشکل متأخر.
منع إحياء الساحة الاقتصادية والسياسية الفلسطينية
إن إجراء الانتخابات البرلمانية الفلسطينية كان يمكن أن يضمن تشكيل مجلس تشريعي وحكومة في فلسطين. وهي المؤسسات التي تعتبر أساس الحكم في الهيكل السياسي الفلسطيني، ويؤدي تشكيلها إلى تفعيل مؤسسات الحكم الأخرى مثل الوزارات والمؤسسات التابعة.
هذه السلسلة إذا استأنفت نشاطها کان يمکن أن يؤدي إلی بدء الحياة السياسية في فلسطين، ومع انطلاق الحياة السياسية ستنتعش الحياة الاقتصادية أيضًا.
مع تأجيل الانتخابات الفلسطينية، ستبقى مؤسسات الحكم الفلسطينية، التي تعطلت منذ سنوات، في سباتها عملياً وستُحرم من فرصة تفعيل المؤسسات الفلسطينية. قضيةٌ أدت إلى استمرار الضعف الاقتصادي خلال أزمة كورونا، ونتيجةً لذلك تتدهور الأوضاع المعيشية للفلسطينيين يوماً بعد يوم.
تفاقم الخلافات الداخلية وبروز دور الأطراف الخارجية
مع تأجيل الانتخابات الفلسطينية ستتجه الفصائل الفلسطينية نحو قرارات حزبية وجماعية، لأنها لم تتوصل إلى نتيجة من الحوار الداخلي. وسيؤدي ذلك إلى انقسامات داخلية وقرارات تتعارض مع المصالح الفلسطينية.
من ناحية أخرى، مع الجمود السياسي الداخلي، ستحاول الفصائل الفلسطينية إيجاد حل لهذا المأزق باستخدام جهات خارجية.
في الوقت الحالي، تميل السلطة الفلسطينية نحو الولايات المتحدة، وتأمل فصائل المقاومة في الوساطة المصرية، وتتجه بعض الجماعات اليسارية إلى الصين وروسيا، وتتواصل الجماعات المسيحية مع الدول الأوروبية.
وهذه النظرة إلی الخارج ستسبب المزيد من الانقسامات من ناحية، والأطراف الأجنبية من ناحية أخرى، ستلعب دورًا أكثر بروزًا في فلسطين. مشاكل لم يكن لها وجود على الإطلاق مع إجراء الانتخابات الفلسطينية.
ابتلاع القدس والاعتداء على قطاع غزة
منذ وصول ترامب إلى السلطة، أعدّ الصهاينة العديد من الخطط المتطرفة. خطة الموافقة على الدولة اليهودية، وإعلان القدس عاصمةً لها، واعتراف الولايات المتحدة بالحكم الصهيوني علی مرتفعات الجولان، وخطة ضم الضفة الغربية، هي جزء من هذه الخطط.
وقد أدی عدم وجود دولة وسيادة سياسية في فلسطين، إلی عدم تمکُّن الفلسطينيين من الدفاع عن فلسطين بشكل ملحوظ. ولو كانت هناك حكومة مستقلة وشرعية في فلسطين، لكانت هناك متابعة أكثر أهميةً في الساحة الدولية على الأقل.
والآن، مع تأجيل الانتخابات، لن تتشكل هذه الحكومة حتماً لفترة أخرى غير معروفة، وما يُعتبر خطراً جسيماً هو الوضع الذي يعيشه سكان القدس اليوم. من ناحية أخرى، قد يهاجم الصهاينة قطاع غزة مرةً أخرى هربًا من مشاكلهم الداخلية، مما يزيد الضغط على المنطقة.
وعلى المدى الطويل، فإن تنفيذ صفقة القرن من قبل الصهاينة، والتي لن تؤدي إلا إلى الطرد الكامل للفلسطينيين من فلسطين، سيكون أكثر نجاحًا في غياب حكومة سياسية فلسطينية مستقلة وشرعية، وتأجيل الانتخابات أعطى الصهاينة هذه الفرصة.
لم يكن نتاج تأجيل الانتخابات الفلسطينية سوى تأمين مصالح الولايات المتحدة والکيان الصهيوني في المنطقة، وخاصةً فلسطين. إجراءٌ ترك الشعب الفلسطيني في موقف ضعف وأعطى فرصاً كبيرةً للصهاينة، الذين اكتسبوا الکثير من الفرص لمعالجة نقاط ضعفهم وطرد الفلسطينيين، الذين يواجهون صعوبات جمة بسبب جائحة كورونا والمأزق السياسي الداخلي.