الوقت- في ظل المساعي التي تبذلها الحكومة الدنماركيّة لمنع وصول أيّ لاجئ إلى البلاد بالإضافة إلى ترحيل اللاجئين المتواجدين حالياً بأسرع ما يمكن إلى بلادهم الأصليّة، ومن ضمنهم اللاجئين السورين الذين وصف تصنيف كوبنهاغن عاصمتهم بالآمنة، أقدمت السلطات الدنماركيّة على سحب تصاريح الإقامة من 94 لاجئاً سورياً، تمهيدا لإعادتهم إلى سوريا، فيما أثارت تلك الخطوة جدلاً واسعاً في الأوساط السياسيّة والإنسانيّة في داخل الدنمارك وخارجها، واعتبرتها منظمة العفو الدولية المُهتمة بالقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان "انتهاكاً طائشاً لواجب الدنمارك في توفير حق اللجوء".
أصبحت الدنمارك أول بلد أوروبيّ يتخذ خطوات بشأن ترحيل اللاجئين، عقب إثارة عدد من الأحزاب الأوروبيّة لتلك القضيّة من ناحية اعتبار بعض المناطق السورية آمنة لإعادة اللاجئين السوريين إليها، ما دفع السلطات الدنماركيّة إلى تجريد نحو 100 لاجئ سوري من تصاريح إقاماتهم تمهيداً لإعادتهم إلى سوريا، بعدما قررت دائرة الهجرة توسيع رقعة المناطق التي تعتبر آمنة في سوريا، لتشمل محافظة "ريف دمشق" التي تحيط بالعاصمة السورية دمشق.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الهجرة الدنماركية في يونيو/ حزيران العام المنصرم نيتها العمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وفقا لخطة تشمل إعادة تقييم المناطق التي تعتبر آمنة في بلادهم، صرح وزير الهجرة الدنماركيّ، ماتياس تيسفاي، الشهر الفائت أنّ بلاده كانت منفتحة وصادقة منذ البداية، وأنّهم أوضحوا للاجئين السوريين أنّ تصاريح إقاماتهم مؤقتة، ويمكن سحبها إذا لم تعد هناك حاجة إلى الحماية، ونوه إلى أنّ كوبنهاغن ستمنح الناس الحماية إذا كانوا بحاجة إليها، لكن عندما تتحسن الظروف في أوطانهم الأصليّة، يجب على اللاجئين العودة إليها وإعادة تأسيس حياتهم هناك، طارحاً إمكانية منح العائدين إلى بلادهم تعويضاً ماليا للبدء بحياة جديدة.
يُذكر أنّ السلطات الدنماركية قامت العام الفائت بإعادة تقييم تصاريح الحماية المؤقتة الممنوحة لحوالي 900 لاجئ سوريّ قادمين من العاصمة دمشق، ومع اعتبار الحكومة محافظة "ريف دمشق" منطقة آمنة، سيتم تطبيق الأمر نفسه على نحو 350 لاجئاً سورياً آخرين في البلاد، في ظل دعوات إلى تسريع عمليات إعادة اللاجئين السوريين من خلال اتفاق مع الحكومة السوريّة، وبالأخص من قبل حزب الليبراليين اليمينيّ المعارض، والذي أشار متحدثُه الخارجيّ، مادس فوليدي، في وقت سابق، إلى إمكانيّة صفقة مع دمشق أو على مستوى الاتحاد الأوروبيّ، لمنع تقطع السبل بالسوريين في معسكرات الترحيل، حيث تتخذ الدنمارك سياسة معادية للهجرة ترمي إلى عدم استقبال أيّ طالب لجوء.
وفي هذا الخصوص، أكّد محللون أنّ الدنمارك تتجه نحو العداء مع اللاجئين، لأسباب تتعلق بالانتخابات المرتقبة، وذلك لاستمالة أصوات الناخبين، بالتزامن مع انتقادات دوليّة كثيرة، حيث أعرب مدير شؤون اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية، ستيف فالديز سيموندز، عن قلقه من أن تؤدي مخاطرة الدنمارك إلى تحفيز الدول الأخرى لتتخلى عن التزاماتها تجاه اللاجئين السوريين.
علاوة على ذلك، يشهد مجلس إدارة اللجوء في الدنمارك خلافاً بين مؤيدي ومعارضي قرار إعادة اللاجئين السوريين، بحسب شهادة مديرة اللجوء في المجلس الدنماركيّ للاجئين (منظمة غير حكومية) إيفا سينغر، والتي لفتت إلى وجود عائلات سورية منضويّة في سوق العمل، ولديهم أطفالهم يتابعون تعليمهم في المدارس، مؤكّدة أنّ هؤلاء وجدوا أنفسهم محرومين من كل ذلك بسبب قرار سحب الإقامة.
وبحسب تقارير غير رسميّة، يُقدر عدد اللاجئين السوريين في الدنمارك بحوالي 44 ألفاً، وقد تسببت الخطوة الحكومية في هلع كبير لدى اللاجئين في البلاد، وقالت صحيفة الغارديان البريطانيّة أنّ الحكومة الدنماركيّة تواجه اتهامات بملاحقة اللاجئين، حيث اطلعت على إحدى الرسائل المرسلة لبعضهم وجاء فيها "إذا لم تسافر إلى خارج الدنمارك طواعية، يمكننا إرسالك إلى سوريا".
خلاصة القول، من الواضح أنّ الدنمارك مُصرة على إبعاد اللاجئين السوريين عن أراضيها، لكن من غير المعروف حتى اللحظة ما إذا كانت كوبنهاغن قد فتحت "باب الترحيل" على مصراعيه في أوروبا أم لا، بمعنى آخر من المحتمل أن تقوم بعض الدول الأوروبيّة الأخرى باتباع النهج الدنماركيّ بما يخص اللاجئين السوريين في ظل التحسن الأمنيّ بعد تحرير الجيش السوريّ لأكثر من 70% من الأراضي التي سيطرت عليها المجموعات الإرهابيّة والمحسوبة على دول عدة، ليبقى أمل السوريين بتحسن قريب في بلادهم يقودهم إلى "العودة الطوعيّة" بعيداً عن الأيادي نفسها التي هجرتهم من ديارهم وجعلتهم مُجرد ورقة سياسيّة، بعد تركتهم يموتون غرقاً في البحار دون أيّ شفقة أو رحمة.
