الوقت- يقول الاتحاد الأوروبي إنه كان على الدوام مؤيد وداعم للشعب الفلسطيني في سعيه إلى الحرية والاستقلال وتقرير المصير. وقد تم ارساء الأساس لذلك لأول مرة في إعلان البندقية، وتم التأكيد عليه في العديد من مجالس الشؤون الخارجية الأوروبية، يحترم الاتحاد الأوروبي بشكل كامل حق الفلسطينيين في استخدام جميع الوسائل المسموح بها بموجب القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة لتحقيق حل سلمي للصراع الفلسطيني للإسرائيلي بما يتماشى مع المبادئ الدولية المتفق عليها.
هذا الكلام ليس بالسيء وربما هو كلام جيد نسبياً فيما يخص دعم الفلسطينيين، ولكن هل يقوم الاتحاد الأوروبي بدعم الفلسطينيين على ارض الواقع. في الحقيقة الدعم الأكبر والحقيقي هو لكيان العدو الاسرائيلي على حساب الفلسطينيين، ولكون اوروبا تتبجح بدعم الشعوب المظلومة، بدأت تقدم مساعدات مالية إلى فلسطين، ولكن على سبيل المثال ومنذ عام 2011، قام الاتحاد الأوروبي بتحويل 38 مليون يورو إلى المنظمات المرتبطة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعندما كشفت دراسة أجرتها منظمة إسرائيلية غير حكومية أن الأوروبيين كانوا يسمحون بتوزيع الأموال على مؤيدي الهجمات المسلحة، استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفير الاتحاد الأوروبي لتوبيخه، ومع ذلك فإن هذا المبلغ يعتبر مبلغاً بسيطاً جداً عندما نتكلم عن 30 دولة اوروبية وغالبا أهدافه سياسية اكثر منها انسانية.
يُشار إلى أنّ إسرائيل تعتبِر رسميًا وقانونيًا الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين تنظيمًا إرهابيًا، وتقوم بحملاتٍ مُكثّفة لاعتقال عناصرها في الضفّة الغربيّة المُحتلّة بتهمة الانخراط في تنظيم إرهابيّ يعمل بشكلٍ عسكري ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
كيف بدأ التمويل الأوروبي؟
مع تأسيس السلطة الفلسطينية، ومضي منظمة التحرير الفلسطينية في مسار العملية السلمية، بدأت الدول الغربية تقديم مساعدات مالية لمعظم القطاعات الفلسطينية، والتي جاءت في ذلك الوقت كدعم لـ"عملية السلام".
لكن الدعم الدولي للسلطة والمنظمات غير الحكومية منذ توقيع اتفاق أوسلو، جاء في سياق استعماري مع اختلاف القواعد السياسية. فقد كرست عملية التمويل حالة من التبعية أولاً، والهيمنة الناعمة باسم التضامن ثانياً تظهر على شكل توافق بين الداعم والمدعوم، شكلها الظاهري هو تحقيق أهداف التنمية والبناء والديمقراطية، لكنها تقوم في جوهرها على تحييد موضوع الاستعمار والاحتلال.
من الناحية العملية، بدأت المؤسسات الدولية بضخ كميات من الأموال بشكل يحدد الأولويات ضمن رؤيتها "التنموية" النابعة من نظرة استعلائية استعمارية، لتصنع فارق وشرط الرفاهية، عبر تمكين طبقة اجتماعية معينة من تعزيز سلطتها الاقتصادية وبالتالي السياسية، والحرص على تحييد مواقفها وتوثيق علاقاتها بالأجهزة الأمنية الفلسطينية، وربط وجودها وحصولها على امتيازات بوجود وضع أمني "مستقر".
وقد صرفت النسبة الأكبر من الأموال على رواتب الموظفين الأجانب، أو الموردين الذين هم غالباً من بلد المؤسسة الممولة. وبرر الممول آليات العمل هذه بحجة توزيع الموارد على أكبر عدد ممكن من المستفيدين، ضمن رؤية أفقية للتمويل لا عمودية – تراكمية.
حالياً يعد الاتحاد الأوروبي، أكبر جهة مانحة للسلطة الفلسطينية، ولقطاع المنظمات غير الحكومية الفلسطينية “الأهلية”، من خلال توفيرها حوالي 70% من مجموع التمويل المخصص لهذه المنظمات، حيثُ كانت السمة الأبرز لتدخلات الاتحاد الأوروبي وشروطه في السابق تتعلق بأوجه الصرف ومعايير النزاهة والشفافية، والشروط الإدارية والمالية والفنية، ولم تتضمن هذه الشروط اشتراطًا بالتوقيع على الملخص الخاص بها. إلا أن الاتحاد غير من سياسته لدعم المؤسسات الفلسطينية وربطها بالقضايا السياسية وليست الاجتماعية، كما ورد في الملحق (2) الذي وزعه الاتحاد على كل المؤسسات الفلسطينية في ديسمبر 2019.
عملت إسرائيل على محاصرة عمل مؤسسات المجتمع المدني وشوهت صورتها أمام الممولين، وبشكل خاص الاتحاد الأوروبي، عبر إصدار تقارير دورية للمراقب الإسرائيلي للمنظمات الأهلية، تربط عمل المؤسسات بالتنظيمات الفلسطينية واتهامها بممارسة وتمويل أنشطة "إرهابية".
ولم يقتصر التحريض الإسرائيلي على اتهام بعض مؤسسات المجتمع المدني بارتباطها بتنظيمات على لائحة "الإرهاب" الأوروبية، بل لاحقَ المؤسسات الناشطة ضمن حملة حركة مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليهاBDS، وهو ما يعني مستقبلًا توسيع رقعة الملاحقة للمؤسسات حتى على خلفية موقفها من مقاطعة إسرائيل وبشكل خاص في ضوء تعالي بعض الأصوات في بعض البرلمانات الأوروبية لتجريم حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل.