الوقت- بعد 73 عاماً على المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيونيّ المجرم في قرية دير ياسين غربيّ القدس يوم 9 أبريل/ نيسان 1948، لا تزال ذكرى المجزرة الوحشيّة حاضرة بقوة في ذاكرة العرب والفلسطينيين، لأنّ معظم ضحايا المجزرة كانوا من المدنيين وبالأخص الأطفال والنساء وكبار السن، ويتراوح تقدير عدد الضحايا بين 250 و360 بحسب مواقع إخباريّة، وتُعد أيضاً عملية إبادة وطرد جماعيّ نفذتها مجموعتا الإرغون (منظمة صهيونيّة شبه عسكريّة وجدت في الفترة السّابقة لإعلان الدولة المزعومة للكيان الصهيونيّ في فلسطين عندما كانت خاضعة للانتداب البريطانيّ في الفترة بين 1931 و1948)، وشتيرن (منظمة معروفة على نطاق واسع باسم عصابة شتيرن وتعد من أكثر الميليشيات الصهيونيّة إجراماً وشهرة).
وقد نفّذت العصابات الصهيونية تلك المجزرة قبل شهر واحد من إعلان قيام الدولة المزعومة "إسرائيل" على أنقاض فلسطين المحتلة، وشكلت المجزرة علامة فارقة في تثبيت المشروع الصهيونيّ على أرض الفلسطينيين، وحازت على أكبر عدد من الكتابات والمؤلفات العربيّة والصهيونيّة، وحظيت باعترافات من كبار الجنرالات المتورطين فيها، وحظيت المجزرة الشنيعة بتغطية إعلاميّة كبيرة من قبل العرب بهدف فضح ممارسات الصهاينة العدوانيّة وإحراجهم أمام البريطانيين، فيما استفاد الصهاينة من انتشار وتهويل أخبار المجزرة لإثارة الحرب النفسيّة وزرع الذُعر بين الناس في القرى العربية الأخرى لدفع سكانها إلى الهرب من ديارهم.
وقد قام بتنفيذ المجزرة قرابة 150 صهيونيّاً قادهم زعيم عصابة "الأرغون" مناحيم بيغن، الذي أصبح رئيساً للوزراء في حكومة العدو لاحقاً، وهو نفسه الذي وقع اتفاق "كامب ديفيد" مع مصر في 1979 وحصل على جائزة نوبل للسلام مع السادات، وإسحق شامير زعيم عصابة شتيرن، وهو رئيس الوزراء السابع للكيان الغاصب، حيث كانا رأس الحرب في الحرب على الفلسطينيين ومحاولة إبادتهم.
وفي ذلك اليوم المشؤوم، باغتت العصابات الصهيونيّ أهل القرية النائمين، في ظل مقاومة شعبيّة لم تصمد طويلاً أمام إجرام الكيان الصهيونيّ الذي أمطرهم بقذائف الهاون، مما مهد الطريق لاقتحامها، ففجر الصهاينة المعتدين منازل الفلسطينيين وقتلوا كل متحرك، ولم يكتفِ الصهاينة القتلة بذلك، بل جمعوا من بقوا على قيد الحياة وجردوهم من ملابسهم ووضعوهم في سيارات مفتوحة، وتعرضوا لسخرية المستوطنين اليهود وإهانتهم، وأوقفوا الأطفال والشيوخ والشباب على الجدران وطافوا بهم في الشوارع التي يسيطر عليها الصهاينة في القدس، ثم أعدموهم جميعاً رمياً بالرصاص، في جناية تاريخيّة لا يمكن أن تُمحى أو تُغتفر.
يُذكر أنّ ما تُسمى الوكالة اليهوديّة اعترفت بمسؤوليّة منظمات يهوديّة عن المجزرة الوحشيّة التي كان لها الأثر الكافي لتهجير الكثير من أبناء فلسطين من قراهم ومدنهم، واستغلتها الدعاية الصهيونيّة في حربها الإعلاميّة ضدهم بتهديدهم بملاقاة مصير دير ياسين، نظرا لما بثته من رعب في قلوبهم، وقد وصفت وسائل الإعلام تلك المذبحة بأنّها "شيء لا تقوم الوحوش الكاسرة بارتكابه"، بسبب الشواهد الكارثيّة على دمويّة وساديّة الصهاينة الذين أتوا بفتاة فلسطينيّة واغتصبوها أمام أهلها، ثم بدؤوا بتعذيبها وحرقوها، كما شوهوا جثث الشهداء وقطعوا أوصالهم، وأخرجوا الأجنّة من بطون الحوامل، وذبحوا 25 طفلاً، وقال كبير مندوبي الصليب الأحمر حينها، كريتش جونز، إن "منفذي المجزرة ذبحوا 300 شخص، دون أيّ مبرر عسكريّ أو استفزازيّ من أي نوع، وكانوا رجالاً طاعنين في السن، ونساء، وأطفالاً رضعاً".
إضافة إلى ذلك، اعترف أحد رجال الاستخبارات الصهيونيّة المكلفة بمراقبة المجزرة، مائير باعيل، بأنّ العناصر الصهيونيّة نفذت مجزرة طالت كل الفلسطينيين من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، واقتادوا 25 رجلاً وضعوا في شاحنة طافت بهم شوارع القدس "احتفالا بالنصر"، وبعد انتهاء العرض من قبل الغزاة أطلقت عليهم النيران بأعصاب باردة، كما أكّد الشاهد الأبرز على المجزرة والأجنبيّ الوحيد الذي دخل القرية ووثق مشاهداته، جاك دو رينييه، وهو ممثل الصليب الأحمر الدوليّ في القدس، بأنّ جل أفراد العصابتين كانوا مدججين بالسلاح وحملوا المسدسات والرشاشات والقنابل اليدويّة والسكاكين الطويلة ومعظمها ملطخة بالدماء، وكان واضحاً بحسب شهادته أنّه "فريق تطهير" مُكلف بالإجهاز على الجرحى، واتضح ذلك من خلال الجثث المكدسة خارج المنازل وداخلها.
ووفقاً لتقارير إعلاميّة، فقد احتفل الصهاينة بذكرى إجرامهم بعد عام من ارتكاب المجزرة واحتلال قرية دير ياسين بحضور وزرائهم وحاخاماتهم، وفي العام 1980 أعادوا بناء القرية على أنقاض المباني الأصليّة التي دمروها، وبكل وقاحة وجبروت أطلقوا على شوارع الفلسطينيين أسماء منفذي المجزرة، في الوقت الذي تحاول فيه المؤسسة الأمنيّة والعسكريّة التابعة للعدو، إخفاء تفاصيل المجزرة رغم مطالبات منظمات حقوقيّة بنشر وثائقها وصورها الموجودة في أرشيف جيش الكيان الباغي، بزعم أنّ نشرها قد يضر بعلاقات الكيان الغاشم الخارجيّة.
وبسبب فداحة الجريمة الصهيونيّة، تحولت مجزرة دير ياسين إلى قضيّة عالميّة احتلت الشاشات والصحف والكتب، رغم أنّ المؤرخين الفلسطينيين أحصوا تنفيذ العصابات الصهيونية الإجراميّة 80 مجزرة ومذبحة خلال احتلالها 400 قرية وبلدة فلسطينية عام 1948، أي أنهم نفذوا مجزرة في واحدة من كل 5 قرى احتلوها، ولم تكن دير ياسين حدثا استثنائيّا، لكنها الأشد إجراماً من بين عشرات المجازر، ومن أهمها بلدة الشيخ، وسعسع، والخصاص، والرامة، وعين زيتون، وأبو شوشة، ودهمش، وطيرة حيفا، والدوايمة، وعيلبون، والصفصاف.
واشتركت جميع المجازر التي ارتكبتها مختلف العصابات الصهيونيّة -ومن ضمنها البالماخ والهاغاناه وإيتسيل- بإلقاء المتفجرات على الفلسطينيين وفتح النار في جميع الاتجاهات، فضلاً عن استخدام الأسلحة البيضاء الحادة دون أي تمييز بين شباب أو مسنين أو أطفال ونساء، وتخلل بعضها شق رؤوس أطفال بالعصيّ، ولم يخل منزل من الجثث، ثم اقتادوا النساء والرجال وأبقوهم دون ماء أو طعام، وفجروا المنازل بمن فيها، بحسب قناة الجزيرة القطريّة.
واليوم وبعد 73 عاماً من المجزرة الشنيعة، لم يتغير الإجرام الصهيونيّ قيد أُنملة، حيث أصيب العشرات من الفلسطينيين، بالاختناق بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع، الجمعة المنصرم، خلال قمع جيش العدو الغادر مسيرة انطلقت لإحياء مجزرة دير ياسين، وأشار الناطق الإعلاميّ بإقليم قلقيليّة، مراد شتيوي، في تصريحات لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، إلى أنّ جنود الاحتلال القاتل اعتدوا على المشاركين في المسيرة بإطلاق قنابل الغاز والأعيرة المطاطية؛ ما أدى لوقوع عشرات الإصابات بالاختناق بينهم أطفال، ما يُظهر حجم العداء الصهيونيّ تجاه أصحاب الأرض والمقدسات، بالتزامن مع صمت عربيّ مُطبق عقب انجرار بعض الدول العربيّة إلى هاوية التطبيع رغم التاريخ والحاضر المغمس بالدماء للكيان الصهيونيّ الظالم.