الوقت- يعاني رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من ضغوط كبيرة داخل اسرائيل، نتيجة فشله الذريع في إدارة اقتصاد الكيان الصهيوني وكذلك إدارة أزمة كورونا وغيرها من الأزمات التي عصفت بكيان العدو، والأخطر بالنسبة لنتنياهو أن الجمهور الاسرائيلي غاضب منه حد القرف، وهم يتظاهرون كل اسبوع أمام مقر اقامته وفي عدة ميادين للمطالبة برحيله، ومؤخراً ولكي يبعد الشكوك عنه والضغوط عن نفسه، طالب التجار الصهاينة بالاتجاه نحو مقر وزارة القضاء والتظاهر هناك.
الخطوة التي أقدم عليها نتنياهو اثارت غضبا كبيرا داخل اسرائيل، وعلى اثر ذلك خرج العديد من السياسيين ومعهم مسؤولون في وزارة القضاء، يتهمونه بمحاولة تأليب الجمهور على مؤسسات الدولة والجهاز القضائي، وشبّهوا تصرفه بالدعوة التي وجهها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، قبل شهرين وحضّ فيها جمهور مؤيديه على مهاجمة الكونغرس.
وقال رئيس حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان، إن نتنياهو "مستعد لإغراق وزارة القضاء بالدم"، مضيفاً إنه "يستعد لتنظيم هجومات كهذه على مقر الكنيست (البرلمان) عندما تظهر نتائج الانتخابات وتشير إلى سقوطه. وما الهجوم الذي يدعو إليه اليوم سوى (بروفة) لمصائب أكبر".
وكان نتنياهو قد التقى مجموعة من أصحاب المصالح التجارية في مقهى في القدس، خلال جولة انتخابية، فتذمروا من سياسته في مكافحة كورونا التي تسببت في أزمة اقتصادية خانقة، أسفرت حتى الآن عن إفلاس 40 ألف مصلحة وتدهور حالة 40 ألفاً آخرين. فتهرب نتنياهو من المسؤولية وادعى أن لديه خطة جاهزة لتعويضهم وإنقاذ مصالحهم، لكن المستشار مندلبليت يمنع المصادقة عليها لأسباب بيروقراطية. فراح بعضهم يحرض على مندلبليت ويطالب بإقالته. فقال لهم إنه لا يستطيع إقالته بسبب الانتخابات. وأضاف متوجهاً لأحد التجار الغاضبين: "تعال مع جميع أصدقائك إلى صلاح الدين (مقر وزارة القضاء يقع في شارع صلاح الدين في القدس الشرقية المحتلة)".
وواصل نتنياهو فقال لصاحب المقهى: "يقولون إنني أدير اقتصاد انتخابات. بأي وقاحة هم لا يعطوننا هذا؟ لدينا خطة لتحفيز عاملين على العودة (إلى العمل). والمستشارون القضائيون والغانتسيون (نسبة لبيني غانتس) على أشكالهم لا يسمحون بتنفيذ ذلك. تعال أنت مع أصدقائك إلى (شارع) صلاح الدين". وأجاب صاحب المقهى: "إذا قلت إن المشكلة هناك، فسنصل إلى هناك".
وعقب وزير القضاء، بيني غانتس، من خلال حسابه في "تويتر"، على حملة نتنياهو فقال: "إنه يكذب. لقد نقلتم يوم الخميس فقط مسودة جزئية جداً لمشروع القانون إلى المستشار القضائي للحكومة، الذي يعمل عليها في هذا الوقت، وبعد أن استمروا برفض نقلها مدة شهر. دعوتك للجمهور بالصعود على وزارة القضاء خطيرة وتحدٍّ بالتحريض. أدعوك إلى التراجع فوراً. وإذا حدثت مشاهد كالتي شاهدناها في الولايات المتحدة، فإن الدماء ستكون على يديك".
نتنياهو كان سابقا قد دعا إلى وقف التظاهرات ضده، وقد وصف الأمر بـ"المهزلة"، في ظل إغلاق تشهده البلاد بسبب تفشي فيروس كورونا.فيما ردت حركة الاحتجاج بالتظاهر من جديد، حيث نظمت تظاهرتان كبيرتان، مساء السبت، أمام مقر إقامة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي في القدس المحتلة وأمام منزله في مدينة قيسارية، فيما تجمع عدد آخر من المتظاهرين على الجسور وعند التقاطعات في عدد من المدن داخل الخط الأخضر.
ورفع المتظاهرون أعلاما سوداء ولافتات كتب عليها "نتنياهو فشلت ارحل"، و"نتنياهو الرائحة أصبحت كريهة ارحل". وذكرت قناة "كان" (رسمية)، أن بعض المتظاهرين تعرضوا للاعتداء من قبل أنصار نتنياهو.
وتأتي التظاهرات المستمرة للأسبوع الـ37 على التوالي، قبل نحو أسبوعين من عقد الانتخابات العامة الإسرائيلية، في 23 آذار/ مارس الجاري، هي الرابعة في أقل من عامين.
ومنذ أكثر من 8 أشهر يتظاهر آلاف الإسرائيليين أسبوعيًا، وأحيانًا أكثر من مرة خلال الأسبوع، للمطالبة باستقالة نتنياهو، بسبب تورطه بقضايا فساد وسوء إدارة حكومته لأزمة فيروس كورونا.
وتشهد التظاهرات في الكثير من محطاتها مواجهات مع الشرطة، واعتقالات طالت المتظاهرين.
التحديات التي يواجهها نتنياهو
في الحقيقة إن التحدي الذي يواجهه نتنياهو في حكومة الوحدة الوطنية لا يهدد بقاءَه في السلطة وحسب، بل يهدد بقاءَه وهيمنته أيضًا، وهذا ما أيقنه منذ البداية. فتشكيل حكومةٍ كبيرة يقتضي إرضاء كل واحد فيها عند توزيع الحقائب الوزارية. وهذا مدعاةٌ للصدامات الداخلية ويشكِّل تحديًا لحلفاء نتنياهو التقليديين الذين يسعون للحفاظ على سلطتهم بينما يحاول نتنياهو أيضًا أن يُرضي خصومه.
إن ما يحصل اليوم في إسرائيل صراعٌ داخلي ذو حدين يتعدى بلوغ العدد المطلوب من المقاعد لتشكيل الائتلاف الحكومي. فهو صراعٌ على تمثيل اليمين السياسي في إسرائيل من جهة، وصراعٌ على طابع دولة إسرائيل من جهة ثانية. وقد استطاع نتنياهو في السنوات الأخيرة تثبيت هيمنته بواسطة استقطاب الصراعات الداخلية في اليمين الإسرائيلي بالتركيز على الأعداء المشتركين. غير أن تلك الصراعات وصلت حدَّ الصدام المباشر الذي تجلى في رفض ليبرمان دخول ائتلاف نتنياهو قبل أن يتنازل الأخير في مسألة إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية.
يشن نتنياهو أيضًا حملةً ممنهجة لتهميش معارضيه الداخليين والخارجيين. فبتصفية كلَّ معارضةٍ له داخل حزبه الليكود وإنشاء شبكة ولاءات داخلية، تمكَّنَ من ترسيخ صورته باعتباره الوحيد القادرعلى إيصال الليكود الى سدة الحكم، إذ يدَّعي أن اليمين الحقيقي لا تقوم له قائمة بدونه. وعلى الصعيد الخارجي، حاصر نتنياهو معارضيه من اليسار الصهيوني باتهامهم "بالخيانة والتخاذل وحب العرب"، وسنِّ تشريعات تُقيد عمل مؤسسات حقوق الانسان المحسوبة على اليسار التي تتجرأ على انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية السافرة التي يرتكبها في غالب الأحيان جيشُ الاحتلال والمستوطنون في الأرض الفلسطينية المحتلة.