الوقت- كانت الضربات الجوية الشديدة التي شنها الجيش التركي على جبل غارا في إقليم كردستان العراق واحدة من أكبر العمليات التي شنتها القوات المسلحة التركية ضد حزب العمال الكردستاني في السنوات الأخيرة.
قامت أكثر من 40 طائرة مقاتلة وأربع طائرات بدون طيار وثلاث مروحيات عسكرية تركية، بعمليات مراقبة وتعقب طويلة الأمد بالإضافة إلى القصف بالمروحيات الحربية، وبحسب الأرقام الرسمية التي نشرها الجيش التركي حتى الآن، قُتل 53 من أعضاء حزب العمال الكردستاني واعتقل اثنان آخران.
التضليل الإعلامي وإخفاء الغرض الرئيس
قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن الهدف الرئيس للعملية هو محاولة قطع الاتصالات بين مقر حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل ومناطق مثل سنجار وشمال سوريا. لكن أصبح من الواضح الآن أن هذا مجرد إجراء أمني وخداع إعلامي، وأن هدف الجيش التركي شيء آخر.
وأعلن خلوصي أكار أن العملية انتهت وانسحبت القوات من غارا. وشدد على أن الهدف الرئيسي للعملية هو إنقاذ 13 مواطنا تركيا مختطفا، لكنهم قتلوا في كهف على يد الحراس قبل ان يتم إنقاذهم.
عسكري أم مدني؟
تشير التقارير الواردة في وسائل الإعلام التركية حول قتلى غارا إلى أن الرجال كانوا مدنيين أتراك، لكن مراجعة هوياتهم تكشف أنهم غالبا ما يكونون إما من أفراد الدرك أو الشرطة أو من جهاز الاستخبارات التركي.
إذن ما هي القضية ولماذا تؤكد تركيا أن هؤلاء الأشخاص مدنيون؟ الجواب: 1. اختطف هؤلاء الناس بقوة السلاح في منتصف طرقهم للعمل وهم مدنيون بالكامل ولم يتم خطفهم من ساحة المعركة 2. التركيز على الطبيعة المدنية لهؤلاء الضحايا يؤدي إلى تغطية إعلامية مكثفة في العالم ويصبح بقعة سوداء أخرى في تاريخ حزب العمال الكردستاني.
يُظهر فحص البيانات لهؤلاء الضحايا أن نصفهم من الأكراد الأتراك، وربما لهذا السبب كتب فاتح التايلي، المحلل والصحفي التركي المعروف، في عموده بصحيفة خبر الترك: "ليس هناك جماعة أو مؤسسة في العالم قتلت الأكراد بقدر ما فعل حزب العمال الكردستاني".
القضية المعقدة لعمليات الاختطاف من قبل حزب العمال الكردستاني
اختطفت قوات حزب العمال الكردستاني كل من ال 13 شخصًا في عام 2015 ونقلوا إلى جبل غارا في كردستان العراق وتم قتلهم هناك. تم سجن هؤلاء الأفراد في كهف كبير خلال السنوات الخمس الماضية، وكان هدف حزب العمال الكردستاني الحصول على تنازلات مقابل إطلاق سراحهم، لكن الحكومة لم توافق أبدا على التفاوض مع الحزب بهذا الشأن.
وبحسب المعلومات التي قدمها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لوسائل الإعلام، فإن 12 من هؤلاء الرجال أصيبوا برصاصة في الرأس وواحد أصيب في الكتف من قبل السجانين الذين فروا لانقاذ أنفسهم من القصف.
وزعمت وسائل إعلام حزب العمال الكردستاني أن الرجال المذكورين قتلوا ليس بنيران مباشرة ولكن بالصواريخ التي أطلقتها الطائرات التركية، لكن تقرير الطب الشرعي في ملاطية بتركيا أكد أنهم أصيبوا برصاصة في الرأس.
الموقف الحاد لوزير الداخلية
مراد كارايلان هو أهم شخصية عسكرية في حزب العمال الكردستاني وأحد مؤسسي هذه المجموعة. وقال وزير الداخلية التركي سليمان سويلو في بيان له "إذا لم نعتقل مراد كارايلان وقطعنا جسده إلى ألف قطعة فإن أسر الشهداء ستبصق في وجوهنا".
وبعد هذا الموقف الحاد للغاية من سويلو، ذكرت وسائل الإعلام التركية أن كاريلان غير وجهه وتنكر بلباس عربي خوفا من الاعتقال.
لكن مراد باكان عضو البرلمان التركي واحد قادة حزب الشعب الجمهوري قال: "ضعوا هذه الصرخات غير المجدية جانبا. لقد كنت الى جانب عائلات هؤلاء الشهداء الثلاثة عشر ليلًا ونهارا لمدة 5 سنوات وأعمل على إطلاق سراحهم لكن الحكومة أن تفعل أي شيء من أجلهم."
صرخة الانتقام
كما كان متوقعا، ترددت أنباء مقتل 13 جنديا تركيا مخطوفا في كهف غارا على يد قوات حزب العمال الكردستاني على نطاق واسع وأثارت غضب الشعب التركي، واليوم خصصت جميع الصحف والعناوين والصور التي تتخذ من أنقرة مقراً لها صفحتها الأولى لهذه القضية.
أعلنت حكومة باغشلي، زعيم حزب الحركة الوطنية، الذي شكل التحالف الجمهوري مع أردوغان أنه لن يبقى هناك شيء على حاله.
ماذا تقول امريكا؟
أصدر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايز بيانا بشأن حادثة غارا ومقتل 13 مواطنا تركيا، تضمن أربع نقاط مهمة:
1. تركيا عضو في الناتو وحليفتنا ونحن مع تركيا.
2. نقدم تعازيّ للشعب التركي وأهالي الضحايا.
3. إذا ثبت أن هؤلاء الأشخاص قتلوا بالفعل على يد قوات حزب العمال الكردستاني، فإننا ندين هذا العمل بشدة.
إبراهيم كالن المتحدث باسم الرئيس التركي لم يعجبه الموقف الأمريكي وانتقد في نفس الوقت كل دول العالم وتساءل: لماذا يسكت المجتمع الدولي عن هذه الجريمة السوداء لحزب العمال الكردستاني؟
أيام السياسيين الأكراد الصعبة
ان حزب الشعوب الديمقراطي هو أهم هيئة تابعة لحزب العمال الكردستاني في تركيا، حيث يحتل 10 في المائة من مقاعد البرلمان التركي البالغ عددها 600. والآن يمر ممثلو هذا الحزب بأيام صعبة. لأن الأحزاب والتيارات القومية تعتقد أنه لا فرق بينهم وبين إرهابيي حزب العمال الكردستاني.
وبعد أحداث غارا، قال فخر الدين ألتون، رئيس الإعلام في الرئاسة التركية، إن حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني ليسا مختلفين، لكن الصحفي التركي الشهير جون دوندار رد بالقول: ان حزب الشعوب الديمقراطي هو صوت وممثل لملايين من المواطنين الأتراك، ولا يحق لأي موظف رئاسي أن يطالب بهذه السهولة بتدمير حزب ما. لو كنتم قد وثقتم في حزب الشعوب الديمقراطي قبل بضع سنوات وأرسلتموه كوسيط لكانوا قد أطلقوا سراح الجميع ولم نكن لنصل إلى هنا.
وقت تفكك التحالف الضعيف
دعا حزب الشعب الديمقراطي، بناءً على طلب وأوامر قادة حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل، الأكراد إلى التصويت لمرشحي المعارضة لأردوغان في الانتخابات البلدية، وبالتالي في مدن مهمة مثل اسطنبول وأنقرة وأضنة عانى مناصرو اردوغان من هزائم ثقيلة، وشكل الحزب الشعوب الجمهوري، بقيادة كمال كليجدار اوغلو، ائتلافا شبه رسمي مع المؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبالإضافة إلى حزب الخير قادت السيدة ميرال أكشنر، المؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني، وفي المستقبل القريب، قد يضم التحالف باباجان وداود أوغلو وكارميل أوغلو، وفي انتخابات عام 2023، قد يفوزوا بما لا يقل عن 55٪ من أصوات الشعب التركي وان يقوموا بإزاحة أردوغان وحزبه من السلطة.
لكن الآن، وبعد أحداث غارا، لا يجرؤ كل من كليجدار اوغلو واكشنر على التعاون المؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني، وهناك مخاوف من إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي في المستقبل القريب.
هزت جريمة حزب العمال الكردستاني الشنيعة بقتل 13 مختطفا، تركيا ومن حيث التوازن السياسي، فقد تغير المناخ لصالح الحزب الحاكم.