الوقت- تجمع المئات من العاطلين عن العمل قبل عدة أيام في شوارع "تل أبيب" للاحتجاج على إغلاق محلاتهم التجارية دون تقديم حل لمشاكلهم الاقتصادية. ولقد أفادت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، بأن المئات من العاطلين عن العمل والذين كانوا يعملون في السابق في القطاعات الخاصة، أغلقوا شارع "يافا" في تل أبيب احتجاجا على عدم كفاءة هيكل صُنع القرارات السياسية في إسرائيل لمواجهة تفشي فيروس "كورونا" الذي أدى إلى إفلاسهم. ووفق هذه الصحيفة العبرية، أعلن المحتجون مساء الثلاثاء الماضي، أنهم سوف يقومون مرة أخرى بوضع كميات كبيرة من بضائعهم في منتصف الشارع وسيقومون باحراقها، وذلك احتجاجا على عدم تمكنهم خلال الفترة الماضية من بيعها بسبب السياسات الخاطئة للسلطات الإسرائيلية.
وحول هذا السياق، كتب "موشيه كوهين" مراسل صحيفة "معاريف": "تم وضع أكياس مليئة بالملابس وسلال القماش على الأرض في وسط شارع يافا وتم إغلاق ذلك الشارع بالكامل". مضيفاً، وخوفا من تصاعد الاحتجاجات كانت الشرطة تراقب الموقف من قرب ولم تتدخل. يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن الإجراءات الاحترازية والإغلاق لمنع انتشار فيروس "كورونا" المستجد في أنحاء العالم كان لها تأثير كبير في إسرائيل، ما انعكس في الشارع بخروج التظاهرات الحاشدة ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، "بنيامين نتيناهو"، بسبب الوضع الاقتصادي، حيث قُدمت ضده ملفات فساد. وفي التظاهرات رفع المحتجون الأعلام السوداء وطالبوا برحيل "نتنياهو" أمام منزله، بسبب لوائح الاتهام التي قدمت ضده وما يعتبرونه فشله في التعامل مع أزمة كورونا، ما أدى إلى وجود أوضاعٍ اقتصادية سيئة.
وعلى صعيد متصل، كشفت هذه الصحيفة الصهيونية، أن بعض المتظاهرين حاولوا إزاحة الحواجز التي نصبتها الشرطة في المكان، وحدثت مواجهات عنيفة بينهم وبين أفراد الشرطة، وألقى المتظاهرون البيض على رجال الشرطة وجرى استدعاء قوات خاصة؛ لتفريقهم من أمام مقر رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووفق ما نقلته هذه الصحيفة، حمل المتظاهرون لافتات كتبوا عليها "فساد نتنياهو يكلفنا الصح، توقف عن الانهيار - استقيل، وحكومة التدمير"، وغيرها من العبارات، وقالت الشرطة، إن مئات المتظاهرين توجهوا في مسيرة نحو مركز القدس وأغلقوا خط قطار كهربائي، كما ألقوا زجاجات على عناصر في قوات الأمن.
إن هذه التظاهرات لم تأت من فراغ، فوفقا لما ذكرته هذه الصحيفة الإسرائيلية، فقد قفز معدل البطالة في إسرائيل من 3.4% في فبراير إلى 27% في أبريل الماضي، وذلك أيضًا على ما يبدو ما دفع نائب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ووزير الأمن، "بيني جانتس" إلى دعم للمتظاهرين الذين احتجوا على سياسات الحكومة الاقتصادية خلال الوباء السبت الماضي خلال مظاهرة في تل أبيب. وحول هذا السياق، كتب "جانتس" عبر صفحته على فيس بوك: "المواطنون الذين خرجوا إلى الشوارع يعبرون عن محنة حقيقية ومبررة ولهم الحق في ذلك. ونحن، كحكومة، علينا مسؤولية الاستماع والعمل لإيجاد الحلول". وأضاف: "لقد جلب لنا فيروس كورونا واحدة من أكبر الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية في تاريخ الدولة، يمكننا معا التغلب عليها من خلال الحفاظ على الحياة وسبل العيش".
وذكرت اللجنة المشرفة على المظاهرات، أن "هذه المظاهرة هي نتيجة 4 أشهر من الإحباط والمعاناة الحقيقيين نتجت عن شعور خطير بعدم اتخاذ إجراءات ملموسة من جانب الحكومة في مواجهة المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها الإسرائيليون". ولقد تحدث صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية خلال الفترة الماضية عن أسوأ أزمة اقتصادية تواجه "إسرائيل" جراء كورونا، وأكدت أن آلاف الإسرائيليين أصبحوا عاجزين كلياً عن تأمين عائلاتهم ولقد أجرت هذه الصحيفة حواراً مع أحد المواطنين الإسرائيليين والذي اسمه "موسى ليران"، حيث قال :"قبل كورونا كنتُ أعمل في مصنع وكان راتبي جيداً، لكن مع تفشي الوباء سرحوني في إجازة غير مدفوعة ثم بعدها بعدة أشهر أقالوني. لقد تركنا هذا من دون راتب في البيت. أنا قلق على مستقبلنا، ألا يكون لأولادي ما يأكلونه". ولفتت هذه الصحيفة الإسرائيلية أن "ليران" ليس الوحيد الذي وجد نفسه في ضائقة اقتصادية في أعقاب الوباء. مثله مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين أصبحوا عاجزين كلياً في القدرة على إعالة عائلاتهم. هذا ما يتبين من معطيات تقرير الفقر البديل الصادر عن جمعية "لاتت" لسنة 2020.
حيث وصف ذلك التقرير هذه الأزمة التي تعصف بإسرائيل بالضربة الشديدة التي تلقتها الطبقات الضعيفة. وأضاف التقرير إن "62% من الذين يحصلون على مساعدات يُفيدون أن وضعهم الاقتصادي تضرر إلى حد كبير أو كبير جداً في أعقاب الأزمة، و55.6% من المدعومين يُفيدون أن ديونهم زادت خلال كورونا. كذلك الحاجة إلى مساعدات ارتفعت بنسبة 70%، لكن ربع السكان الذين احتاجوا هذه المساعدات لم يحصلوا عليها". وأضاف التقرير "وإذا لم يكن هذا كافياً، فقط ربع العائلات في إسرائيل تفيد عن وضع اقتصادي جيد. فيما عدد العائلات التي تعيش في انعدام أمن غذائي، ازداد بصورة مهمة. حتى إن التقرير يصف وضعاً من عدم المساواة في مجال التعليم: 73.9% من المدعومين أفادوا بأنهم لا يملكون حواسيب من أجل التعلم عن بُعد. كما أن 70% من العائلات المدعومة لا تملك إمكانية شراء أدوات أساسية للمدرسة".
الجدير بالذكر أن الرئيس الإسرائيلي "رؤوفين ريفلين" قال قبل عدة أيام: "إنه تقرير صعب، مؤلم، من أصعب ما رأيناه. التقرير يُظهر كيف تحولت أزمة كورونا من أزمة صحية إلى أزمة إقتصادية وإجتماعية واسعة وعميقة. إلى جانب الضرر الحقيقي بالطبقة الوسطى، يتبين أن القطاعات السكانية الأكثر عرضة للضرر تعاني بشدة". ومن جانبه قال مدير عام جمعية "لاتت"، "عران واينتروب": "نحن في أخطر أزمة اقتصادية في تاريخ إسرائيل، وستستغرق المجتمع الإسرائيلي سنوات للانتعاش منها. يجب وقف النزيف وسط القطاعات السكانية الفقيرة وكبح تدهور مئات آلاف الإسرائيليين." وهنا يعتقد الدكتور "إمطانس شحادة" رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة كورونا النائب عن التجمع الوطني في القائمة المشتركة في الاقتصاد أن أزمة كورونا سيكون لها الكثير من الارتداد السلبي العميق على الاقتصاد الإسرائيلي -الذي يشهد أسوة بالاقتصاد العالمي- شللا لأغلبية المرافق التجارية ومختلف القطاعات التي ما زالت معطلة منذ أسابيع.
وأوضح "إمطانس"، أن أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية ستكون لها دلالات وانعكاسات على الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، بحيث سنشهد ارتفاعا في معدلات البطالة حتى بعد انتهاء الأزمة في قطاعات السياحة والفندقة والمصانع التي تعتمد على تصدير منتجاتها للعالم، بحيث إن أكثر من 20% ممن خرجوا في عطلة غير مدفوعة الأجر لن يعودوا لسوق العمل وسيفقدون وظائفهم، وهذا سيشكل عبئا على موازنة الدولة للعام المالي المقبل. ويتوقع الخبير بالاقتصاد انخفاض النتائج المحلي في البلاد وتراجع الطلب العالمي على الصادرات الإسرائيلية، ما يعني أن الدولة ستدخل ركودا اقتصاديا وتجاريا.
وفي الختام يمكن القول إن الرئيس الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يواجه هذه الايام العديد من التحديات التي قد تزيحه ربما من رأس الحكومة، خاصة وأنه أثبت فشله خلال الفترة الماضية في السيطرة واحتواء فيروس كورونا الذي تسبب في أكبر أزمة اقتصادية في الشارع الإسرائيلي وعلينا الانتظار بعض الوقت لنري كيف سيتعامل الشارع الإسرائيلي مع هذا الكم الهائل من الفشل الذي يقوم به "نتنياهو" وحكومته وهل سيتمكن هذا الاخير من الاحتفاظ بمنصبه أو أن السيول الشعبية الجرافة سوف تقوم بانتزاعه من منصبه وطرده من رأس الهرم الحكومي.