الوقت- وسط تحليق الطائرات الاستراتيجية الأمريكية B-52 واستعراض الوجود العسكري الكبير في الخليج الفارسي، قرر البيت الأبيض فجأة يوم الجمعة سحب حاملة الطائرات نيميتز. حيث تأتي هذه الخطوة بعد يومين فقط من قيام القاذفات الاستراتيجية B-52 بالتحليق فوق المنطقة وإرسال غواصة يو اس اس جورجيا النووية إلى المنطقة بعد أسبوع أيضاً من تخرصات ترامب ضد إيران.
وتباينت التحليلات حول سبب إرسال هذه التجهيزات والقوات إلى المنطقة. فقال مسؤولون سياسيون وعسكريون أمريكيون إن الغرض من المناورات كان "استعراضاً عسكرياً لتذكير طهران برد أمريكا الحاسم على أي هجوم بذريعة الذكرى السنوية لاغتيال (الجنرال) سليماني".
لكن اتضح أن ذكرى استشهاد الجنرال سليماني كانت غطاء لإخفاء المهمة الرئيسة في إرسال حاملة الطائرات والقاذفات الاستراتيجية إلى المنطقة، لأن إيران أعلنت أولاً أن الانتقام الرئيس لاستشهاد الجنرال سليماني هو طرد القوات الإرهابية الأمريكية من المنطقة. وفي المرحلة التالية، ستنتقم من الاشخاص الرئيسيين الذين أمروا بتنفيذ عملية الاغتيال، وثانياً، من الواضح أنه في الاوضاع التي تكون فيها القوات الأمريكية مستعدة تماما في مناسبة ذكرى استشهاد الجنرال سليماني، يكون مبدأ المفاجأة للقيام بعمليات انتقامية من قبل طهران مستبعداً تماماً.
في ظل هذه الأوضاع، طرح مراقبون ومحللون عدة أهداف تقف خلف إرسال معدات عسكرية أمريكية ثقيلة إلى المنطقة. فمن ناحية، وصف البعض ارسال حاملة الطائرات الى المنطقة في 28 نوفمبر، وفي ذروة التوترات الانتخابية الأمريكية، بأنها محاولة من قبل فريق ترامب لتصعيد التوترات مع إيران من أجل افشال أهداف السياسة الخارجية لبايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي.
ومن ناحية أخرى، بينما يحلم قادة تل أبيب بالوجود العسكري في الخليج الفارسي عقب اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني - إلا أنهم لا يجرؤون على فعل ذلك بسبب التحذيرات الجدية من قبل مسؤولي الجمهورية الإسلامية - يقال إن ترامب في الأيام الأخيرة من وجوده في البيت الأبيض، كان يسعى لإمكانية وجود غواصة للكيان الصهيوني في مياه الخليج الفارسي تحت غطاء تكثيف الوجود العسكري في الخليج الفارسي.
وفي سياق هذا التوتر، وردت تقارير خلال الأيام القليلة الماضية عن محاولة صهيونية أمريكية لتنفيذ عملية العلم الزائف، على سبيل المثال، في حين لم يتم تبني الهجمات الصاروخية الأسبوع الماضي على السفارة الأمريكية في العراق – التي وقعت دون أي أضرار أو إصابات - أو حتى إدانتها من قبل أي فصيل عراقي، فقد كان البيت الأبيض هو الذي حاول استغلال هذا الحدث لخلق مواجهة بين الحكومة العراقية ومجموعات الحشد الشعبي.
وعلى عكس الادعاءات التي كانت تعتبر إرسال سفينة حربية إلى الخليج الفارسي منعاً للتوترات، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن وزير دفاع ادارة ترامب كريستوفر ميلر، الذي تولى منصبه بعد الإطاحة بسبنسر، أقال الجنرال ماكنزي قائد القوات الأمريكية في المنطقة الذي يعارض خروج نيميتز. حيث كان يعتقد ماكنزي أن التهديد للقوات الأمريكية لم يتضاءل وأن الأسطول بحاجة إلى الاستمرار بوجوده. لذلك لا بد من القول إن عودة حاملة الطائرات الأمريكية أدراجها كان في الواقع تراجع البيت الأبيض عن أهدافه التي يحلم بها، لكنه لم يجرؤ على تحقيقها؛ كما أنها ليست مهمة لإرسال التحذيرات والردع ضد إيران وفصائل المقاومة.
كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن المحللين العسكريين الأمريكيين لاحظوا في الأيام الأخيرة أن الدفاعات الجوية والبحرية وجميع الوحدات الأمنية الإيرانية تتمتع بجاهزية عالية جداً.
في الواقع، هم قلقون من رد إيران المؤلم، مثل ما حدث في قاعدة عين الأسد، حيث دمرت الصواريخ الإيرانية القاعدة في بداية عام 2020 ، ولم تستطع أمريكا اظهار أي رد فعل لأنها كانت تعلم أن أي رد سيكلفها الكثير. وينهي وجود هذا البلد في المنطقة إلى الأبد. وحتى في ذروة ما يسمى باستعراض القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة، تعرضت الارتال العسكرية للجيش الإرهابي الامريكي للهجوم في العراق واحدة تلو الأخرى، ولم تستطع واشنطن ان ترد أي رد إلا التظلم والشكوى للحكومة العراقية.
والكيان الصهيوني الذي يتلظى من اجل منع طرد القوات الأمريكية من المنطقة، وخاصة بعد تصريحات السيد حسن نصر الله الحاسمة حول قدرة حزب الله العسكرية والمناورات الصاروخية المشتركة في غزة، تلقى رسالة بأن أي حرب ستكون بمثابة النهاية والدمار الحتمي لهذا الكيان، كما ان البيت الأبيض ادرك ايضاً أن الأراضي المحتلة لن تكون في مأمن من تبعات استفزازات واشنطن.
لكن في الحصلة يمكن القول إن انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية لم يكن بسبب تراجع مستوى الخطر على المصالح والقوات الأمريكية في ذكرى استشهاد الجنرال سليماني ، بل كان نتيجة خوف وخشية البيت الأبيض من إثارة التوتر مع المقاومة.