الوقت- في الأيام الأخيرة، ومع اقتراب موعد مغادرة ترامب البيت الأبيض، وهو مؤشر على فشل استراتيجية الضغط الأقصى، سواءً في الساحة الاقتصادية أو على الجبهات العسكرية ضد جمهورية إيران الإسلامية، هناك بعض التعليقات والتحركات من العمليات النفسية من قبل الحكومة والجيش الأمريكي، بمساعدة وسائل الإعلام وشبکات التواصل الاجتماعي ضد الجمهورية الإسلامية، وهو بالطبع ليس قضيةً جديدةً بل مستمرة منذ عقود.
دخلت هذه الجولة من العمليات النفسية مرحلةً جديدةً منذ بداية الأسبوع الماضي، وبناءً على ذلك، أعلنت البحرية الأمريكية أنها أرسلت غواصةً نوويةً من طراز "أوهايو" تحمل عشرات صواريخ الكروز إلى الخليج الفارسي، إلی جانب سفينتين من فئة "تيكونديروغا".
قبل التطرق إلى وجود هؤلاء الضيوف الجدد غير المدعوين في المنطقة، ولماذا يتم تغطية هذا الوجود في وسائل الإعلام في هذا التوقيت، من الأفضل إلقاء نظرة على السجل الأخير لأمريكا في إرسال مختلف المعدات والأسلحة إلى المنطقة وحول حدود الجمهورية الإسلامية.
صيف افتراضي ساخن لإيران بقاذفة تبلغ من العمر 70 عاماً!
في ربيع العام الماضي تقريباً، أرسل الجيش الأمريكي عدداً من قاذفات B-52 وحاملة طائرات إلى منطقة الخليج الفارسي لمواجهة ما يسمی بالتهديد الإيراني.
وبعد الإعلان عن هذا الخبر الشائع، اندلعت فجأة عاصفة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وخاصة تلك الأجنبية الناطقة بالفارسية، استمرت حتى نهاية الصيف الماضي تقريباً، وأخيراً كما في السنوات والأوقات السابقة انتهت دون أي سلوك خاص.
ونقلت وسائل الإعلام الإقليمية والمحلية أحياناً هذا الخبر كما لو كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نشر قاذفات أمريكية حول إيران، وأن شيئاً خاصاً على وشك الحدوث.
تتمركز قاذفات B-52، التي كانت موجودةً في الجيش الأمريكي منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، في قواعد مختلفة بالقرب من إيران في السنوات الأخيرة بانتظام، في كل من "قطر" و"دييغو جارسيا"، ومنذ ذلك الحين تكررت هذه العملية عدة مرات.
إن وجود حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج الفارسي أو منطقة شمال المحيط الهندي أمر روتيني ودائم تقريباً، حتى قبل انتصار الثورة الإسلامية، وفي حالات مختلفة فقط قد تأتي أكثر من حاملة طائرات إلى المنطقة أو تزيد مدة وجودها أن تقلّ.
يجب علينا أيضاً إعادة التذکير بالحجة المتكررة القائلة بأن وصول حاملة طائرات إلی منطقة الخليج الفارسي، من حيث المبدأ، سيجعل الأمور أسهل للقادة الإيرانيين والجيش، حتى بافتراض عدم حدوث صراع، وأن السفينة المعنية ستکون في مرمی كمية أكبر بكثير من الأسلحة الإيرانية.
کما أن رحيل هذه السفن، إذ يجعل أي نوع من العمليات الجوية أكثر صعوبةً، سيترك الدول التي لعبت دور الأبقار الحلوب لأمريكا وحدها في مواجهة القوة الإيرانية، وهو ما يتعارض أيضاً مع سياسات أمريكا لابتزاز الأموال من هذه البلدان.
قبل أن نتطرق إلى سبب كون الخطوة التي بدأتها أمريكا ليست أكثر من ابتزاز إعلامي، دعونا نلقي نظرةً على هذه الغواصة الجديدة أولاً.
غواصة يو إس إس جورجيا، من فئة أوهايو برقم SSGN-729، هي غواصة تعمل بالطاقة النووية (وليس بالصاروخ النووي) مزودة بصاروخ كروز توماهوك.
بالنسبة لبعض المهتمين بهذا المجال، قد يثار سؤال مفاده أن أوهايو بُنيت كغواصة تحمل صواريخ باليستية نووية عابرة للقارات، فما قصة حمل صواريخ كروز؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب القول إنه بعد نهاية الحرب الباردة وانتهاء التهديد السوفييتي السابق، في عام 1994 كان لدى أمريكا تقدير جديد لاحتياجاتها في مجال الردع النووي، وبناءً على ذلك خلصت إلى أنه من بين 18 غواصة في هذه الفئة، هناك 14 غواصة كافية لمسألة دوريات الردع النووي.
ومن المهم أيضاً ملاحظة أن البرنامج الأمريكي الرئيس لهذه الفئة كان إنتاج 24 منها، وفي الأساس لم يتم بناء آخر 6 غواصات بسبب نهاية الحرب الباردة. وإضافة إلى حمل صواريخ كروز، يمكن لهذه الغواصات أن تحمل أكثر من 60 فرداً من القوات الخاصة لتنفيذ العمليات.
وبهذا القرار، قرَّر القادة الأمريكيون من خلال وضع مخازن صواريخ "توماهوك" من نوع كروز داخل صوامع صواريخ "ترايدنت" الباليستية، تحويل هذه السفن إلى حاملة صواريخ كروز.
تم اختيار أول أربع غواصات من هذه الفئة، وهي أوهايو وميتشيغان وفلوريدا وجورجيا، لهذا الغرض، فتحوَّلت إلی حاملات صواريخ كروز بين عامي 2002 و2008.
دخلت غواصة يو إس إس جورجيا الخدمة رسمياً مع البحرية الأمريكية في 11 فبراير 1984، وتم بناؤها بواسطة جنرال ديناميكس إلكتريك بوت، وهي شركة تابعة لشركة جنرال ديناميكس، وتزن نحو 19000 طن ويبلغ طولها 170 متراً.
يتم تشغيل الغواصة بواسطة مفاعل نووي ومحركين إضافيين، ويمكن أن تصل إلى عمق يزيد عن 250 متراً. کما يمكن للغواصة أن تحمل 154 صاروخاً من طراز توماهوك في قاذفاتها العمودية، وسلاحها الآخر هو أربع قاذفات طوربيد 533 ملم. والقاعدة الرئيسة للسفينة هي قاعدة "كينج باي" البحرية في ولاية "جورجيا" الأمريكية.
لماذا يعتبر تحرك أمريكا عرض دعائي؟
بادئ ذي بدء، يجب القول إن قضية وجود الغواصات النووية الأمريكية في منطقة الخليج الفارسي ليست قضيةً جديدةً، ولها تاريخ طويل وبالطبع مليء بالأحداث. ونذکر فيما يلي حالتين بارزتين.
في 8 يناير 2007، اصطدمت الغواصة النووية الهجومية "يو إس إس نيوبورت نيوز" من فئة لوس أنجلوس، بناقلة نفط يابانية تدعى "موغاميجاوا" جنوب مضيق هرمز.
المسؤولون الأمريكيون أعلنوا أنه بسبب مرور سفينة يابانية فوق غواصة أمريكية، حدثت ظاهرة تأثير الفنتوري، ما خلق نوعاً من الشفط وتسبَّب في سحب الغواصة الأمريكية والاصطدام بالسفينة اليابانية.
تمَّ إقالة قائد الغواصة بعد الحادث، وعادت الغواصة إلى الخدمة بعد الإصلاحات، وبالطبع دفعت البحرية الأمريكية مبلغاً غير محدد لمالك السفينة اليابانية بسبب الأضرار.
وفي 20 مارس 2009، اصطدمت الغواصة النووية الهجومية "يو إس إس هارتفورد" بسفينة "يو إس إس نيو أورليانز" في مضيق هرمز، تسبب هذا الاصطدام في إلحاق أضرار بالغة ببرج الغواصة الأمريكية، ووفقاً لبحث تم إجراؤه في وقت التصادم، فقد دارت الغواصة 85 درجة، أصيب 15 من أفراد طاقم الغواصة، لكن لم يُقتل أي من أفراد الطاقم.
ووفق تحقيق أجرته البحرية الأمريكية، فإن الحادث برمته كان بسبب إهمال طاقم الغواصة. حيث لم يكن لدى قادة هذه السفينة خطة مناسبة لعبور مضيق هرمز، ولم يكن الضابط القائد حاضراً في موقعه عند عبور المضيق، کما كان موجِّه الغواصة يستمع إلى الموسيقا في ذلك الوقت.
ووفق الإحصاءات الرسمية، فقد تم إنفاق 120 مليون دولار على إعادة بناء هذه الغواصة، وعادت للخدمة في عام 2011. كذلك، تم إصلاح "يو إس إس نيو أورليانز" وإعادتها للخدمة في البحرين، بتكلفة 2.3 مليون دولار.
وفيما يتعلق بغواصة جورجيا النووية، يجب القول إن هذا ليس الوجود الأول لغواصات من طراز أوهايو في المنطقة، وقد صرحت مصادر غربية أنه قبل 8 سنوات وحتی قبل ذلك، كان لسفن من هذه الفئة تاريخ حافل في هذه المنطقة.
لكن تم الكشف عن نقطة أخرى مثيرة للاهتمام من خلال صور الأقمار الصناعية، حيث إنه استناداً إلى الصور المأخوذة من منطقة الخليج الفارسي، فهي مرتبطة بأكتوبر (أوائل أكتوبر إلى أوائل نوفمبر) من هذا العام، ما يظهر وجود غواصة كبيرة في منطقة الخليج الفارسي.
وتشير التقديرات في مسألة القياس إلى أن الغواصة الموضحة في هذه الصورة، هي من فئة أوهايو وعلى الأرجح سفينة يو إس إس جورجيا نفسها، التي كانت تحلِّق حول إيران منذ أوائل أكتوبر.
الفارق بين هذه الأيام وتلك الأيام في تشرين الأول(أكتوبر) وعدم وجود إعلان رسمي ومناورات إعلامية بشأن هذا الخبر، قد يكون أنه في ذلك الوقت لم تكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد أجريت بعد، ولم يکن التاجر النيويوركي يعتبر نفسه مقيماً في البيت الأبيض لمدة 4 سنوات أخرى، لكنه الآن يبحث عن آخر استعراض لقوته لتحقيق أمله في اتصال مسؤول إيراني بالبيت الأبيض.
من قاذفة B-52 العام الماضي وحاملة الطائرات إلى الدعاية الواسعة النطاق حول غواصة يو إس إس جورجيا في الأيام الأخيرة، يتضح أن أمريكا لا تسعی إلى مناورة عسكرية مختلفة أو خطوة محددة، بل هي ببساطة تسعى إلى تحويل الانتباه عن شؤونها الداخلية الحالية، وإلا فإن كل من لديه القليل من المعرفة بالقضايا العسكرية، يعرف أن أكبر ضعف في الغواصة هو كسر مبدأ المفاجأة وإخفاء تحركاتها.