الوقت- عقدت فرنسا يوم أمس "المؤتمر الدولي الثاني لمساعدة لبنان" وعُقد الاجماع افتراضياً في ظل تفشي فيروس كورونا يحضور ممثلين من الامم المتحدة، ونخشى ما نخشان أن تكون المساعدات أيضاً "افتراضية"، وأن ما يجري لا يعدو كونه استعراض فرنسي، على اعتبار ان فرنسا تعتبر نفسها الام الحنون لـ "لبنان"، ومن هنا وجدت في الامر فرصة للعودة الى الشرق الاوسط من جديد، لكنها اشترطت على اللبنانيين اجراء اصلاحات وتشكيل حكومة لتقديم مساعدات للبنان، وهي تعلم جيداً أن العديد من الدول الأجنبية وحتى العربية تعرقل تشكيل الحكومة نظرا للتركيبة المعقدة في لبنان وعدم وجود قرار مستقل لغالبية الاحزاب، وهذا الامر يعقد المشهد اكثر فأكثر ويجعل من المستحيل تقديم المساعدات الى لبنان في ظل تردي الاوضاع المعيشية والاقتصادية، لذلك من الاحرى بفرنسا الضغط على الدول العربية وعلى الولايات المتحدة الامريكية ليضغط هؤلاء بدورهم على اتباعهم لتشكيل الحكومة والبدء بالاصلاحات.
هل ينجح مؤتمر فرنسا لدعم بيروت والشعب اللبناني؟
من الصعب جداً أ يكتب لهذا المؤتمر النجاح، لأنه كما ذكرنا المشهد اللبناني مُعقد وعاجز عن تشكيل حكومة منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) الماضي، ما يجعل التوقع من المؤتمر متواضعاً، بعدما أكدت باريس مراراً أنها لن تقدّم شيكاً على بياض إلى بيروت، اذ ربطت فرنسا عقب انفجار المرفأ بين تقديم الدعم لإعادة الإعمار وبين تحقيق إصلاحات سياسية، وشدّدت على أنها وغيرها من الدول المانحة لن تقدّم أموالاً لا تضمن مواضع إنفاقها. وقال الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون في هذا الخصوص إن "على الساسة اللبنانيين تأليف حكومة جديدة لتنفيذ الإصلاحات، وإلا فلن يحصل لبنان على مساعدات دولية". وشدّد على أن فرنسا لن تتخلى عن ضرورة القيام بالإصلاحات وعن التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.وكشف ماكرون أنه سيزور لبنان قريباً، قائلاً: "سأعود إلى لبنان في كانون الأول للضغط على الطبقة السياسية". وبحسب الرئيس الفرنسي، من المقرر تأسيس صندوق يديره البنك الدولي للمساعدة في تقديم المساعدات الإنسانية للبنان. غير أن المبادرة الفرنسية الرامية إلى إرساء الاستقرار في لبنان وإتاحة الفرصة لإطلاق مساعدات دولية بمليارات الدولارات لإصلاح الاقتصاد، لم تفلح بعد.
صحيفة لوفيغارو الفرنسية أعلنت ضمنا فشل المؤتمر الفرنسي، بعد ان كتبت أن المبادرة الفرنسية وصلت إلى طريق مسدود. اذ تقول الصحيفة إنه حتى "جزرة المساعدات الدولية تبدو عديمة الفاعلية في مواجهة انهيار النظام السياسي اللبناني الذي يظهر أنه غير قابل للإصلاح، ما يخلّف مرارة كبيرة لدى الرئيس الفرنسي الذي سافر مرتين إلى بيروت لحثّ القادة اللبنانيين على الاتفاق على "حكومة مهمة".
أمريكا تشكل عقبة كبرى
اذا كانت فرنسا تريد حقاً مساعدة لبنان، عليها كما ذكرنا ايقاف الولايات المتحدة الامريكية عن التدخل في الشؤون اللبنانية، فجميع اطياف الشعب اللبناني تريد أن يكون هناك حكومة وان تستقر الاوضاع في لبنان، لكن الدول الغربية تفتعل المشاكل، لاسيما واشنطن الرافضة للتسويات السياسية ولا تريد الاصلاحات الاقتصادية ولا حتى الاستقرار للبنان، فهي ترى أن "حزب الله" هو عدوها اللدود وهي عاجزة عن مواجهته او ابعاده عن حاضنته الشعبية، لذلك وجدت من الافضل أن أن تنشر فوضاها المعتادة لخلط الاوراق وتوجيه الاتهامات لحزب الله علها تستطيع ان تصطاد في الماء العكر، لكن هذا الامر لم يحصل حتى اللحظة.
الامر الثاني الذي اقدمت عليه واشنطن هو سياسة العقوبات الفاشلة التي استهدفت من خلالها شخصيات لبنانية، ما ادى إلى عرقلة جهود تشكيل حكومة جديدة، حتى ان ففي محاولة التأليف الحالية للرئيس الحريري وقبلها محاولة مصطفى اديب استحضرت واشنطن سيف العقوبات ومن ثم سيف الابعاد والاقصاء لتخلط الأوراق وتعقد الأمور وتعيد مسار التاليف الى نقطة الصفر ولا شك ان التكهنات والحسابات حول هذا السلوك الأميركي البالغ الخشونة متعددة، ولكنها في نهاية المطاف تصب في خانة نتيجة واحدة وهي "إبقاء الفراغ في لبنان سيد الموقف وإبقاء البلد في ثلاجة الانتظار والمراوحة القاتلين". خصوصاً انها تعلم علم اليقين ان لا امكان لاستيلاد حكومة في لبنان من دون تمثيل مكون أساسي بوزن حزب الله.
ويعاني لبنان منذ شهور أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية، بينها فرنس
وأتاح مؤتمر عاجل في 9 آب (أغسطس) الماضي تحريك مساعدات بقيمة 250 مليون يورو للبنان، غير أنه أرجأ المساعدات الأكبر إلى حين حلحلة الوضع السياسي.
وقبيل انعقاد المؤتمر، الذي يفترض أن يناقش ما تمّ التوصل إليه خلال الشهور الماضية، فإنّ شيئاً على الأرض لم يتحقق، حيث يتعثر رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في تشكيل الحكومة،
يأتي ذلك في وقت يرى فيه البنك الدولي أنّ معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان يتراجع بشكل حاد ليصل إلى 19.2 % العام الحالي، بعد انكماشه بنسبة 6.7% في العام الماضي، في حين أدّى انهيار العملة إلى معدلات تضخم تجاوزت حدّ 100%.
وخلال الأشهر الأخيرة، ازدادت حدة الأزمة الاقتصادية في لبنان التي وصفها البنك الدولي بـ"الكساد المتعمد" في تقرير نشر الثلاثاء، منددا بـ"غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية" الذي "يعوق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل".
وبالإضافة إلى تراجع غير مسبوق لقيمة العملة اللبنانية والتضخم، لا تزال القوى السياسية جراء الانقسامات والخلاف على الحصص عاجزة عن تشكيل حكومة بعد 3 أشهر من استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، رغم الضغوط الدولية التي تقودها فرنسا.
وبعد كارثة انفجار المرفأ، زار ماكرون لبنان مرتين، في 6 أغسطس/آب ثم في الأول من سبتمبر/أيلول، حين أعلن أنه حصل من القوى السياسية المحلية على تعهد بتشكيل حكومة من اختصاصيين مستقلين خلال 15 يوماً، لكن التعهد لم يتحقق.
وفي 22 تشرين الأول الماضي، كلف الرئيس اللبناني ميشال عون رئيس الوزراء السابق سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة، لكن جهوده لم تثمر حتى الآن بسبب الانقسامات الداخلية.
وقبل تكليف الحريري، كان الرئيس اللبناني كلف الدبلوماسي مصطفى أديب بتشكيل حكومة تكنوقراط، لكنه اعتذر لاحقا بعد أن اصطدم بخلافات الفرقاء السياسيين.