الوقت - قام وزير الخارجية الهندي "سابرامانيام جايشانكار" مؤخراً بزيارة دورية إلى دول حاشية الخليج الفارسي وزار البحرين والإمارات، وفي البحرين، التقى الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد ونائب القائد العام ورئيس مجلس الوزراء بمملكة البحرين. ووفق البيان الصادر عن وزارة الخارجية الهندية، فقد ناقش مسؤولون من البلدين خلال الاجتماع القضايا الثنائية وكذلك القضايا الإقليمية والدولية، فضلا عن الاتفاق على تعزيز العلاقات التاريخية بين الهند والبحرين في مجالات الدفاع والأمن البحري وتكنولوجيا الفضاء والتجارة والاستثمار. وتعزيز البنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والصحة والهيدروكربون والطاقة المتجددة.
لقد وجدت العلاقات بين الهند ودول حاشية الخليج الفارسي مسارا سريعا يعتبر ذا أهمية استراتيجية. ويرجع ذلك إلى التغيرات والتحولات الجيوسياسية على جانبي القارة الآسيوية في السنوات الأخيرة.
آثار التطبيع على العلاقات بين الخليج الفارسي وشبه القارة الهندية
من أهم التغيرات الجيوسياسية في غرب آسيا وما وراءها في الشرق الأوسط هي التحول التدريجي في ميزان القوى في المنطقة. حيث أدى صعود محور المقاومة في المنطقة بعد تطورات دراماتيكية مثل سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003 والثورات العربية عام 2011 ، إلى جانب تراجع النفوذ الأمريكي في الساحتين الدولية والإقليمية (غرب آسيا) ، الى دفع واشنطن، التي ترى ميزان القوى على حساب حلفائها الإقليميين، وخاصة الكيان الصهيوني، إلى التفكير بجدية في استكمال لغز بناء التحالف بين دول الخليج الفارسي والصهاينة لمواجهة نفوذ طهران الإقليمي. وتحت الضغط الأمريكي، أعلنت الإمارات والبحرين أولاً تطبيع العلاقات مع الصهاينة، وربما تكون الخيارات التالية هي السعودية وعمان.
وقد أثر هذا التطور بدوره على نوعية العلاقات بين باكستان ودول الخليج الفارسي، والسبب هو معارضة إسلام أباد لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. باكستان، التي لطالما دعم مجتمعها المسلم الشعب الفلسطيني، هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك قدرة نووية. ولطالما اعتبرت إسرائيل هذا تهديدًا محتملاً لأمنها القومي ، ولهذا السبب تتمتع تل أبيب بعلاقات عسكرية وسياسية وثيقة مع الهند ، العدو الرئيس لباكستان. وهكذا فمن خلال إعلان اتفاقية تطبيع بين الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني، كانت باكستان من أشد المعارضين لهذه الخطوة، والتي لم ترض بطبيعة الحال السعودية والبحرين والإمارات. وقال عمران خان عقب توقيع اتفاق التطبيع: "أي اعتراف بإسرائيل سيواجه معارضة شديدة من قبل الشعب الفلسطيني، ولا يمكننا أن نتخذ قرارات ضد تطلعات الشعب المظلوم في هذا البلد وسنواصل دعم الحل العادل للقضية الفلسطينية".
لذلك، أدى التقارب المتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي من إسرائيل إلى إبعادها عن باكستان، وهو ما يمكن ملاحظته في تقليص دعمها لإسلام أباد في أهم قضية لها في السياسة الخارجية للدولة والتي تتمثل في قضية كشمير. بالطبع لا ينبغي أن ننسى أنه قبل موضوع التطبيع ، وبسبب معارضة باكستان لطلب السعودية والإمارات المشاركة في الحرب على اليمن، شهدت العلاقات بين الجانبين برودة غير مسبوقة، كما أعلنت الإمارات في نوفمبر 2015 خفض عدد العمال الباكستانيين وحتى الشركات الموجودة في البلاد بنحو 15 بالمائة، الأمر الذي سيكون بمثابة ضربة اقتصادية شديدة لحكومة إسلام أباد.
وهذا الامر الذي دفع بدوره إسلام أباد إلى سد هذه الفجوة، وخاصة في ظل المشكلات الاقتصادية الكبرى وحاجة البلاد إلى دعم مالي خارجي، الى تعزيز العلاقات مع العدوين الرئيسيين للسعودية والإمارات في المنطقة ألا وهما تركيا وقطر كمحور الإخوان المسلمين ووضعهما على قائمة جدول الأعمال.
وفي مثل هذه الأجواء، ترى الهند فرصة لتعزيز العلاقات مع الدول المطلة على الخليج الفارسي، وفي العام الماضي (سبتمبر 2019) ، سافر ناريندرا مودي إلى البحرين كأول رئيس وزراء للهند ووقع اتفاقيات في مجال الفضاء والجيش مع المنامة. وخلال الرحلة ذاتها، زار مودي الإمارات، وهي ثالث زيارة له لأبوظبي خلال فترة رئاسته للوزراء.
وتأتي دعوة البحرين والإمارات لوزير الخارجية الهندية في سياق إعلان دولة الإمارات مؤخراً عدم إصدار تأشيرات سفر للمواطنين الباكستانيين. وبالتالي، يبدو أن الهند قد أدركت مواءمة مصالحها الجيوسياسية مع الكتلة الجديدة لدول مجلس تعاون الخليج الفارسي.
التنافس الصيني الأمريكي في الخليج الفارسي
لكن من ناحية أخرى، أدى التحول الاستراتيجي في تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية إلى الشرق والمنافسة مع الصين إلى زيادة اتجاه التقارب بين دول الخليج الفارسي والهند.
أقامت أمريكا علاقات أوثق مع الهند كمنافس للصين من أجل منع صعود الصين إلى السلطة في شرق آسيا ، وكان آخرها توقيع اتفاقية BECA الأمنية والعسكرية مع نيودلهي في أكتوبر 2020 ، والتي تعد فصلاً جديداً في الشراكة العسكرية بين البلدين.
وفي غضون ذلك ، ترى أمريكا أن تعزيز وجود الصين في منطقة غرب آسيا ، ولا سيما من خلال خطتها الطموحة شريط واحد – مسار واحد، يمثل تهديدًا لمصالحها في المنطقة. لذا يُنظر إلى توسيع علاقات دول الخليج الفارسي مع الهند على أنه عائق أمام نفوذ بكين المتزايد.
هذا وأصبحت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، الشريك التجاري الأول للعديد من البلدان في المنطقة. الصين هي الشريك التجاري الأول للإمارات والسعودية. حيث بلغ حجم التجارة غير النفطية للصين مع الإمارات في عام 2017 ، 53.3 مليار دولار ، وبلغ ميزان تجارتها مع السعودية 37.5 مليار دولار في عام 2018. وفي العام الماضي، خلال الزيارة غير المسبوقة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات - باعتبارها أكبر اقتصاد في الخليج الفارسي - تم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين الجانبين، حيث ان هذه مسألة أثارت قلق واشنطن.