الوقت- تسبب إعلان حركة فتح المفاجئ عن العودة إلى الاتفاقات الأمنية مع الكيان الصهيوني، بصدمة سياسية للمجتمع الفلسطيني، الذي كان يسعى في ظل أجواء مفعمة بالأمل لحل الخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية عقب اجتماعات واتفاقات الشهر الماضي. لكن مع الموقف الأخير لسلطات فتح الذي أعلنت عن استعدادها لاستئناف التعاون والمفاوضات مع الصهاينة، تتصاعد التوترات من جديد.
واستنكرت حركتا (الجهاد الإسلامي وحماس) هذه الخطوة ووصفتها بأنها ضربة للوحدة الوطنية والمصالحة في الأراضي المحتلة وفلسطين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا كسرت حركة فتح فجأة طاولة المفاوضات والاتفاق مع حماس، وما الهدف من العودة إلى التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني؟
محمود عباس ولعبة الصراع على العرش
تدار فلسطين عملياً من خلال جزأين منذ عام 2006 ، عندما رفضت حركة فتح قبول نتائج الانتخابات النيابية التي أسفرت عن فوز ساحق لحركة حماس، ولم تجر انتخابات عامة في فلسطين خلال هذه الفترة.
وخلال هذه الفترة، فشلت عدة جولات من المحادثات بين الفصائل الفلسطينية لحل الخلافات، وألقت سنوات من الركود بظلالها على الجهود المبذولة لتأمين شروط الانتخابات البرلمانية والرئاسية. لكن بعد الإعلان عن صفقة القرن في عهد دونالد ترامب وإجراءات البيت الأبيض غير المسبوقة الداعمة للاحتلال الصهيوني وضد الفلسطينيين، خرجت المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية تدريجياً من الركود بعد اجتماعات بيروت واسطنبول والدوحة وعمان والقاهرة. حيث ارتفعت بوادر الأمل للتوصل إلى اتفاق شامل بين الفصائل وإجراء انتخابات عامة.
لكن حماس والجهاد الإسلامي تتهمان الآن حركة فتح بتخريب ووضع العراقيل في مسار تنفيذ اتفاق القاهرة. حيث إن عودة السفراء إلى البحرين والإمارات ، وإعلان الاستعداد لاستئناف المحادثات مع الكيان الصهيوني، والعودة إلى الاتفاقات الأمنية مع هذا الكيان، تشير جميعها إلى تغيير المواقف في حركة فتح وانعدام الإرادة الحقيقية لدى قادة السلطة الفلسطينية لحل الخلافات وبناء المصالحة الوطنية. وفي هذا الصدد قال موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس يوم أمس "اتفقنا على المقاومة الوطنية في الداخل والخارج. لكن ماذا عن الخطوات العملية للقيام بذلك؟ وتساءل بالقول: "ماذا حل بالمسائل التي اتفقنا عليها في اجتماع الأمناء العامين واللجان الثلاث؟"
في الحقيقة أن العودة إلى الاتفاقات مع الكيان الصهيوني ما هي إلا رفض لنتائج المفاوضات مع حماس، لأن أحد أسس الخلاف بين الطرفين كان وجود مثل هذه الاتفاقات مع الصهاينة. ووفقًا لهذه الاتفاقيات ، إضافة إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني المحتل، على مدى العقدين الماضيين ، تعاونت منظمة التحرير الفلسطينية بشكل أساسي في التعاون الأمني مع وكالات المخابرات الأمريكية والكيان الصهيوني من خلال توفير معلومات عن المقاتلين الفلسطينيين للموساد والشاباك (منظمة المخابرات والأمن الداخلي الاسرائيلية) مع وكالة المخابرات المركزية، ومن جهة اخرى لعبت دوراً كبيراً ومهماً للغاية في اعتقال وقمع المجاهدين الفلسطينيين ضد العدوان الصهيوني، بغية خلق الحماية الأمنية للصهاينة.
لا شك في أن الوضع الحالي في فلسطين لم يترك أي فرصة لحركة فتح للفوز بأي انتخابات عامة في الضفة الغربية وغزة. نتيجة سنوات من التسوية والأمل بالولايات المتحدة الامريكية لم تكن أكثر من احتلال للمزيد من الأراضي الفلسطينية، والآن حتى الدول العربية مثل الإمارات والسعودية لم تعد تدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة. لذلك، يمكن القول إن محمود عباس الذي يرى نفسه الخاسر الرئيس في التطورات، والذي استخدم لفتته المتمثلة في حل الخلافات مع حماس فقط كرافعة ضغط على الصهاينة والغربيين طوال الـ 14 عاما الماضية ويسعى إلى كسب نقاط للحفاظ على السلطة في لعبة العروش.
وفي غضون ذلك، تسببت الظروف الخارجية لتغيير مواقع فتح في زيادة الطين بلّة. حيث يأمل قادة حركة فتح ومحمود عباس أن تكون شروط عودة خطة السلام العربية واتفاقات أوسلو ، التي تؤكد على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود عام 1968، مطروحة على الطاولة مع فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الامريكية. ومن ناحية أخرى، دفعت المشاكل الاقتصادية السلطة الفلسطينية بعد قطع المساعدات الأمريكية عن الأونروا وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية وهو أحد إجراءات إدارة ترامب ، إلى تقليص انتقاد قادة فتح للإمارات والسعودية لوعودهما بتطبيع العلاقات.
وفي سياق متصل قال وصفي قبها عضو حركة المقاومة الإسلامية حماس إن "الوعود المالية لقادة البحرين والإمارات للسلطة الفلسطينية دفعت المنظمة إلى إعادة سفيريها إلى أبوظبي والمنامة".
وأضاف: "ان السلطة الفلسطينية لم تحقق أدنى إنجاز للشعب الفلسطيني منذ إنشائها حتى الان وهي تبذل قصارى جهدها للبقاء في السلطة أكثر من أي وقت مضى".