الوقت- بعد جريمة التطبيع التي ارتكبتها دولة الإمارات التي تصف نفسها بالعربيّة بحق الفلسطينيين، وما تلاها من خطوات لتعزيز العلاقات مع العدو الصهيونيّ في كلّ المجالات الاقتصاديّة والعلميّة والتكنولوجيةّ والطبيّة، وما سيليها من إقامة علاقات دبلوماسيّة بينهما، أشارت وزيرة الثقافة والشباب الإماراتيّة، نورة الكعبي، إلى تدشين تعاون ثقافيّ بين بلادها والكيان الصهيونيّ بعد توقيع "معاهدة الاستسلام" التي تم التوصل إليها بين أبو ظبي وتل أبيب برعاية أمريكيّة، وبيّنت الكعبي لصحيفة "عكاظ" السعوديّة، قبل أيام، أنّ التعاون الثقافيّ يعد أحد المجالات الرئيسة التي سيتم التعاون فيها مع العدو الغاصب خلال الفترة المقبلة.
تشارك ثقافيّ!
أسهبت وزيرة الثقافة الإماراتيّة في الحديث عن أهميّة التشارك الثقافيّ، ودوره في تمهيد الأرضيّة أمام التفاهمات والشراكات النوعيّة، لكن مع من؟.. مع العدو اللقيط الذي أُعطي شهادة ولادة مزورة في 14 أيار عام 1948، بعد انتهاء الانتداب البريطانيّ على فلسطين، وإذا آمنا مُرغمين، فماذا سيتبادل الطرفان من الناحية الثقافيّة، وخاصة أنّ الدولة ذات السبع إمارات، تأسست في كانون الأوَّل عام 1971.
كذلك، وقعت الوزيرة الإماراتيّة في شِباك نفسها، حين قالت إنّ اتفاقية الخيانة جاءت انطلاقاً مما أسمتها رسالة الإمارات القائمة على نشر قيم السلام والتسامح بين الدول في إشارة إلى الكيان الصهيونيّ، فهل تملك الكعبي أو العالم أجمع ما ينفي أنّ هذا الكيان الإجراميّ المُحتل لأراضينا العربيّة، لا يملك أدنى معاير الشرعيّة؟، وهل يمكن للإمارات التي لم يتجاوز عمرها الـ 50 عاماً أن تتحدث عن الثقافة والتاريخ وعمرُ أصغر شجرة زيتون في فلسطين يعادل قرناً من الزمن.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار تصريحات سيدة الأعمال الإماراتيّة في دولة الإمارات، بمثابة إعلان واضح عن دخول التطبيع الكامل إلى المجال الثقافيّ، ما يعني مزيداً من العزلة في كل المؤسسات الثقافيّة المُمولة والمدعومة من أجهزة السُلطة في الإمارات، وتأتي تلك التصريحات قبل يومين من إجراء مراسم توقيع "اتفاق الخيانة التاريخيّ" مع كيان الاحتلال في 15 أيلول في واشنطن.
ومن الجدير بالذكر، أنّ العديد من الفعاليات والمؤسسات الثقافيّة في الإمارات ومن ضمنها جائزة "الشيخ زايد للكتاب" المعنية بالثقافة والتراث، وجائزة "البوكر العربيّة" المعنية بالأدب العربيّ، ومسابقة "تحدي القراءة العربية" وغيرها، شهدت انسحابات متتالية من لجان التحكيم و من بعض الأدباء الّذين أعلنوا التراجع عن ترشيح أعمالهم أو مشاركتهم تنديداً بخيانة الإمارات ونصرة لفلسطين وشعبها.
هرطقة إعلاميّة
على ما يبدو فإنّ مسؤولي أبو ظبي لا يُدركون أبداً ما يقولون، وقد أثبتت تصريحاتهم في الفترة الماضيّة ذلك، والحديث اليوم عن تشارك ثقافيّ مع العدو الصهيونيّ رغم عدم امتلاك الطرفين أيّ تاريخ ثقافيّ، يعد هرطقة إعلاميّة لتغطية النتائج السلبيّة لمثل هكذا تعاون على المجتمع الإماراتيّ، كما يحمل هذا الأمر في طياته شرارة لنشوب مشكلات داخليّة في البلاد بسبب المشتركات الاجتماعيّة المتناقضة بينهما.
وفي الوقت الّذي كررت فيه وزيرة الثقافة الإماراتيّة تبريرات بلادها حول معاهدة الخنوع مع العدو الغاصب في ظل العباءة الأمريكيّة، اعتبرت أنها تمثل "أملاً جديداً" لمنطقة الشرق الأوسط وستسهم في تعزيز الاستقرار والسلم، وفق زعمها، متناسيّة أنّ جُلّ مشاكل المنطقة والتوترات فيها، بسبب التمادي الصهيونيّ في الإجرام بحق الفلسطينيين والدول المحيطة بالأراضي المحتلة، كسوريا ولبنان اللّتين تعيشان أسوأ الظروف بسبب التدخلات الأمريكيّة السافرة والاعتداءات الصهيونيّة الغادرة.
في النهاية، لا يجلبُ الخنوع للعدو سوى المزيد من المآسي والخيبات، ولا بدّ من تذكير الإمارات أنّ من نسي تاريخ الكيان الصهيونيّ وجرائمه بحق العرب، ومن تغاضى عن محاولة تدمير الهويّة الثقافيّة والتاريخيّة للشعب الفلسطينيّ ومقدساته، لا يحقّ له أن يتحدّث عن الثقافة، ولا بدّ أن يعلم حكام الإمارات أنّ الشعب الفلسطينيّ والعربيّ المقاوم سيُخلد أسماءهم لا محالة في قائمة العملاء والخانعين والمُستسلمين.
إضافة إلى ذلك، لن تُغيّر كل اتفاقيات العار مع العدو الصهيونيّ صحة التاريخ واتجاهه، ولن يصنع ذلك قبولاً له في وعي الشعوب العربيّة والحرة، ولن يحرف بوصلة المقاومة، وكما يقول الفلسطينيون فإنّ قضيّة إنهاء الاحتلال الصهيونيّ البغيض وتحقيق حرية الشعب الفلسطينيّ ستبقى منهجاً استراتيجياً، وأنّ الخيانة لن تُفلح في تزييف الحقيقة أمام الشعوب العربيّة عامة، وشعب الإمارات على وجه التحديد.