الوقت- لا شك أن التصريح الذي جاء بداية الشهر الحالي، على لسان رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، أمام البرلمان الأوروبي في سارسبورغ، وتصدر كافة الصحف الغربية بأن "الإتحاد الأوروبي في وضع لا يحسد عليه"، يمكن أن يُجسد الواقع الذي تعيشه الدول الأوروبية لا سيما على الصعيدين السياسي والإقتصادي. في حين تبقى مسألة إيجاد حلٍ للأزمة السورية، أمراً يحتاج للوقوف عنده، لجهة تبدل الموقف الأوروبي تجاه شروط الحل في سوريا بعد أن أصبح الحل الذي لا يستبعد الأسد أمراً مقبولاً لدى أغلب الأطراف. فكيف يمكن مقاربة ذلك؟ وماذا في الأسباب والدلالات؟
في الآراء الأوروبية المتباينة:
عقد مساء الخميس المنصرم، إجتماع في باريس دعا إليه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وحضره نظيريه الألماني فرنز والتر شتاينماير والبريطاني فيليب هاموند ومنسقة السياسة الخارجية للإتحاد الاوروبي فريديريكا موغيريني، وذلك لتنسيق مواقفهم وبلورة مقاربة مشتركة من الحل في سوريا قبل استحقاقات اللقاءات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهدف الإجتماع الى تقريب وجهات النظر وتعزيز دور الوساطة التي يقوم بها موفد الأمين العام الى سوريا ستيفان دي ميستورا لتطبيق مقررات "جنيف ١".
وجاء ذلك بعد فشل المبادرات الدبلوماسية والخيارات العسكرية التي قامت بها الدول الغربية، من أجل تحقيق أهدافها التي سعت لها في سوريا. ويأتي في مقدمتها المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد. فبينما وافقت واشنطن وبريطانيا على ما سُمي بـ "أجندة تفاوضية"، فان باريس لم تعد تطالب برحيل الرئيس الأسد قبل التفاوض، بل البحث "حول دينامية جديدة للمسار السياسي في سوريا"، كما اعلن الرئيس فرنسوا هولاند ورئيس الحكومة البريطانية دافيد كاميرون منتصف الأسبوع الماضي. في حين دعت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الى الحوار مع الأسد دون وضع شروط مسبقة.
في التحليل:
إن قضية السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي كانت دوماً قضية تتصف بالتباين والغموض. وهو ما كان يحصل سابقاً فيما يخص الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط. فيما يتضح ذلك اليوم، ويبدو جلياً لأسبابٍ تعود لكثرة الأزمات الحاصلة في منطقتنا وتزايد التعقيدات. مما جعل مواقف وسياسات الدول الأوروبية، تتصف بالضعف والتباين. وهنا نقول التالي:
- لا تمتلك الدول الأوروبية أرضيةً داخلية، تساهم في جعلها قادرةً على لعب دورٍ خارجيٍ سليم، إذ أن تقاطع المصالح الداخلية لا يسود الواقع الأوروبي. وهو ما يعود لتفاوت الأولويات الإقتصادية بين دول اليورو الى جانب اختلاف نماذج الحكم بينها، ووجود واقع جيوسياسي مفروض عليها، يجعلها تعيش أزمة صراع الأيديولوجيات بين الشيوعية التي تتسم بها دول شرق الإتحاد الأوروبي والرأسمالية التي تعتبر سمة دول غرب الإتحاد.
- وهو الأمر الذي يجعل دول الإتحاد الأوروبي تتقاطع في مصالحها مع واشنطن من جهة وروسيا من جهةٍ أخرى. فالسعي الأوروبي للنفوذ جعلها تغرق في سياسات واشنطن التي حكمت العالم كقطبٍ واحد، ظناً من الغرب أنهم سيحصلون على نتيجةٍ في زيادة نفوذهم. فيما يعتبر غياب البديل عن الغاز الروسي، أمراً يجعل أوروبا تفكر ألف مرةٍ قبل إزعاج موسكو. على الرغم من أنها وبناءاً لطلب واشنطن، أدخلت نفسها في عقوباتٍ إقتصادية ضد روسيا انعكست عليها سلباً.
- وهنا فإن الدول الأوروبية كانت دائماً تتعاطى مع الواقع كنتيجة دون وجود إستراتيجية خاصة بها. وهو ما أثبتته مسألة التعاطي الغربي مع الأزمة السورية. فمنذ 2011 ومع بداية الأزمة التحقت أوروبا بصف واشنطن مطالبةً برحيل الأسد. وقامت بدعم الإرهاب واستضافت المعارضة. لكن فشل الرهان الأمريكي الى جانب فشل استراتيجية التحالف التي ادعت محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش أدى الى تغير المواقف الدولية اليوم.
- كما أنه لا مجال لتخطي الحدثين الأبرز على الساحة الدولية، وما أدت إليه هذه الأحداث من انعكاسات على مجريات الصراع. وهو ما يمكن تلخيصه بحدث الإتفاق النووي الذي وقَّعه الغرب مع إيران، الى جانب الخطوة العسكرية الروسية التي قامت بها موسكو تجاه دمشق.
- فالتحول الأول جعل من إيران قبلة الإستثمارات الأوروبية، أما الخطوة الثانية فقد أعادت التفكير بقواعد الميدان العسكري. فيما أن الخطوتين، كان لهما الأثر الأبرز على الساحة السياسية. فالحليفان موسكو وطهران، لن يبيعا حليفهم الرئيس الأسد. وهو ما أفضى للتراجع عن شرط رحيل الأسد.
تغيرات كثيرة عصفت بالمنطقة، لكن الأهم أن هذه التغيرات لم تعد تقودها واشنطن أو الغرب. بل إن الطرفين الروسي والإيراني، أصبحا عرابا السياسة تجاه المنطقة. لتكون أمريكا في موقع المُجبر على الرضوخ إذ لا خيار آخر. فيما تلحق أوروبا كعادتها بالأحداث وتتعاطى مع مجرياتها بسياسة الخاضع. فلا يمكن اليوم نكران حجم الخطر الذي يُحيط بالأمن القومي الأوروبي جراء الإرهاب الذي أصبح يهدد العالم أجمع. فيما تبقى قضية النازحين الإنسانية، أزمة تُضاف الى أزمات أوروبا، دون أن ننسى أن للدور الأوروبي يداً في ذلك.