الوقت- لحقوق الانسان في دول مجلس التعاون قصة طويلة، تبدأ فصولها بالانتهاكات الدائمة للحريات الشخصية ولا تنتهي بالاعتقالات التعسفية لشخصيات فاعلة في المجتمع الخليجي. طبعا وكل ذلك يعود الى العقلية السلطوية التي تسيطر على حكام تلك الدول. وما العدوان الاخير على اليمن ودعم المجموعات الارهابية في بعض الدول العربية الا وليد هذا الفكر السلطوي الذي لا يقبل الرأي الاخر ويسعى للسيطرة ولو من خلال شلالات الدماء على قرارات شعوب المنطقة التي تطمح للحرية.
ودولة الامارات ليست استثناءا في هذه المعادلة، فعلى رغم الحداثة والتطور التكنولوجي الذي يسعى النظام الاماراتي الى مواكبته، ورغم الحريات التي يدعي النظام تأمينها واحترامها لكافة سكان الامارات الا أن هذا الادعاء الواهي لا يتعدى كونه صراخا اعلاميا وفقاعات تهدف الى اخفاء الوجه الحقيقي للنظام. وقد بدأت تظهر وبشكل أوضح خلال السنوات الاخيرة الماضية المؤشرات والتقارير الموثقة التي تفند كذب الادعاء الاماراتي باحترام حقوق الانسان. ومن جملة ما يؤكد هذا الامر تقارير غربية وبعضها صادر عن الادارة الامريكية (الصديقة للامارات) التي تتحدث عن حقيقة الوضع الاماراتي لجهة احترام حقوق الانسان. وفيما يلي عرض لابرز ما ورد في تقارير صادرة عن وزارة الخارجية الامريكية بالاضافة الى تقارير لمنظمات دولية معنية بحقوق الانسان.
فقد أكد المركز الدولي للعدالة وحقوق الانسان مؤخرا ارتفاع وتيرة الاساءات للمساجين السياسيين وخاصة مجموعة «الامارات 94» في سجن الرزين على يد المسؤولين الاماراتيين، وهم عشرات من النشطاء من منتقدي الحكومة ونشطاء الاصلاح ومن بينهم مدافعين بارزين عن حقوق الانسان وقضاة واكادميين وناشطين طلابيين. وقد أكد المركز ان أجهزة الامن الاماراتية تقوم باحتجاز المتهمين لثلاثة ايام في غرف انفرادية ويسلبونهم كل وسائلهم الشخصية. ويؤكد التقرير أن الوضع مؤسف للغاية في بلد يتمتع بالتطور العلمي الكافي ليكون اكثر حضارية في موضوع احترام حقوق الانسان.
وللغوص أكثر في حقيقة احترام حقوق الانسان في الامارات لا بد من سؤال من كان بالامارات خبيرا. وهل هناك من هو أخبر من امريكا بالواقع الاماراتي؟ ففي التقرير السنوي لعام 2014 حول ممارسات حقوق الانسان في الامارات الصادر عن وزارة الخارجية الامريكية، يعتبر التقرير أن النظام السياسي في الامارات يعاني من ثلاث مشكلات حقوقية وسياسية مزمنة. وهي اولا عدم قدرة الشعب على التغيير السياسي الديمقراطي، وثانيا محدودية حرية التعبير والصحافة وعدم وجود احزاب بالاضافة الى المشكلة الثالثة والأهم وهي الاعتقالات التعسفية والسجن الانفرادي لفترات طويلة.
ويضيف التقرير الانتهاكات الكثيرة لحقوق الانسان والتي نكتفي بذكر عناوينها وهي: الاختفاء القسري لمتهمين دون ابلاغ ذويهم، التعذيب وسوء المعاملة من قبل أجهزة الامن، أوضاع السجون اللاصحية بالاضافة الى الاكتظاظ، الاعتقال والحجز التعسفي دونما تهم محددة ودونما وجود اذن قانوني للاجهزة الامنية، عدم توفر محاكمات عادلة وعلنية، اعتقالات سياسية وقيود على الانشطة الاجتماعية، التدخل في المراسلات وشؤون الاسرة، عدم احترام حرية التعبير بما في ذلك وضع رقابة على المحتوى الاعلامي والانترنت، منع حرية التجمع وتشكيل الجمعيات بالاضافة الى الفساد المستشري في المؤسسات ونقض الشفافية.
وأكد التقرير ايضا أن السلطات الإماراتية لا تسمح لمنظمات حقوق الإنسان أن تفتح فروعا لها في الدولة، ولكنها تسمح أحيانا بزيارة ممثلين عن الأمم المتحدة لبحث مجالات معينة في حقوق الإنسان.
بعد هذا العرض الوافي يتبين حقيقة أن الامارات ورغم الحداثة التي تظهرها للعالم انما لا زالت دولة يحكمها العقل القبلي، الذي لا يحترم حقوقا ولا يعرف وزنا لحريات اجتماعية وسياسية. وما القيود على هذه الحريات والحقوق الا نتيجة الخوف من الوعي الشعبي الذي يمكن أن يوصل حكام الامارات الى التهلكة في حال اعطائهم حقوقهم المشروعة ومن أبسطها حق الانتخاب.
ختاما لا يسعنا الا أن نشير الى أن الاوضاع في كافة الدول المحيطة بالامارات ليست بافضل حالا، فحال البحرين معروف للجميع، من اعتقالات تعسفية وعدم احترام رأي الشعب البحريني الذي يريد التغيير. وكذلك السعودية حيث يشير تقرير لمنظمة العفو الدولية الى وجود اكثر من 30 الف معتقل سياسي في المعتقلات السعودية يعيشون في ظروف صعبة. ومؤخرا أصدرت السعودية قرارا تعسفيا بحكم اعدام علي النمر "ابن أخ الشيخ النمر" الذي اعتقل عن عمر 17 عاما، بتهمة المشاركة في المظاهرات. وهذا القرار المخالف لحقوق الانسان والاعراف الدولية انما يأتي في وقت تسعى فيه السعودية الى تهيئة الظروف المناسبة لاعدام الشيخ النمر نفسه، وقد حصلت موجة اعتراضات كبيرة على القرار السعودي من قبل منظمات وجمعيات دولية تعنى بحقوق الانسان. طبعا دون ان تصل هذه الاعتراضات الى نتيجة والسبب عدم الاهتمام السعودي بهذه التقارير لعلمها أن الدول الكبرى لا تمانع بالواقع هذه الممارسات وانما تستنكرها من اجل تسجيل مواقف اعلامية هدفها مخاطبة الرأي العام الداخلي لديهم لا اكثر.