الوقت- تريد أمريكا دائما أن تظهر لنا ديمقراطيتها من خلال بعض مؤسساتها الحكومية بأن هناك من يخالف بعض قراراتها المجحفة والتي تساهم في تدمير الشرق الاوسط، ومنها صفقات بيع الأسلحة للدول الخليجية، والتي كانت السبب في تشريد ملايين اليمنيين وتجويعهم وقتل الآلاف، وقبلا حاول الكونغرس أن يعارض صفقات بيع الاسلحة للسعودية ولكن دون جدوى، في محاولة امريكية لإظهار ديمقراطيتها بأن هناك من يخالف لا انسانيتها ولكن النتيجة واحدة عندما حكم الديمقراطيون والجمهوريون فإن تدفق الأسلحة لم يتوقف إلى المنطقة الخليجية وكذلك الصراعات والنزاعات ولو اختلفت حدّتها، لذلك نصّ المسرحية واحد ولكن الأدوار تختلف من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
اليوم الخارجية الأمريكية برّأت وزيرها مايك بومبيو وقالت بأنّه لم يرتكب أي مخالفة في صفقة بيع أسلحة للسعودية، ما أثار جدلاً حول مصداقية التحقيق وتجاهل الإشارة إلى المسؤولية عن التكلفة الإنسانية لحرب اليمن التي استخدمت فيها هذه الأسلحة.
مصداقية التحقيق
بعد إعلان الخارجية الأمريكية الاثنين، انتهاء التحقيق الداخلي الذي استقصى ما إذا كان وزير الخارجية مايك بومبيو ارتكب مخالفة في صفقة بيع أسلحة للسعودية، والقول إنّ نتيجته أن بومبيو لم يرتكب أي مخالفة، عاد إلى الواجهة جدل تجاوز الكونغرس ومصداقية التحقيق، خصوصاً بعد إقالة مفتش الخارجية السابق وعدم نشر التقرير كاملاً، بالإضافة إلى تجاهل الخارجية الإشارة إلى التكلفة الإنسانية لحرب اليمن التي استُخدمت فيها هذه الأسلحة.
لم يُنشر حتى الآن التقرير النهائي الذي يعدّه المفتش العام بوزارة الخارجية والمتعلق بهذا التحقيق الداخليّ، غير أنّ مسؤولاً رفيعاً في الخارجية الأمريكية، قال للصحفيين مشترطاً عدم كشف اسمه، إنّ تقرير المفتش العام في الوزارة خلُص إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية "تصرفت بما يتفق تماماً مع القانون".
وذكر تقرير لهيئة رقابية أنّ الخارجية الأمريكية لم تقيّم بشكل كامل خطر سقوط ضحايا مدنيين عندما مضت قدما في بيع كمية ضخمة من الذخيرة دقيقة التوجيه للسعودية، لكن التقرير برّأ بومبيو من مخالفة قانون مراقبة تصدير الأسلحة.
وأضاف أنه لم يتم إيجاد "أي مخالفات في ممارسة الإدارة لسلطات الطوارئ المتاحة بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة".
ولم يحدد المسؤول تاريخا لصدور التقرير النهائي، لكن وزارة الخارجية كشفت مقتطفات منه في بيان.
وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، إلى أن تقرير المفتش العام خلُص إلى أن "استخدام وزير الخارجية (بومبيو) في مايو/أيار 2019 لسلطة الطوارئ، قد تم وفقًا للمادة 36 من قانون تصدير الأسلحة".
وأضافت الخارجيّة، أنّ التقرير يشير إلى أنّ "سلطة الطوارئ هذه كان قد لجأ إليها أيضاً خمسة من الرؤساء السبعة السابقين لأمريكا".
وكان "بومبيو"، اتُهم سابقا بإساءة استخدام السلطة، بعد لجوئه إلى إجراء طارئ وغامض سمح لإدارة الرئيس "دونالد ترامب"، بتجاوز الكونجرس، وبيع أسلحة للسعودية وحلفاء عرب آخرين بـ8,1 مليارات دولار، على الرغم من معارضة الكونجرس لذلك.
وكان الكونجرس، رفض الصفقة التي أبرمتها إدارة "ترامب"، لبيع كلّ من السعودية والإمارات، أسلحة مختلفة بقيمة إجمالية تصل إلى 8 مليارات دولار، في موقف أراد من خلاله الكونجرس التعبير عن احتجاجه في أعقاب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، في قنصلية بلاده بإسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
لماذا تستمر أمريكا ببيع الأسلحة للسعودية برغم كلّ التحذيرات؟
أولاً: أمريكا ومن خلفها الغرب يريدون استمرار الحرب في اليمن ويريدون أن تتورط السعودية أكثر فأكثر في مشكلاتها الاقليمية، لأن هذا الأمر يحقق لهم الكثير من المنفعة، فالسعودية لا تتوقف عن شراء الاسلحة التي تقتل بها المدنيين من جهة، الأمر الذي يحقق ارباحا طائلة للدول الغربية ويوفر لهم فرص عمل كثيرة، وفي نفس الوقت تستمر الفوضى في الشرق وهذا ما تبحث عنه الادارة الامريكية منذ عقود طويلة للسيطرة على ثروات هذه المنطقة.
ثانياً: لا نستبعد أن تكون السعودية قدمت عرضا ما للرئيس الأمريكي لاستمرار تدفق الاسلحة اليها، وقد يكون ترامب تدخل بالامر بشكل شخصي، خاصة وانه فعل ذلك في جريمة خاشقجي وغيرها من الاحداث التي كان من شأنها أن تدفع محكمة الجنايات الدولية لملاحقة آل سعود، لكن أموال السعودية أنقذت العائلة الحاكمة، ويبدو ان الاموال نفسها لا تزال تملك نفس التأثير بالنسبة لحرب اليمن.
الأمر الثاني؛ راقبوا كيف يقوم ترامب بإقالة المفتشين الواحد تلو الآخر، فالتقرير الأخير الذي برأ بومبيو جاء بعد أن أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فجأة في أيار، المفتش العام للوزارة في ذلك الوقت ستيف لينيك الذي كان يدرس إجراء بومبيو. وخلف لينيك في المنصب ستيفن أكارد الذي استقال الأسبوع الماضي بعد تنحيه عن تحقيق مبيعات الأسلحة، فيما أتمت التقرير النهائي ديانا شو نائبة أكارد.
وكان لينيك رابع مفتش عام حكومي يقيله ترمب في الشهور القليلة الماضية، ما أثار مخاوف بين الديمقراطيين وبعض من رفاقه الجمهوريين بشأن تقليص عملية الرقابة على مثل هذه المبيعات الحساسة.
ثالثاً: السعودية تخشى ان يخسر ترامب في الانتخابات المقبلة، وفي حال حصل ذلك وهو أمر شبه مؤكد نظرا لاستمرار الاحتجاجات حتى هذه اللحظة، فإن آل سعود سيكونون بورطة كبيرة، وسيساهم وصول اي رئيس قادم في ملاحقة السعودية في المحاكم الدولية، أو سيكون الضغط على ال سعود كبيرا جدا وقد يكلفهم الكثير، والاهم من هذا قد يخسر ابن سلمان كرسي العرش خاصة وان الحزبين الديمقراطي والجمهوري لا يفضلان بقاء ولي العهد السعودي داخل السلطة، لذلك فإن ترامب اليوم يحاول الدفاع عن السعودية حتى الرمق الأخير لكي تدعمه في حملته الانتخابية وتساهم في انجاحه في الانتخابات كما فعلت في السابق، وفي المقابل يمارس ترامب سلطته لمنع صدور أي قرار يدين السعودية، كما حصل مؤخرا عندما تم شطب اسم السعودية من اللائحة السوداء، حيث قامت الأمم المتحدة لهذا العام بحذف اسم التحالف السعودي_الاماراتي من القائمة السوداء لمرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال، رغم ان التحالف العربي نفذ آلاف الغارات التي قتلت آلاف الأطفال.