الوقت- في ظل ضغوط اجتماعية واقتصادية تواجه النظام بفرنسا، يحاول الرئيس إيمانويل ماكرون تغيير وجهة المطالبات بالإصلاح الداخلي عبر انتهاج سياسة "معادية للإسلام" يستميل فيها تيارات اليمين المتطرف.
وفي إطار خطة ماكرون ضد ما أسماه "الانفصال الإسلامي"، تعتزم باريس إعداد مشروع قانون يهدف إلى "مواجهة الإسلام السياسي".
والأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء جان كاستيكس، في الجمعية الوطنية بالبرلمان، إن مواجهة الإسلام السياسي تعد من أولويات الحكومة الفرنسية.
وأعلن كاستيكس، آنذاك، المضي قدما في إعداد مشروع قانون يتعلق بمواجهة "الإسلام السياسي" و"الأفكار الانفصالية"، ليعيد قضية "الإسلاموفوبيا" إلى السطح مجددا، ويقنن معاداة المجتمع الفرنسي للمسلمين.
ويقدر عدد المسلمين في فرنسا بأكثر من خمسة ملايين من مجموع سكان يناهز 67 مليون نسمة.
خلال الأشهر الماضية، طالت تصريحات الرئيس الفرنسي مرارا المسلمين، لا سيما قبيل الجولة الأولى من انتخابات البلدية (المحليات) في شباط/فبراير الماضي، ما أثار ردود فعل غاضبة بين الجاليات المسلمة في البلد الأوروبي.
وقال ماكرون، آنذاك، إن "هناك جزءا من المجتمع يرغب في استحداث مشروع سياسي باسم الإسلام".
وانتقد في مناسبة انتخابية أخرى "أولياء الأمور الذين يرفضون السماح لبناتهم بالتوجه إلى المسابح"، في إشارة إلى خصوصية المعتقدات الإسلامية.
ورغم مغازلة الشعب الفرنسي بورقة معاداة المسلمين، فقد لقي حزب ماكرون هزيمة كبيرة في الانتخابات المحلية، ما دفعه إلى المغالاة في معاداة الإسلام السياسي بحثا عن شعبية لدى تيارات اليمين المتطرف ووسط اليمين في بلاده، وفق مراقبين.
وتولى ماكرون رئاسة فرنسا قبل ثلاث سنوات، ومن ذلك الحين تصاعدت احتجاجات شعبية على وقع تنامي أزمات اقتصادية واجتماعية في بلاده.
ومن المقرر أن تناقش الجمعية الوطنية بالبرلمان الفرنسي، مشروع القانون في أيلول/سبتمبر المقبل، ووفق وسائل إعلام محلية في فرنسا فإنه يفرض "إجراءات تقييدية للمسلمين".
ورغم دفاع فرنسا المستميت عن سياساتها الديمقراطية التي تضمن حقوق الإنسان والتسامح غير المشروط حيال المعتقدات الدينية للأقليات، فإنها تُعرف بأنها واحدة من أكثر دول أوروبا معاداة وهجومًا على الإسلام.
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وافق مجلس الشيوخ على مقترح قانون يمنع الأمهات من ارتداء ملابس مميزة للأديان "الحجاب" أثناء مرافقة أبنائهن في الرحلات المدرسية.
وعلى صعيد الممارسات، طلب النائب جوليان أودول، في أحد اللقاءات، من امرأة مسلمة خلع الحجاب، كما أنه اعتدى عليها شفهيا، ما أثار انتقادات واسعة آنذاك.
وعزا مراقبون أسباب التصعيد ضد المسلمين في فرنسا، إلى زحف ماكرون في اتجاه تيار اليمين المتطرف، والذي عادة ما يشن هجوما على بناء المساجد وارتداء النساء للحجاب، ويخلط عمدا بين الإسلام والإرهاب.
يقول الباحث في المعهد الكاثوليكي بباريس جميل الحمري، للأناضول، إن استبدال الحكومة الفرنسية معركة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بإقرار تشريعات لمواجهة المسلمين بمثابة "إلهاء للشعب الفرنسي".
ويضيف مستنكرا: "أصحاب السترات الصفراء نظموا احتجاجات واسعة، للمطالبة بإصلاحات اقتصادية ونظام المعاشات وإيقاف العنف الشرطي، وليس لمعادة الإسلام أو ممارسات المسلمين (..) هذه القضايا تهم الفرنسيين أكثر من غيرها".
ويؤكد الحمري أن "مشروع القانون المزمع إقراره في أيلول/سبتمبر المقبل، سيعمل على زيادة مظاهر التمييز ضد المسلمين، تحت ذريعة محاربة الأفكار الانفصالية والدفاع عن العلمانية".
ويتابع بأن ماكرون يسير على درب سلفه نيكولاس ساركوزي، في معاداة الإسلام والتمييز ضد المسلمين، أملا في الحصول على شعبية بين تيارات اليمين المتطرف والفوز بأصوات الناخبين في رئاسيات 2022.
ويضيف: "حكومات اليمين واليسار على مدى عشرين أو ثلاثين عاما الماضية، استخدمت الموضوعات المتعلقة بالإسلام والمسلمين ذريعة لتخفي بها عيوبها، وعدم معالجتها للقضايا التي تهم الفرنسيين".
ويدعو الحمري إلى ضرورة إقرار تشريع جديد يظهر الاحترام للمسلمين في البلاد، لا سيما أن مناهضة الإسلام عادة ما تقف عائقا دون تعايش الأقلية المسلمة في فرنسا.
وينتقد "سعي الأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا إلى إظهار المسلمين بأنهم يحملون مشروعا ضد الجمهورية الفرنسية، وتحويل العلمانية إلى أداة للتمييز ضد المسلمين".
ويردف الحمري، بأن الحكومة الفرنسية عادة ما تطلق على المسلمين مصطلح "الانفصاليين"، وهذا يحمل مغالطة وتشوشا في المفاهيم التي تستخدمها السلطات حيال الأقلية المسلمة بالبلاد.
ويشهد المجتمع الفرنسي توترا يتغذى بشكل منتظم على قضايا ارتداء النساء للحجاب والنقاب ومساحات للنساء في المسابح أو التشكيك في بعض البرامج المدرسية التابعة للأقليات الدينية في البلاد.