الوقت – في مقال كتبه "أنتوني كوردسمان" الخبير الإستراتيجي الأميركي في "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" بالولايات المتحدة، تناول فيه الاتفاقية الاستراتيجية التي ستستمر 25 عامًا بين إيران والصين، قال الکاتب: لقد اتخذ التنافس الاستراتيجي الأمريكي المتنامي مع الصين بشأن التجارة وبحر الصين الجنوبي العديد من الأبعاد، بحيث يتم التغاضي بسهولة عن سلوك الصين في مناطق أخرى في بعض الأحيان. ولكن في الأسبوع الماضي، اتخذت الصين إجراءً قد يكون له تأثير كبير على هذه المنافسة.
وتابع الخبير في مركز الأبحاث الأمريکي: لقد أعلن وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" أن إيران تتفاوض حالياً على اتفاقية مع الصين. اتفاقية تحول البلدين إلى شركاء استراتيجيين. ويمكن لهذه الاتفاقية أن توسع نطاق المنافسة الأمريكية الصينية بشكل كبير لتشمل أجزاءً جديدةً من العالم. حتی الآن تم تسريب مسودة من 18 صفحةً لمثل هذا الاتفاق باللغة الفارسية، والتي على الرغم من أن مصداقيتها غير معروفة، ولکنها تتفق مع التقارير السابقة التي تفيد بأن مثل هذا الاتفاق قيد النظر.
وأضاف: تشير العديد من التقارير إلى أن الصفقة الحقيقية ستقيم علاقةً استراتيجيةً جديدةً وهامةً للغاية بين الصين وإيران، ونتيجةً لذلك سيصبح البلدان شريكين استراتيجيين، وقد يكون هذا بداية تحدٍ خطير تشکله الصين لموقع الولايات المتحدة في الخليج الفارسي والمحيط الهندي.
المصالح الاستراتيجية التي ستجنيها إيران من الشراكة الاستراتيجية لمدة 25 عاماً
يشير "كردزمان" إلى الأحكام المحتملة لهذه الاتفاقية، ويقول: "علاوةً على ذلك، علی الرغم من أن هذه التقارير قد تكون مبالغاً فيها، ولکنها تشير إلى أن الاتفاقية ستشمل علاقات عسكرية مهمة، ويمكن أن تؤدي إلى استثمارات اقتصادية صينية بقيمة 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاماً، مع مبيعات أسلحة صينية كبيرة لإيران، ودور رئيسي للصين في تحديث السكك الحديدية والموانئ وشبكات الجيل الخامس والاتصالات. في المقابل، ستشتري الصين النفط والمنتجات النفطية والغاز الإيراني بسعر منخفض على مدى السنوات الـ 25 المقبلة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تجعل الصين إيران جزءًا من خطتها "الحزام والطريق"، وتقوم بإنشاء مناطق تجارة حرة في إيران، بما في ذلك "ماكو" في الشمال الغربي و"آبادان" بالقرب من العراق و"قشم" وهي جزيرة في الخليج الفارسي.
کما تشير التقارير أيضًا إلى أن الصفقة ستؤدي إلى وصول الصين إلى "جاسك"، وهو ميناء مهم في إيران يقع خارج مضيق هرمز. ومن البنود الأخری في هذه الاتفاقية، هي التدريبات والتمارين العسكرية المشتركة، بحث وتطوير حول صناعة الأسلحة وتبادل المعلومات، والذي يركز نظريًا على مكافحة المخدرات والإرهاب والاتجار بالبشر والجرائم الأجنبية، ولكن في الواقع العملي سيزيد من قدرات إيران على التعامل مع جيرانها العرب والولايات المتحدة.
وأردف الخبير الأمريکي قائلاً: لا تزال القضايا المتعلقة بنوع الأسلحة التي ستبيعها الصين لإيران والتقنيات الجديدة التي قد تنقلها إلى هذا البلد غامضةً ولم تحل. وينطبق الشيء نفسه على استثمارات الصين في مرافق الطاقة الإيرانية، على الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين قالوا إنهم يحاولون الحفاظ على قدرة إنتاجية تزيد عن 8 ملايين برميل في اليوم والمحافظة عليها. بالطبع، ربما تكون هذه اعتبارات حقيقية تمامًا. وعندما نستعرض هذه التقارير مع جميع الظروف المتاحة، يصبح احتمال صحتها أكثر معقوليةً.
خلال الحرب العراقية الإيرانية، التي تعود إلى 1980 إلى 1988، بدأت الصين في توسيع موقعها الاستراتيجي في منطقة الخليج الفارسي. ومنذ ذلك الحين، زادت الصين بشكل مطرد من وجودها الدبلوماسي، وزياراتها وأنشطتها السياسية في الخليج الفارسي.
ويتابع: إذا نظرنا إلى أنشطة الصين في العقد الماضي فقط، فيتضح أنه بالإضافة إلى السعي لاستيراد الطاقة التي تحتاجها من الخليج الفارسي والتنافس مع الولايات المتحدة والهند، فإنها تتطلع أيضًا إلى اليوم الذي تصبح فيه قوةً حقيقيةً في الخليج الفارسي والمحيط الهندي أيضاً، کما هي حالها الآن في آسيا وأوقيانوسيا. لقد سعت الصين لتوسيع وجودها العسكري والاقتصادي، واتخذت خطوات كبيرة لبيع الأسلحة، على الرغم من أنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا حتى الآن، سوى بيع صواريخ أرض-أرض إلى السعودية ومجموعة غير معروفة من تقنيات الصواريخ لإيران.
استثمارات الصين الضخمة في منطقة الخليج الفارسي
ويضيف التقرير: لقد جعلت الصين من باكستان شريكاً رئيسياً في خطتها "الحزام والطريق"، وتلعب الآن دوراً هاماً في تطوير وإدارة ميناء "جوادر" الباكستاني. يقع هذا الميناء في بحر العرب ويخضع لسيطرة وزارة شؤون الملاحة البحرية الباكستانية إدارياً، ولكن يتم التحكم فيه تشغيليًا بواسطة "الشركة القابضة الصينية للموانئ وراء البحار". کما تستمر الصين في التوسع شرقاً في "كمبوديا" و"ميانمار"، وكذلك طورت ميناء "هامبانتوتا" في سريلانكا.
لا تزال الاستثمارات الصينية في منطقة الخليج الفارسي محدودةً، وشهدت شركاؤها التجاريون تقلبات حادة، إلى جانب عملية إنتاج النفط وتأثير العقوبات الأمريكية على إيران. وفي الواقع، خفضت العقوبات الأمريكية إجمالي واردات الصين من النفط من إيران من 3.8 مليار دولار في عام 2019 (أي 10.8 في المائة من تجارة الصين في الخليج الفارسي) إلى 1.8 مليار دولار (أي 4.9 في المائة فقط) في عام 2020.
بالطبع، استثمرت الصين حوالي 10.7 مليار دولار لتحويل قرية صيد في عمان إلى منطقة اقتصادية خاصة. کذلك، بالإضافة إلى استثمار حوالي 300 مليون دولار في محطة جديدة في مدينة "خليفة أبو ظبي"، فقد استثمرت أيضًا في ميناء "حمد" في قطر ومدينة جديدة تسمى مدينة "الحرير" في الكويت. ووفقاً للتقارير، فإنها تجري محادثات مع البحرين للاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة أيضاً.
وأردف الخبير الأمريکي بالقول: بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية، فإن إجراءات الصين هذه لها أسباب استراتيجية واضحة أيضاً، حيث تسعى للتنافس مع نفوذ الولايات المتحدة وقوتها في المنطقة. وواحدة من فوائدها الرئيسية هي حصار الهند باستخدام باكستان، وإقامة العلاقات مع آسيا الوسطى، وتزايد التواجد البحري في المحيط الهندي.
أهمية توفير أمن الطاقة للصين
ونقرأ في المقال: الفائدة الاستراتيجية الأخرى والأكثر أهميةً هي الوصول إلى صادرات النفط من الخليج الفارسي، والحد من النفوذ الأمريكي على تدفقات النفط الصيني في أوقات الأزمات أو الحرب. تعد الصين حاليًا أكبر مستورد للنفط في العالم، ويتزايد اعتمادها على واردات النفط بشكل مطرد. وتستورد الآن أكثر من 70 في المائة من إجمالي استهلاكها من النفط، وأكثر من 40٪ من هذه الواردات تأتي من الخليج الفارسي.
تلخص "إدارة معلومات الطاقة الأمريكية" العوامل المؤثرة في اعتماد الصين الكبير هذا في بداية هذا العام کما يلي، على الرغم من أن أزمة كوفيد 19 قللت طلبها في عام 2020:
"لقد ساهمت عدة عوامل في زيادة واردات الصين من النفط الخام في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من زيادة إنتاج النفط الخام المحلي الصيني بنسبة 0.1 مليون برميل يوميًا في عام 2019 - بلغ متوسطه 4.9 مليون برميل يوميًا -، فقد ظل مستقرًا في الأساس منذ عام 2012، وتراوح من 4.8 إلى 5.2 مليون برميل يوميًا. في المقابل، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ارتفع استهلاك النفط الخام والسوائل الصينية الأخرى في عام 2019 بنحو 0.5 مليون برميل يوميًا، ووصل إلى 14.5 مليون برميل يوميًا، کما ارتفع صافي وارداتها من النفط الخام والسوائل الأخرى في عام 2019 بنحو 0.4 مليون برميل يوميًا، فوصل إلى 9.6 مليون برميل يوميًا.
کذلك، ارتفعت واردات الصين من النفط الخام في عام 2019، بسبب احتياطيات النفط الخام الاستراتيجية وزيادة مخزونات النفط الخام التجارية، نتيجة تطوير المصافي، لأن بدء عمليات المصافي يتطلب زيادةً في احتياطيات النفط. وفي العام الماضي، ازدادت طاقة المصافي في الصين بمقدار مليون برميل يوميًا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تفعيل مجمعين جديدين للتكرير والبتروكيماويات، تبلغ سعة كل منهما 0.4 مليون برميل يوميًا. ونتيجةً لذلك، وصلت معالجة المصافي إلى أعلى مستوى لها في عام 2019، بمتوسط 13 مليون برميل يوميًا".
يُظهر هذا الاعتماد أن الصين زادت من وجودها بشكل مطرد في منطقة المحيط الهندي، من أجل الحفاظ على طرق التجارة البحرية وتدفق النفط عبر الخليج الفارسي آمنةً. وهذا هو السبب وراء زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلی منطقة الخليج الفارسي في 2016 و2018.(وتشير بعض التقارير إلى أن موعد مفاوضاته مع إيران لهذه الاتفاقية يعود إلى عام 2016). کما استخدمت الصين دورها في قوات مكافحة القرصنة المشكلة ضد القراصنة الصوماليين، لإثبات قوتها البحرية في ذلك الجزء من المحيط الهندي، وأنشأت قاعدةً بحريةً وميناءً جديداً في جيبوتي، بالقرب من الطرف الشرقي للبحر الأحمر.
أمريكا غيّرت نهج الصين لمصلحة إيران
وجاء في المقال: التحول إلى إيران يعد تغييراً في النهج بالنسبة للصين من نواح عدة. حتى الآن، جاءت معظم واردات الصين من النفط الخام - خاصةً بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي - من الدول الخليجية. ووفقاً لكثير من المحللين، ستبقى الصين محايدةً أو تميل نحو الدول العربية مع تصاعد التوترات بين إيران والدول الخليجية - لأنه بالإضافة إلى امتلاك المزيد من النفط والغاز والمزيد من المال، فإن هذه الدول لا تواجه العقوبات الأمريكية.
ولكن ربما أدى التصعيد المستمر للتوترات بين الولايات المتحدة والصين إلى تغيير موقف الصين. ومن بين هذه التوترات، يمکن الإشارة إلی المواجهة المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة بشأن التجارة وتايوان وبحر الصين الجنوبي، والتي تفاقمت بسبب تصريح وزير الخارجية الأمريكي "بومبيو" في 13 يوليو/تموز، والذي وصف فيه المزاعم البحرية الصينية بأنها غير شرعية.
كذلك، وصلت هذه التوترات أيضًا إلى نقطة كان فيها الوضع العسكري الأمريكي الصيني موضع خلاف دائم في جميع أنحاء المنطقة، من بحر الصين الجنوبي إلى مضيق "ملقا" والمحيط الهندي إلى الخليج الفارسي. والتدريبات العسكرية ورحلات الاستطلاع ووجود السفن الحربية الصينية والأمريكية، تأتي في هذا السياق. کما يصبح الحديث عن التعاون أكثر سخافةً وبلا معنى بانتظام.
وفي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أُعلنت في عام 2017، تم تحديد الصين وروسيا على أنهما التهديدات الرئيسية المحتملة للولايات المتحدة، کما وانضمت الصين مؤخرًا إلى روسيا في معارضتها النشطة لتمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران.
الأسباب المحتملة للصين للشراكة الاستراتيجية مع إيران
ويتناول مركز الأبحاث الأمريكي هذا نوايا الصين المحتملة في هذا الصدد، ويقول: ربما توضح هذه الأحداث سبب رغبة الصين الآن في توقيع اتفاقية مع إيران، خاصةً إذا شعرت أن النتيجة النهائية لهذه الاتفاقية تجبر الدول الخليجية على اللجوء إلی بكين وليس ردة فعل عدائية عليها. لأن هذه الدول تشعر بقلق متزايد الآن بشأن رغبة الولايات المتحدة في البقاء في المنطقة والمشاركة في أي عمل عسكري كبير.
كذلك، قد تشعر الصين أيضًا بأنها تستطيع استخدام ورقة إيران الرابحة ضد الولايات المتحدة بأقل قدر من المخاطر، وتواصل استفزاز إيران وجيرانها العرب للتنافس. وقد تعتقد أيضًا أنه مع اعتماد إيران على الصين، في حال حدوث أي حرب بين إيران والولايات المتحدة أو جيرانها، فإن خطر تورط الصين بشكل مباشر سيكون محدودًا للغاية. وبالإضافة إلى ذلك، قد تعتقد أنها تستطيع تحقيق الربح كمهدئ للتوترات بين الإيرانيين والعرب، على حساب الولايات المتحدة والإضرار بمصالحها.
لا تستطيع أمريكا الاعتماد على حلفائها العرب
ويختم المقال بالقول: يجب التأكيد على أنه على الرغم من أن التقارير حول الشراكة الإيرانية الصينية لا يمكن التنبؤ بها حتی الآن، إلا أن بعض القضايا تبدو واضحةً. وحتى لو كانت كل هذه التقارير خاطئةً، فمن الواضح أن الولايات المتحدة ستستمر في مواجهة المنافسة الاستراتيجية المتزايدة مع الصين في الخليج الفارسي وأماكن أخرى، بعيدًا جداً عن بحر الصين الجنوبي وتايوان.
ومن الواضح أيضًا أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد على شركائها العرب الاستراتيجيين، ما لم تظهر أنها ستبقى في الخليج الفارسي وستكون شريكًا حقيقيًا، بدلًا من التهديد المتکرر بمغادرة المنطقة والتشاجر بشأن تقاسم المسؤولية.
وعلى نفس القدر من الأهمية، قد يكون لدى إيران خيار لمواجهة العقوبات وواردات الأسلحة، لم يدرسه صانعو السياسة الأمريكية بشكل صحيح، وهو خيار يمكن أن تلعب فيه روسيا دورها أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين ستستمر في الازدياد.
إن التنافس مع الصين وروسيا الآن لا يعني فقط تعزيز القوات العسكرية الأمريكية لمواجهة القوات العسكرية للقوتين العظميين الأخريين، بل يعني أيضًا التنافس العسكري والمدني على المستوى العالمي.