الوقت- على الرغم من دورها المحوري على الصعيد الأوروبي، فإنه يمكن القول أن ألمانيا لم تتخذ أي خطواتٍ عملية تجاه الأزمات الحاصلة في دول غرب آسيا ومنها الأزمة السورية. وقد تكون برلين تماشت مع الموقف الأوروبي المعروف تجاه النظام السوري، إلا أنها بقيت منشغلةً بأزمات الإتحاد الأوروبي لا سيما الإقتصادية والسياسية. وهنا يبدو أن تزايد وتيرة الأزمة التي تعاني منها أوروبا اليوم، وتصاعد عدد اللاجئين اليها، إقتضى من الدولة ذات الدور الريادي العالمي المعروف في المفاوضات أو تقريب وجهات النظر، القيام بخطوةٍ نحو دعم الحل السلمي في سوريا ومنع تطور الأزمة نحو المزيد من الإقتتال. وهذا ما يمكن استنتاجه من تصريحات وزير الخارجية الألماني الأخيرة. فماذا في هذه التصريحات؟ وكيف يمكن قراءة دلالاتها؟
تقرير حول تصريحات الوزير الألماني:
في مستهل زيارته لأنقرة يوم الجمعة المنصرم، عرض وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير على تركيا المزيد من المساعدات فيما يخص أزمة اللاجئين. ودعا شتاينماير إلى "توزيع عادل للأعباء" داخل أوروبا بحسب تعبيره، موضحاً أن ذلك يتضمن أيضاً حصول دول العبور والدول التي استقبلت الكثير من اللاجئين خلال السنوات الماضية على دعم خاص، وقال: "آمل أن يكون ذلك رأياً أوروبياً مشتركاً على الأقل". في حين تجدر الإشارة إلى أنه يبلغ عدد اللاجئين السوريين الذين استقبلتهم تركيا حتى الآن نحو مليوني لاجئ.
كلام شتاينماير جاء بعد أيام من تصريحٍ له نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، والذي حذر فيه من أن سوريا ستذهب إلى فوضى أكبر، إذا لم تجرى مفاوضات تشارك فيها دول إقليمية لإنقاذها. وأكد على أنه لم يعد في الإمكان تجاهل أو احتواء الأزمة السورية القائمة منذ ما يزيد عن أربع سنوات، مشيراً إلى أن قدوم أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أوروبا يثبت ذلك. مشدداً من جهةٍ أخرى، على أن الوقت ينفد، وأن على المجتمع الدولي السعي لإنقاذ الدولة السورية من تلقي ما سماها "الضربة القاضية"، معتبراً أن ذلك سينتج عنها فوضى كاملة ومزيد من العنف والمعاناة.
تحليلٌ ودلالات:
لم تُولِ الحكومة الألمانية أي اهتمامٍ ملحوظ فيما يخص أزمات المنطقة وإن كانت تدعو دوماً للحلول السلمية والتحاور. لكن يبدو أن أزمة اللاجئين انعكست بظلالها على الدول الأوروبية بشكلٍ أصبحت فيه هاجس الجميع، مما جعل برلين تتحرك داعيةً لإيجاد حلٍ لهذا الصراع المستمر منذ أربع سنوات. وهنا نقول التالي:
- إن أزمة اللاجئين المتفاقمة وضعت أوروبا تحت ضغطٍ مادي لا يقله أهمية الإختبار الإجتماعي الذي يمكن القول أنه جعل أنظار العالم نحو دول اليورو تتزايد. مما دعا الدول الأوروبية لا سيما برلين، تمضي للسعي من أجل دعم الحل السلمي في سوريا، منعاً لتزايد معاناة الشعب السوري. وهو ما يعني ضرورة القضاء على الإرهاب الذي يُعتبر السبب في ما يطال المنطقة اليوم.
- وليس خفياً على أحد أن هذه النتائج الكارثية الحاصلة في المنطقة، كانت نتيجة سياسات الغرب في دعمه للإرهاب. ولكن على الرغم من إصرار بعض الدول على هذه السياسات الخاطئة فقد دعا وزير الخارجية الألماني على ضرورة التعاون من أجل إيجاد حلٍ في سوريا. وهو ما يعني بشكلٍ مُبطن، الدعوة للعمل مع الحكومة السورية المركزية، إيماناً بأهمية دورها. وهو ما يعتبر دعوةً للعالم أجمع لا سيما الدول الأوروبية، من أجل العمل ضمن النطاق الشرعي، أي التعاطي مع النظام السوري الذي يمتلك حق استخدام القوة على الأرض. مما يعني إعترافاً ضمنياً بشرعية هذا النظام. وهو ما يمكن القول أنه موقفٌ أوروبيٌ وازن، لدولةٍ بحجم ألمانيا.
- وهنا نُشير الى أن هذا النهج الذي تسعى ألمانيا للعمل به وترسيخه، يتوافق مع نهج العديد من الدول في المنطقة لا سيما روسيا وإيران. فهذه الدول تسعى لفرض الإستقرار والأمن في سوريا والقضاء على الإرهاب من أجل تحقيق ذلك. وهو الأمر المغاير لسعي بعض الدول لا سيما واشنطن والدول الخليجية، من أجل إطالة عمر الأزمة.
على الرغم من أخطائها التي ارتكبتها في سوريا، تُعيد الدول الأوروبية حساباتها بعد أن عانت من الإرهاب الذي صدَّرته أزمات المنطقة إليها. لتأتي بعد أزمة تصدير الإرهاب، أزمة اللاجئين التي ألقت بظلالها كمشكلةٍ جديدة على الغرب وأوروبا. وهو الأمر الذي دفع دولةً كألمانيا، للسعي لحلٍ جذريٍ يمكن من خلاله حل أسباب المشكلة. لتقف برلين ضمن الخيار القائل بضرورة العمل على القضاء على الإرهاب وهو ما يتطلب التعاون مع النظام السوري. فهل يمكن أن تُحدث ألمانيا خرقاً في التوجهات الأوروبية التي تسبح في الفلك الأمريكي؟