الوقت- الفرار إلى الأمام، رُبّما هو الحال الذي وصل إليه رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، وهو ما عبّر عنه ولو بطرقٍ مختلفة رئيس وزراء الكيان السابق إيهود أولمرت، فمن أجل النجاة من قضاء ما بقي من عمره خلف القضبان، يُحاول نتنياهو إشعال حربٍ مع الفلسطينيين بحجة ضم المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن إلى حدود الكيان، وهذا ما يُشكّل إعلان حرب، وهو بالضبط ما يُريده نتنياهو.
أسباب نتنياهو
من المؤكّد أنّ نتنياهو ومع بدء أعمال محاكمته يُحاول إشعال حربٍ عن طريق ضم المستوطنات، فهو -أي نتنياهو- لا يريد أن يدخل التاريخ باعتباره مجرد رئيس وزراء أو رئيس وزراء لتصريف أعمال –كما كان طوال العام السابق- وقد حافظ على الكيان الإسرائيلي آمناً، لكنّه أنهى حياته المهنية في السجن، ربما يبحث نتنياهو عن لفتة واحدة كبيرة، ليذكره التاريخ كرئيس للوزراء استطاع ضمّ جزء جديد إلى "وطن إسرائيل التوراتي".
أما السبب الفعلي فإنّ الهدف الأساس التي يُريده نتنياهو من وراء الحديث كثيراً عن مشاريع الضم هو فرض انتخابات جديدة، ليتذرّع بأن حزب أزرق أبيض أحبط دفع خطط نتنياهو لإنجاز عملية الضم، ومن هذه الانتخابات الجديدة، يأمل نتنياهو في تحقيق حكومة يمينية ذات أغلبية مطلقة (على عكس حكومة الوحدة الحالية)، وهو الأمر الذي سيمكّن نتنياهو من تمرير قوانين قد تحميه من الملاحقة الجنائيّة التي بدأت حديثاً، وهو بالضبط ما يريده نتنياهو.
ويعتمد نتنياهو في خطّته تلك على أنّ الرئيس الأمريكي ترامب أعطى الضوء الأخضر لإتمام عمليّات الضم، وإذا لم يتمّ تنفيذ ذلك المشروع تحت ضغط القوى الداخلية أولاً كالأحزاب المُعارضة لذلك المشروع، فإنّ نتنياهو سيُقدم على إجراء انتخابات مُبكّرة معتمداً على قاعدته السياسية من اليمين المُتطرف والغاضب نتيجة عدم تنفيذ المشروع "التوراتي"، وهنا يعتقد نتنياهو بأنّ فرص نجاحه في الانتخابات المُبكّرة ستكون أكبر بعد إلقاء اللوم على معارضيه ولا سيما حزب أزرق أبيض.
ناقوس الحرب
يدقُّ إيهود أولمرت ناقوس الخطر في الكيان مؤكداً أنّ نتنياهو وفي حال إقدامه على مشروع الضم فإنّه يُعرض أمن الكيان للخطر، وأنّ تنفيذ مشروع كهذا يُهدد بإحداث اضطراب من شأنه أن يعرّض استقرار الأردن أحد أهم حلفاء الكيان –بحسب أولمرت- للخطر؟ ويتساءل أولمرت: "هل سيكون لديه الشجاعة لتنفيذ التزامه وبالتالي إشعال النار بعودة أعمال التفجير الفلسطينية وتعميق الخلاف بين اليهود والعرب، وبين اليهود أنفسهم من يمين ويسار، بين مختلف مجموعات اليمين نفسها؟ وفي النهاية بين الكيان الإسرائيلي وأمريكا وأصدقائنا في جميع أنحاء العالم؟" مُطالباً من يؤمنون بالسلام في الكيان الإسرائيلي، من الذين يتوقون للعودة إلى طاولة المفاوضات ويشعرون بالاشمئزاز من المحتال -نتنياهو- الذي يحاول تحويل حياتنا إلى الجحيم، حسب قول أولمرت.
لم يتأخر ردُّ القادة في الكيان الإسرائيلي ليؤكّد أنّ مشروع الضم سيُشكل نهايةً للحلم اليهودي، حيث خرج يائير غولان، نائب رئيس جيش الكيان الإسرائيلي السابق، وعضو كنيست سابق ليؤكد أنّ مشروع الضم هو نهاية الحلم الصهيوني، مُتسائلاً لماذا على الشعب اليهودي أن يرغب بنهاية كيانه؟.
ويتخوّف الكثير من سكان الكيان الإسرائيلي من أنّ نتنياهو إذا مضى في عملية الضم، فلن يتمكّن كيانهم من أن يبقى "ديمقراطياً" حسب ادعائهم، وأن يحافظ أيضاً على أغلبيته اليهودية.
أكثر من ذلك؛ فإن مشروع الضم وفي حال تنفيذه –وهو أمر مُستبعد- فإنّه سيفشل حل الدولتين، الذي طالب به المجتمع الدولي ووافق عليه الكيان غير مرّة، وأنّ مشروعاً كهذا من شأنّه ألّا يُبقي حياة لدولة فلسطينية مُستقبلية، ناهيك عن أنّه سيكون مكلفاً للغاية للكيان الإسرائيلي ولن يجلب له أيّ مزايا أمنيّة، بل على العكس من ذلك، سيفتح أبواب جهنم على الكيان.
وفي الختام ومع تزايد فرص سقوط ترامب في الانتخاب المقبلة، فإن الحدود الزمنيّة للعمل على مشروع الضم باتت محدودة للغاية، ولذلك، من غير المحتمل أن يُعجّل نتنياهو في تنفيذ هذا المشروع، بل سيلعب على عامل الوقت وكما ذكرنا آنفاً فهو يُريد من هذا المشروع النجاة من المحاكمة التي ستُنهي أحلامه كسياسي خلف القضبان، ويقول العارفون بنتنياهو بأنّه لن يُقدم فعلياً على مشروع الضم، إذ يقول رئيس وزراء الكيان السابق إيهود باراك وهو أحد الرافضين لهذا المشروع "إنّ نتنياهو لن يفعل ذلك، أعرفه منذ أن كان عمره 19 عاماً، لم يتم بناؤه لاتخاذ قرارات كبيرة".