الوقت- ذكر مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية في تقرير كتبه "إريك برؤر" العضو السابق في المشروع النووي التابع لهذا المركز الأمريكي، أن "بريان هوك"، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، كتب في مقال افتتاحي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أنه إذا لم تستطع أمريكا تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، والذي ينتهي في أكتوبر المقبل، فإنّه ينبغي عليها العودة الفورية إلى عقوبات الأمم المتحدة، المعروفة باسم "آلية الزناد"، والتي تهدف لإبطال الاتفاق النووي مع إيران، وبصرف النظر عن الأسئلة حول الطبيعة القانونية لمثل هذا الإجراء، فهذه ببساطة تعتبر سياسة سيئة، ومن غير المرجّح أن تذهب هذه الخطوة إلى حدّ كافٍ لتحقيق الهدف المعلن والمتمثّل في منع إيران من شراء الأسلحة التقليدية (وهو بالفعل خطر صغير نسبيّاً). وهذه الخطوة ستعمّق الخلاف بين أمريكا وبعض الدول الأوروبية. كما أنّها ستضرّ بمصداقية أمريكا ومجلس الأمن، وستسهّل عملية تطّور البرنامج النووي الإيراني.
لن تظلّ إيران مكتوفة الأيدي عند تنفيذ آلية "الزناد"
ويضيف كاتب هذا التقرير، لم يأخذ "بريان هوك" هذه المخاطر أو ردّ الفعل المحتمل من إيران على محمل الجدّ. إنّ مثل هذه السياسة قصيرة النظر، قد لا يستخدم حقّ النقض في مجلس الأمن لمنع تنفيذ هذه الآلية، لكن إيران ستردّ بالتأكيد في حال تمّ تنفيذ هذه الآلية. وفي هذا الصدد، هدّدت إيران باللجوء إلى "خياراتها النووية" إذا عادت العقوبات المفروضة عليها وقالت إنّها سوف تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وهذا الأمر سيمهّد الطريق لإيران (على الأقل قانونياً) لإنتاج سلاح نووي. وستكون إيران ثاني دولة تغادر معاهدة "إن بي تي" بعد كوريا الشمالية. وحتى لو كانت هذه العواقب المحتملة لردّ فعل إيران ستغيّر مسار وقواعد اللعبة، إلّا أنّه يجب النظر أيضاً في مثل هذا السيناريوات أكثر من ذي قبل وعند التنبؤ بهذه النتيجة، يجب مراعاة أربع قضايا ذات صلة على الأقل وهي كالتالي:
هل تنفّذ إيران تهديدها؟
الف) القضية الأولى هي مسألة متعلقة بالاحتمالات: هل ستخرج إيران حقاً من معاهدة "إن بي تي"؟. لقد أطلق السياسيون الإيرانيون العديد من التهديدات خلال السنوات القليلة الماضية. وحول هذا السياق أعرب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في عام 2018 قبل انسحاب أمريكا من خطة العمل المشتركة الشاملة "الاتفاق النووي" أنّ لدى إيران العديد من الخيارات وأنّ الانسحاب من معاهدة "إي بي تي" تقف على قائمة تلك الخيارات. ومع ذلك، انسحبت أمريكا من الاتفاق النووي، ولا تزال إيران في هذه معاهدة "إي بي تي". كما أنّ وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" أطلق العديد من التهديدات في يناير من هذا العام خلال حضوره في البرلمان الإيراني.
ومن المرجّح أن هذه التهديدات الحالية تهدف إلى منع عودة العقوبات على طهران، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نعتبر هذه التهديدات جوفاء. ففي حين أنّه من الصعب معرفة مدى قوة مؤيدي مغادرة إيران من هذه المعاهدة، إلا أنّ طهران ربما لم تتخذ قراراً حاسماً بذلك، وربما لن تفعل ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، لا تحتاج إيران إلى اتخاذ أيّ قرار فوري بشأن تلك المعاهدة وذلك لأنّه لا يزال بإمكانها الانتظار. إن ردّ فعل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي تجاه عودة العقوبات سيكون بلا شك كبيراً، وإذا كانت طهران تعتقد أن أمريكا معزولة دبلوماسياً وأن الأطراف الأخرى لا تنوي الموافقة على عودة العقوبات، فقد تفضّل طهران الاحتفاظ بمكانتها الرفيعة دبلوماسياً والبقاء في تلك المعاهدة.
ب) المسألة الثانية هي أنّ ما يقلق إيران بشأن مغادرتها هذه المعاهدة على المدى القصر، أنّه إذا لم يكن المفتشون حاضرين لمراقبة برنامج إيران النووي، فسيتعيّن على المجتمع الدولي القيام بـ "رحلة عمياء"، خاصةً وأن خروج طهران من معاهدة "إي بي تي" لا يمكن أن يجبر المفتشين الدوليين على مغادرة الأراضي الإيرانية، وذلك لأن الوثيقة التي تحكم تصرفات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرتبطة بعدّة ضمانات دولية.
الجدير بالذكر أنه قد تنسحب إيران من المبادرة، لكنها ستسمح للمفتشين بمواصلة الوصول إلى منشآتها وسيساعد ذلك المجتمع الدولي على التأكد من أن إيران لا تمضي على طريق تطوير سلاح نووي، على الرغم من أنها قادرة قانونياً على القيام بذلك. وإذا افترضنا أن إيران لم تنتج أسلحة نووية، فمن مصلحة البلاد جعل مثل هذا الامر ممكناً، وذلك من أجل تجنّب تصعيد الصراع في المنطقة.
انسحاب إيران من المبادرة لن يحدث على الفور
ج) القضية الثالثة أن انسحاب إيران من "إي بي تي" لن يحدث على الفور: بموجب شروط هذه الاتفاقية، يجب على إيران أن تعلن نيتها للخروج من هذه الاتفاقية قبل ثلاثة أشهر. بالطبع، يمكن لإيران، مثل كوريا الشمالية، تجاهل هذا المطلب. لكن ذلك من شأنه أن يثير الشكوك حول أن إيران تتجه نحو التسلح النووي، ما يزيد من احتمال وقوع ضربة عسكرية عليها. لذلك، من المرجّح أن تتم فترة من المفاوضات طويلة المدى، وستحاول روسيا والصين والاتحاد الأوروبي خلالها إقناع طهران بالالتزام بالمعاهدة. ومن أجل الاستفادة من رافعة الضغط وبعض المزايا، قد تعلن إيران أنّها تنوي الانسحاب من هذه الاتفاقية، ولكنّها في الواقع لن تفعل ذلك وذلك لأن هذه الاستراتيجية بالطبع محفوفة بالمخاطر إلى حدّ ما.
إن الإنسحاب من اتفاقية "إي بي تي" لا يعني بناء سلاح نووي
د) القضية الرابعة، وربما الأهم، تتمثّل في أنّ الانسحاب من اتفاقية "إي بي تي"، لا يعني أن إيران قرّرت بناء سلاح نووي. ووفقاً للأسباب المذكورة أعلاه، فإن انسحاب طهران من هذه الاتفاقية سيكون في الأساس بياناً سياسياً. ولنكن صادقين، إنّ القيود القانونية المفروضة على مبادرة بناء سلاح نووي كبيرة جداً، لكنها ليست العقبة الرئيسة أمام حصول إيران على سلاح نووي. على العكس من ذلك ، تعتقد طهران أنّ أيّ محاولة لبناء سلاح سيتمّ اكتشافها، وسيؤدّي ذلك إلى ردّ عسكري، وسوف تفشل في نهاية المطاف.
ومع ذلك، فإنّ الانسحاب من اتفاقية "إي بي تي" سيقلّل من الحواجز السياسية أمام الأسلحة النووية وسيزيد من احتمال أن تقرّر إيران بناء سلاح نووي في المستقبل. وفي غياب هذه الاتفاقية، سيجادل أنصار الأسلحة النووية في إيران بقوة أكبر ويقولون أنّ طهران تواجه قيوداً وعواقب أقل، وأنّ نوايا إيران النووية قد تتغير نتيجة لذلك. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تخفيض الرقابة الدولية على مدى فترة من الزمن وعدم وجود تدابير محسنة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل البروتوكول الإضافي، قد يجبر طهران على الانخراط في أنشطة سرية.
قرار أمريكا سيكون خطأ استراتيجيّاً
ويخلص مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أنّ قرار أمريكا بالرجوع إلى إحدى المواد المتعلقة بآلية "الزناد" سيكون خطأ استراتيجيّاً، وسيؤدّي إلى تفاقم الأزمة الحالية بين واشنطن وطهران. وسيصاحب ذلك مجموعة من العواقب السلبية. ولكن إذا قرّرت إيران الانسحاب من معاهدة "إي بي تي"، فمن المحتمل أن يتمّ إيجاد آلية تُمّكّن المجتمع الدولي من ضمان عدم سعي إيران لصنع قنبلة نووية. في الواقع إنّ الخطر الحقيقي، هو أنّه من المرجّح أن تسعى إيران إلى امتلاك أسلحة نووية في المستقبل القريب. ليس من الجيد على الإطلاق أن تعتقد البلدان أنّها تستطيع اكتساب قدرات نووية بشكل غير قانوني ولكن من غير المحتمل أيضاً أن تفي أمريكا بوعودها في المستقبل وتختار خيار الدبلوماسية.