الوقت- إن حضور مصطفى الكاظمي كرئيس للوزراء في العراق شكل موجة واضحة من الهدوء وانخفاض وتيرة الصراع السياسي والحكم في العراق ، على الرغم من أن بعض المراقبين السياسيين يرون ان هذا الهدوء بمثابة الهدوء قبل العاصفة ويعتقدون أن هناك احتمالًا لتشكل موجة جديدة من التوترات في بغداد في المستقبل القريب ، ولكن ما نشهده في الوقت الراهن هو أن مسار الامور يستقر بنجاح.
ويمكن ملاحظة أحد أهم المظاهر لهذا الأمر في الطريقة التي تتفاعل بها الحكومة المركزية العراقية مع قوات الحشد الشعبي ، في الواقع ، منذ البداية ، أظهر حضور مصطفى الكاظمي في مقر قيادة قوات الحشد الشعبي ولقائه مع فالح الفياض أن رئيس الوزراء الجديد قد اعترف إلى حد كبير بالمكانة الخاصة لهذه القوات ، وفي هذا الصدد ، نرى أنه قد تم التأكيد في وثيقة تتألف من 10 بنود نشرت على الموقع الإعلامي للحشد الشعبي العراقي ، والتي تم توقعيها من قبل فالح الفياض ، رئيس هيئة الحشد الشعبي ، على تنظيم الحشد الشعبي في اطار التعاون مع الحكومة المركزية.
وتم التأكيد في هذه الوثيقة ، على دمج تشكيلات الحشد العشائري مع هيئة الحشد الشعبي ، والالتزام بقطع علاقات المرتبطين بالحشد الشعبي من جميع الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ، وعدم جواز النشاط السياسي في صفوف هذه الهيئة وإغلاق جميع مقار الكتائب والوحدات داخل المدن ، والتأكيد على حظر أي نشاط خارج نطاق هيئة الحشد الشعبي ، كونه منظمة عسكرية مستقلة وجزء من القوات المسلحة العراقية ومنتسب إلى القائد العام للقوات المسلحة ، لكن السؤال الآن ، ما هي أهداف الحشد الشعبي من وراء نشر مثل هذه الوثيقة على الملأ العام؟ أو بعبارة أفضل ، في الوضع الراهن في العراق ، ما هي أسباب تطبيق المبادئ التوجيهية في اطار التعاون مع الحكومة المركزية العراقية؟ وللإجابة على هذا السؤال الأساسي ، يمكن بحث ثلاثة محاور:
تحييد الأعمال العدائية بوجود الحشد الشعبي
على مدى السنوات والأشهر الماضية ، أي منذ تشكيل قوات الحشد الشعبي في عام 2014 لحماية الأراضي العراقية ضد تنظيم داعش الإرهابي حتى الان ، وكانت هناك مجموعة واسعة من المعارضة والعدائية لوجود وأنشطة الحشد الشعبي في العراق ، وعلى الصعيد الخارجي ، تحاول اللبوبيات الأمريكية - الصهيونية - السعودية الضغط من خلال وسائل الاعلام لتصوير قوات الحشد الشعبي كقوة خارجة عن الجيش العراقي والضغط على رئيس الوزراء العراقي لحل هذه القوة ، وبالطبع ، على المستوى الداخلي العراقي ، ثمة هناك بعض القوى واللوبيات المقربة من هذه البلدان ، تقود هذه الخطة.
وفي الخطوة الأولى ، اعترف البرلمان العراقي ، من أجل حماية وجود الحشد الشعبي في عام 2016 ، باعتبار هذه القوات كجزء من الجيش العراقي ، وبعد ذلك تم تسليم قيادة هذه القوات إلى القائد الأعلى ، أي رئيس الوزراء ، ومع ذلك ، لا يزال الأمريكيون يحاولون الضغط على الحكومة المركزية العراقية لحل قوات الحشد الشعبي أو اضعافها على أقل تقدير ، وفي مثل هذه الحالة ، يبدو أن قوات الحشد الشعبي أعدت وثيقة لإظهار حسن نواياها لمصطفى الكاظمي ، حيث أكدت على حرصها على التعاون وطاعة القائد العام للقوات المسلحة ، وهذا يعني أن قوات الحشد الشعبي ، تعد كجزء من الجيش العراقي وقوة عسكرية شرعية ، لا تنوي اتخاذ أي إجراء يتجاوز الدستور العراقي.
تعزيز وحدة القوات المسلحة العراقية
من القضايا التي يحذر منها معارضو الحشد الشعبي الحكومة العراقية باستمرار ، هي أن قوات الحشد الشعبي ستدمر وحدة وسلامة الجيش العراقي في المستقبل ، لكن من الناحية العسكرية ، سيتم تشكيل نوع من القوات الموازية للقوات العسكرية والأمنية التابعة للحكومة المركزية ، ففي الوثيقة الجديدة المكونة من 10 بنود ، رفضت قوات الحشد الشعبي بشكل واضح هذه القضية ، وبطريقة ما ، تبين أن هذه القوة لديها هدف واحد فقط ، وهو حماية أمن وسلامة ووحدة العراق.
وفي غضون ذلك ، هناك بند في الوثيقة يحظر بوضوح أي نشاط خارج نطاق هيئة الحشد الشعبي ، كونه منظمة عسكرية مستقلة وجزء من القوات المسلحة العراقية ومنتسب إلى القائد العام للقوات المسلحة ، ويبين البند التزام الحشد الشعبي بوحدة القوات العسكرية العراقية ، وتوضح هذه الوثيقة أن قوات الحشد الشعبي لا تعد تهديدا لوحدة الجيش العراقي ، ولكنها أيضاً تعتبر عامل في تعزيز قوة ووحدة الجيش العراقي.
التحكم في التحركات خارج الدائرة
إن إحدى خصائص أي حركة سياسية وعسكرية حديثة الولادة ، هي وجود بعض القوى والأفراد خارج سيطرة القادة ، وفي الواقع ، سيواجه أي حزب ، او تيار سياسي أو عسكري ، مشكلة وجود قوى خارج دائرة سيطرته في بداية نشأته ، وفي الوقت نفسه ، فإن قوات الحشد الشعبي ليست ولن تصبح استثناءً لهذه القاعدة ، ولكن الامر اللافت في الوثيقة الجديدة لهذه المجموعة ، والتي بطبيعة الحال ، هي ذات طبيعة سياسية ، بغض النظر عن البعد العسكري.
وفي الواقع ، تنوي قيادة الحشد الشعبي القضاء على أي تيارات وممثلين خارج قيادة الحزب ومواصلة ادارة أنشطتها بطريقة منظمة ومركزية ، وفي هذا الاتجاه ، يعد قطع اتصال المرتبطين بقوات الحشد الشعبي من جميع النواحي السياسية والحزبية والاجتماعية وعدم السماح بالقيام بأي نوع من أنواع النشاط السياسي في صفوف هذه الهيئة وإغلاق جميع مقار الكتائب والوحدات داخل المدن هو الحل الأهم والأبرز الذي اتخذه مسؤولي الحشد الشعبي للسيطرة على التيارات الخارجة عن المدار.