الوقت- على الرغم من أن البعض يحاول الإيحاء بأن القاهرة تنتمي لما يُسمى بالمحور الذي تُديره الرياض، فإن التباين والإختلاف في المواقف والرؤى حول العديد من قضايا المنطقة أصبح جلياً. وهنا نُشير الى أن العديد من المسائل التي تُعتبر هماً إقليمياً، يوجد خلافٌ حولها بين الطرفين، كالخلاف القديم الجديد فيما يخص التدخل العسكري في ليبيا، وصولاً الى العدوان السعودي على اليمن والذي من المعلوم أن القاهرة لم تشارك فيه، بطريقةٍ تُرضي الرياض لحساباتٍ خاصة لديها. فيما تبقى الأزمة السورية الملف الذي يمكن القول أنه أحد الأسباب الرئيسية في تصدع العلاقة السعودية المصرية. وهو ما أثبتته الزيارة الأخيرة للواء على مملوك لمصر. فماذا في دلالات زيارة المملوك للقاهرة وعودة العلاقات المصرية السورية؟ وماذا في العلاقات المصرية السعودية؟
تقرير حول زيارة المملوك للقاهرة مؤخراً وعودة العلاقات المصرية السورية:
كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي، عن تفاصيل لقاء غير معلن، جمع رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة. وأوضحت الصحيفة أنه في الأيام العشرة الأخيرة من شهر آب الماضي، زار اللواء مملوك القاهرة بعيداً من الأضواء، والتقى الى جانب الرئيس المصري عدداً من كبار المسؤولين في الجيش المصري والإستخبارات والأمن. وقد نقلت الصحيفة عن مصادر وصفتها بالمطلعة، قولها أن الزيارة كانت ناجحة جداً، وأن الطرفين راضيان عن نتائجها.
كما ذكرت المصادر أن المملوك بحث مع القيادات المصرية سبل التعاون الأمني بين البلدين في مواجهة الإرهاب، وآفاق الحل السياسي للأزمة السورية الى جانب المبادرات المطروحة وخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا والمساعي لعقد لقاء موسكو3. كما أشارت المصادر إلى أنه تم التوافق على ضرورة أن تلعب دولة مصر دوراً أكبر فيما يخص الأزمة السورية لما تشكله سوريا من عمق استراتيجي يرتبط بالأمن القومي المصري. وهو ما سمعه المملوك من المسؤولين المصريين، إذ أكدوا بأن القاهرة ترى أن الحلّ للأزمة السورية لا يمكن إلا أن يكون سياسياً بحسب جريدة الأخبار.
كما تجدر الإشارة الى أن زيارة المملوك للقاهرة تأتي بعد أن كشفت مصادر إعلامية الشهر الماضي، زيارته للرياض ولقاءه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد وساطة روسية، كما زار المملوك العاصمة العمانية مسقط، حيث التقى مسؤولين خليجيين، وطرح حلاً سياسياً عليهم.
قراءة تحليلية في المشهد العربي لا سيما بين مصر وسوريا والسعودية:
يمكن القول أن الساحة العربية تشهد إعادة خلطٍ للأوراق، تأتي نتيجةً للعديد من التبدلات السياسية الإقليمية والدولية. فيما تبقى الأزمة السورية، موضوع الخلاف بين العديد من الدول في المنطقة، الى جانب أنها يمكن أن تكون موضوع تقارب. ولا شك أن الأزمة السورية تعتبر المسألة المركزية، التي قد ينشأ عنها أي تحالفٍ أو تخاصم. وهنا نُشير للتالي:
- أقدمت العديد من الدول العربية على خطوات انفتاحية تجاه النظام السوري، خاصة تونس والتي أعلنت مؤخراً إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، حيث وصفت قطع العلاقات بالإجراء "غير الصائب"، مؤكدةً أن مصلحة تونس تقتضي وجود تمثيل قنصلي في دمشق بغض النظر عن قرار جامعة الدول العربية. وهو ما جاء نتيجةً لتوجه العديد من الدول الأخرى إقليمياً ودولياً، لا سيما الدول الأوروبية، والتي عادت بالإنفتاح على دمشق مؤخراً. لنقول أن خطوة مصر في إعادة العلاقات مع سوريا، هي خطوة في نفس المسار الذي تسعى له دولٌ عربيةٌ أخرى. فيما تبقى الخطوة المصرية أكثر أهمية، لما تشكله مصر من مكانة ودورٍ على الصعيدين العربي والإقليمي.
- وهنا تؤكد زيارة المملوك بأن العلاقات المصرية السورية، أخذت منعطفاً جديداً، غير الذي فرضته الفترة التي تولاها الرئيس المعزول محمد مرسي عندما أعلن قطع العلاقات الدبلوماسية ونادى بالجهاد نحو سوريا لإسقاط النظام. كما أن الزيارة جاءت لتؤكد ما أعلنه الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع قناة المنار اللبنانية، يوم 25 آب، إلى أن العلاقات بين سوريا ومصر تحققان التوازن في الساحة العربية، كما أن سوريا تجد نفسها في خندق واحد مع الجيش والشعب المصريين في مواجهة الإرهاب.
- إلا أن السعودية تبقى تُغرد وحيدة خارج السرب هذا، ماضيةً في سعيها لإسقاط النظام السوري. وهو الأمر الذي يعني بُعدها مجدداً عن الواقعية السياسية في مقاربة المشكلات لا سيما في العالم العربي. وهنا لا بد من الإشارة الى أن العلاقة بين مصر والسعودية هي علاقة ندية لإعتبار الدولتين من الدول العربية القادرة على قيادة العالم العربي. إلا أن وجود أولوياتٍ مختلفة لدى الطرفين، يمكن أن يزيد من حالة الشرخ في العلاقات بينهم. فمصر تُعطي الأزمة الليبية هماً كبيراً لما يعكسه ذلك من نتائج على أمنها القومي. فيما تغرق السعودية في وحول عدوانها على اليمن، دون أن تجد مُعيناً عربياً يشاركها حربها الشرسة ضد جارها العربي، بطريقةٍ تُرضيها.
- لكن مصر تبقى قادرةً على إيجاد صيغ مشتركة في التعاون بينها وبين الدول الأخرى الإقليمية لا سيما العربية. وهو ما يجعلها قادرة على لعب دورٍ إقليمي محوري أكده الطرف السوري. فيما يمكن القول أن الرياض لم تعد تملك مساحةً سياسية كبيرة تخولها إيجاد قواسم مشتركة للتعاون مع الدول الإقليمية، بعد خوضها في سياساتٍ أغرقتها، وأبعدتها عن الهم العربي المشترك.
إننا أمام مشهدٍ واضح المعالم. دولٌ تسعى لمصالحها بحسب قراءتها. فمصر التي سعت دوماً لدورٍ عربيٍ محوري، هي أقرب اليوم من الواقع السياسي الذي تعيشه المنطقة. فيما الرياض ما تزال غارقةً في أوهامها، ساعيةً لكسر جارها اليمن، الى جانب سعيها المستمر في إسقاط النظام السوري.