الوقت – عشرات المحطّات التلفزيونية وآلا المُغردين (الذباب الإلكتروني) على وسائل التواصل الاجتماعي جندتهم حكومة آل سعود لتمرير أجندتها وترسيخها في عقول السعوديين خصوصاً والعرب والمسلمين عموماً، حيث تهدف تلك الحملات إلى ترسيخ مبدأين لا ثالث لهما، الأول أنّ الكيان الإسرائيلي جزء من دول المنطقة ويحق له الحياة بين هذه الدول، وأنّ الفلسطينيين ناكروا جميل ويستحقون ما يجري لهم، والثاني هو أنّ الإسلام فقط ما يقوله آل سعود وعلمائهم، أمّا بقية المذاهب والطوائف فهي من الفئة الضّالة.
مع القضيّة الفلسطينية.. ولكن؟
كافة اجتماعات مجلس الوزراء السعودي خرجت بعبارة شهيرة حتى أنّها أصبحت شعاراً لتلك الاجتماعات (نحن مع القضيّة الفلسطينية)، غير أنّ وقوفهم مع القضيّة الفلسطينية غالبا ما كان بالاسم فقط، فالجميع يرى اليوم وبأمِّ عينه السعي المحموم لآل سعود للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهو الأمر الذي انعكس على علاقة آل سعود مع الفلسطينيين، إذ تراجعت العلاقة بينهم على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب تهديد الفلسطينيين بقطع التمويل والضغط عليهم للقبول بـ "صفقة القرن" التي ترعاها الولايات المتحدة، ناهيك عن تدهور علاقة الرياض بحركة حماس، حيث تم اعتقال عشرات الفلسطينيين في مملكة آل سعود بسبب صلتهم بـ "حركة إرهابية"، وهي حركة حماس!.
أكثر من ذلك؛ بثّت التلفزيونات المُموّلة من آل سعود عدداً من المسلسلات والبرامج التي تحثُّ على التطبيع، ولا ينبغي أن يتفاجأ شعب فلسطين برؤية برامج الدراما العربية التي لا تحترم قضيتهم.
وزيادةً في تعميق حالة الكراهية للفلسطينيين؛ نشرت صحيفة عكاظ واسعة الانتشار في مملكة آل سعود مقالاً بعنوان " الفلسطينيون: بحرٌ من كراهيةٍ لا تنقضي!" كتبه أحد الموالين البارزين لنظام آل سعود، حيث كرر العبارة المبتذلة الخاطئة عن الفلسطينيين الذين يستسلمون لإسرائيل، بالإضافة لعشرات العبارات العنصرية والشتائم بحق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي دعا "سكاي لاين" وهي منظمة لحقوق الإنسان لأن تُصدر بياناً تُحذر فيه من آثار خطاب الكراهية السعودي ضد الفلسطينيين!، حيث وثق البيان العشرات من حالات الفلسطينيين الذين عانوا من حوادث تمييز وحقد في مملكة آل سعود منذ بداية شهر رمضان.
إسلام على مقاس آل سعود
مُستغلين وجود الحرمين الشريفين في أرض الجزيرة العربية، حاولت السعودية صُنع إسلام على مقاسها، حيث كان الإسلام السعودي "الوهابي" يُعتبر القوة الناعمة والضرابة في آنٍ معاً، حيث حظي علماء السعودية ودعاتها منزلة كبيرة لدى عدد كبير من الشعوب الإسلامية، والسبب في ذلك أنّهم قادمون من أرض الحرمين ومهبط الوحي، ناهيك عن الجامعات الدينيّة التي تستوعب طلاب العلوم الشرعية من شتى البلدان.
قديماً شنّ علماء السعودية حرباً شعواء ضدّ كافة المذاهب والطوائف الإسلاميّة، معتقدين أنّ الحق لا يوجد إلّا ضمن المذهب الوهابي الأصولي، وربما استطاعوا تحقيق بعض الانتصارات، لكن ومع بروز الإخوان المسلمين الذين تحمل تركيا وقطر رايتهم، بدأ الإخوان المسلمون يسحبون البساط رويداً رويداً من تحت الإسلام السعودي، أما السعودية فلم تسكت وتُسلم بالأمر الواقع، لتبدأ بحربٍ شعواء ضدّ الإخوان المسلمون، وصلت لحدِّ تكفيرهم وإلصاق صفة الإرهاب بهذا التنظيم، كما حاربتهم على كافة الصعد، ولنا في زجّ علماء الإخوان السعوديون في السجون، بالإضافة لطرد عدد كبير منهم ليس فقط من السعودية، بل من كافة الدول التابعة للسعودية كالإمارات والبحرين.
واليوم؛ يعمل محمد بن سلمان على إظهار السعوديّة وكأنها "علمانية" أكثر من كونها دولة ثيوقراطية، إذ يُحاول ابن سلمان انتزاع السيادة من العشيرة ورجال الدين لتصبح الملكية بها هي الأساس، غير أنّه يحاول الاحتفاظ بالقاعدة الوهابية، إذ أنّ مملكة آل سعود لا يمكنها أن تكون قوة جيوسياسية كبيرة إلا من خلال احتفاظها ولو بشكلٍ صوري بالوجود الوهابي، حيث يشكل هذا الوجود "المُتعصب" ضماناً لبقاء آل سعود على رأس السلطة، ومن جهةٍ أخرى يمكنهم من خلاله بمواجهة الإخوان المسلمين الذين تحمل رايتهم اليوم قطر وتركيا.
تشويه الإسلام
ظنّ الكثيرون أنّ علاقة آل سعود بالوهابيّة ستنتهي بعد أحداث سبتمبر، غير أنّ تصريحات أُمراء آل سعود ذاتهم كانت توحي بشيءٍ آخر، نعم أدان الأمير نايف أسامة بن لادن كما أدانه الأمير تركي، وأمراء آخرين أيضاً أدانوا بن لادن، لكنّهم أدانوه بالاسم وأدانوا مجموعته، لكنّهم لم يدينوا الرسالة التي أوصلها بن لادن، والسؤال الأهم أين تعلّم بن لادن هذه الأفكار؟ بالطبع في السعودية، ولم يتعلمها في القمر، فالأفكار التي تلقاها بن لادن، لا تزال تُدرس إلى اليوم في السعودية، وعلى الرغم من موت بن لادن، لكن هذه السياسة أو المنهج ما يزال مُستمراً وسيكون هناك أبناء لادن آخرين، الأمر الذي يزيد من تشويه صورة الإسلام في العالم وهو ما يُريده آل سعود بالضبط.