الوقت- لقد شكل تاريخ 25 أيار 2000 حدثا بارزاً في التاريخ المعاصر للصراع العربي_الاسرائيلي أو بالأحرى للصراع بين محور المقاومة والعدو الاسرائيلي، حيث لم تكن تثق بعض الأنظمة العربية بما يقوم به "حزب الله" حينها وكانت تعتبر ذلك مغامرة، خاصة وان "اسرائيل" تمكنت من هزيمة الجيوش العربية في عدة مناسبات فكيف هو الحال بالنسبة لحزب صغير حينها، إلا أن "حزب الله" وبفضل بسالة وشجاعة مقاتليه وقيادته الحكيمة فضلا عن الحاضنة الشعبية له ليس فقط من أهالي جنوب لبنان بل من اللبنانيين عامةً استطاع تحرير الجنوب اللبناني وطرد آخر عسكري اسرائيل محتل في 25 أيار عام 2000، وهذا التحرير أعطى ثقة منقطعة النظير بقدرة المقاومة وتأثيرها على دحر العدو، ومهد للنصر الكبير في العام 2006 والذي حطم آمال العدو الصهيوني بالتفوق العسكري والاستراتيجي في المنطقة وكسر شوكتهم الى غير رجعة وسط ذهول بعض الانظمة العربية مما قام به "حزب الله"، ليفرض بعد ذلك "حزب الله" معادلة ردع جديدة لم ولن يتمكن الصهاينة من خرقها، ورغم انتظار العدو الصهيوني اي فرصة للانقضاض على "حزب الله" الا انه لايتجرأ على القيام بذلك، نظرا لخوفه من نتائج القيام بأي مغامرة عسكرية جديدة، والأهم انعكاسات ذلك على الداخل الاسرائيلي الذي يشهد انقساما واضحا في السياسة تترجمه الحكومة الجديدة المنقسمة على ذاتها؛ اذا ما الحل مع لبنان؟
الحل الذي تعمد اليه اسرائيل منذ الانسحاب المخزي عام 2000 من جنوب لبنان، هو تهيئة الأجواء للتطبيع العلني مع الأنظمة العربية تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية بمساعدة أمريكية توجت بوصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، حيث عمد الأخير على اطلاق ما يسمى "صفقة القرن" لسلب فلسطين من الفلسطينيين وايجاد دولة بديلة لهم واعادة رسم خرائط المنطقة السياسية وبناء تحالفات جديدة الغاية منها تصفية حركات المقاومة برمتها، ولكن ما حصل في العراق وسوريا وصمود المقاومة اللبنانية والفلسطينية وخلق معادلة ردع جديدة حال دون تحقق ذلك، ولكن العدو الاسرائيلي لايزال يحاول عبر التنسيق مع حكومات عربية هنا وهناك، لمحاصرة حركات المقاومة، ونظرا لفشله في الميدان يتجه للسياسة وبما انه بدأ يفشل في السياسة يتجه حاليا الى الميدان مجددا ولكن بحذر شديد.
وحول ما اذا كان هناك حرب تلوح في الأفق أم لا، فقد اشار الامين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصرالله، في كلمة له بمناسبة يوم القدس العالمي، إلى أنّ "الكيان الإسرائيلي حذر بموضوع لبنان ويخشى الذهاب إلى حرب معه، وهو يدرس بدقة ما نقوم به، ويخشى ردات فعل المقاومة"، مشيرا إلى أن "قدرات المقاومة في لبنان تعاظمت".
وشدد السيد نصر الله على أنّ "العدو الإسرائيلي يراهن على التطورات الداخلية والاقتصادية والعقوبات الأميركية وانقلاب بيئة المقاومة عليها، لكننا في لبنان أقوياء، ولسنا بين خيارين، ونستطيع من خلال إمكاناتنا أن نتغلب على الأزمة"، مشيراً إلى أنّ "قدرات المقاومة تعاظمت، والدول التي استسلمت تموت من الجوع اليوم، ولم يساعدها أحد، وفي لبنان نستطيع من خلال قدراتنا البشرية والمادية وإمكاناتنا أن نحافظ على سيادتنا من دون أن نموت جوعاً".
ولفت نصرالله إلى أن "خيارات الحروب العسكرية المباشرة قد تكون مستبعدة، لكن نحن لا نجزم، ومن الواضح أن أولوية المحور الأميركي الإسرائيلي هي الحرب النفسية والموضوع الاقتصادي".
لقد أثبت التاريخ ان الذهاب الى تسويات مع العدو الاسرائيلي عديمة الجدوى، وان عملية السلام مع الصهاينة ما هي الا نوع من الاستعمار الجديد، وا علينا سوى مراجعة اتفاقيات السلام السابقة لنرى مدى جدية الصهاينة في التعاطي معها، مثلا اتفاقية السلام مع السلطة الفلسطينية وحل الدولتين، لينتج عن ذلك الاتجاه نحو دولة صهيونية واحدة وسرقة عاصمة الفلسطينيين والاتجاه نحو ضم الضفة الغربية بما يخالف جميع المقررات الدولية، وهذا سيمهد بطبيعة الحال الى الغاء اتفاقيات السلام في المستقبل مع الاردن، وسيكون الاردن في ورطة كبيرة في حال اقدمت اسرائيل على ضم اجزاء من الضفة، وبالتالي اثبت التاريخ أن اسرائيل لا تنردع سوى عبر المقاومة، فالمقاومة هي الحل الوحيد لردع الكيان الاسرائيلي ومنعه من التوسع والاستيطان وما تبقى لا يخرج عن كونه حبرا على ورق.
مثال عن انسحاب 2000
اسرائيل قبل العام 2000 لم تكن تريد ان تنسحب من لبنان دون تحقيق تسوية معينة تحقق لها خروجا غير مذل وكانت تبحث عن انسحاب تدريجي، لكن الضربات المتتالية والموجعة أدت الى الهروب السريع والغير المنتظم وبدون تنسيق إسرائيل وقيادتها مع عملائها اللبنانيين. وقال أحد الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي "حدثا مدهشا قد حصل: بدلا من انسحاب منظم شهدنا هربا. حتى من كان مؤيدا للانسحاب لا يستطيع نسيان عار الهرب من لبنان".
أما عن اللبنانيين العملاء في صفوف الجيش الإسرائيلي بدأو بالصراخ والتساؤل عن مصيرهم في حال الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. غياب الأجوبة وعدم التجاوب تسبب بزعزعة الثقة بإسرائيل التي شعرت بهذا من خلال الوضع العسكري في الجنوب اللبناني أن تنسيق مع العملاء بدأ يتغير ولوحظ كف الكثير من العملاء عن مهامهم اللوجستية والعسكرية، بالإضافة الى تسجيل حالات من الفرار للعملاء وتسليم أنفسهم للجيش اللبناني و"حزب الله" اللبناني سجلت في فترة ما قبل التحرير بأيام.
وكان الهدف الإسرائيلي من طيلة المدة التي قضاها جيشها في الجنوب اللبناني محاربة حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية بذريعة مواصلة اعتداءات هذه الحركات على مستوطنات إسرائيل في الشمال.
وكانت المواجهة الأساسية والرئيسية بين الجيش الإسرائيلي والموالين له وبين "حزب الله" التي لعبت دورا مركزيا في تسديد ضربات موجعة للجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي. ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من إلحاق هزيمة بحزب الله بالرغم من التطور التكنولوجي الذي تمتلكه في أسلحتها وعتادها الحربي.
سرعت هذه التطورات في انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، والذي استكمل بعد ذلك بسنة وثلاثة أشهر. حيث يصف أحد جنود الدورية، العريف عوفر شارون، في مقابلة مع "هآرتس"، كيف تردد في النزول إلى الوادي، رغم أن قائده غرانيت دعاه للقدوم. ويضيف "عرفت أن الانقضاض الآن معناه الموت في حرب غبية، لم أتجرأ على النزول إلى الوادي لمساعدة من أُصيبوا، وعرفت أن من سينزل لن يعود، وسيطرت عليّ فكرة أنني لا أؤمن أن نكون في لبنان".
أثارت قضية العريف شارون، الذي كان ينال التقدير لكونه جندياً متميزاً، عاصفة جماهيرية، وفي أعقابها أصدر ضابط التعليم الرئيس، اليعيزر شتيرن، ورقة توضيح للقادة أدان فيها الجندي الذي لم يهاجم. وعكست هذه الحادثة عمق الأزمة التي كان يعيش فيها الجيش الإسرائيلي، بعد غرقه في حرب استمرت 17 سنة لم يطلب منه أحد أن يحسمها وينتصر فيها.