الوقت – جاهدين؛ يُحاول الأثيوبيون المُضيِّ قُدمًا في بناء سدِّهم من دون مشاكل، وفي مُحاولة منهم لإبعاد مصر صاحبة الحصّة الأكبر من أطول نهرٍ في العالم، عرضت أديس أبابا على الخرطوم توقيع اتفاق جزئي حول ملء بحيرة سد النهضة، الذي من المتوقع أن يبدأ في تموز/ يوليو المقبل، مُستغلةً بذلك حالة الضياع التي تُعاني منها مصر وانكفائها على نفسها مُفضلةً حلول الأمم المُتحدة لإيقاف بناء السد الذي سيُنهي حياة المصريين، على العمل بنفسها للحفاظ على حياة أكثر من مائة مليون مصري سُيعانون الجوع والعطش بعد بناء السد.
اتفاقات مُنفردة
بالأمس خاطب الأحباش السودانيين بشكلٍ مُنفرد في محاولةٍ منهم لعقد اتفاقات منفردة مع الخرطوم بشأن البدء بملء السد دون وجود القاهرة، التي وبنظر الأثيوبيين تُعطّل أيّ اتفاقٍ من شأنه الخروج من هذه الأزمة، غير أنّ الردّ السوداني أتى برفضٍ مُطلق لهذا الاتفاق، مؤكدًا على ضرورة عقد اتفاق شامل بحضور كافة الدول المُستفيدة من نهر النيل، قاصدًا بذلك مصر التي يُحاول الأثيوبيون استبعادها بعد رفض القاهرة لمُقترحات أديس أبابا الخاصة ببناء وملء السد.
الخرطوم أكّدت في ردّها أنّ أيَّ اتفاقٍ جزئي يتعلق بالمرحلة الأولى لا يمكن الموافقة عليه نظراً لوجود جوانب فنية وقانونية يجب تضمينها في الاتفاق ومن ضمنها آلية التنسيق وتبادل البيانات وسلامة السد والآثار البيئية والاجتماعية، ناهيك وكما يقول السودانيون عن أنّهم لن يوقّعوا أيّ اتفاقٍ منفرد بما يخصُّ السّد، مؤكدين على أهميّة التوصل لاتفاق ثلاثي يضمُّ الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة، وذلك قبل البدء بأي عملية لملء السّد.
حرب دبلوماسيّة
العام 2011 وهو العام الذي باشرت به إثيوبيا ببناء سد (النهضة) بدأت خلاله "حرب دبلوماسيّة"، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم عقدت الدوّل المُستفيدة من مياه النيل عدّة جولات من المُفاوضات بهدف التوصل لاتفاقٍ يُرضي جميع الأطراف، غير أنّ أيًّ من تلك الاجتماعات لم يُوفّق بتذويب الجليد بين تلك الدول، لتبدأ بعدها دول العالم في التدخل في محاولةٍ منها لجمع الأفرقاء على اتفاقٍ مُرضي، ففي شباط المُنصرم؛ رفضت أديس أبابا التوقيع على مشروع اتفاق تقدمت به واشنطن والبنك الدولي لإيجاد حلول لخلافات الدول الثلاث.
مصر وهي الخاسر الأكبر من سد النهضة وبعد أن أغلقت الطرق جميعها بوجهها، لم تجد وبسبب حالة الضعف التي تعيشها حاليًا بُدًّا من التوجّه إلى الأمم المُتحدة طلب مشورتها بشأن الإجراءات التي يتوجب على القاهرة اتخاذها بعد رفض أديس أبابا كافة المُقترحات القاريّة والدوليّة، بل وحاولت القاهرة التقدم بشكوى للأمم المُتحدة تتعلق بالانتهاكات الإثيوبية لحوقها بمياه نهر النيل، الردُّ الأثيوبي أتى أكثر استفزازًا للقاهرة، حيث أكّدت الخارجية الإثيوبيّة أنّها سمعت بموضوع الشكوى وأنها –أي إثيوبيا- علمت بتلك الشكوى وأنّ مصر لن تستفيد شيئًا منها!.
وأخرى عسكرية
عَلِمَ الأحباش أنّ مصر لن تستطيع الوقوف بوجههم وهي تعيش تحت حكم السيسي، لكنها بدأت تخشى من الغضب السوداني، بعد أن بدأت الخرطوم بحشد قوّاتها العسكرية على الحدود الإثيوبيّة، وبدأت تلوّح بالعمل العسكري.
الحدود السودانية الإثيوبية ومنذ سنوات كانت تشهد الكثير من الشّدِ والجذب، غير أنّ أحدًا لم يكن يهتم لتلك المُناوشات، خصوصًا وأنّ الحدود السودانية كانت تُقتحم من قبل عصابات إثيوبيّة خارجة عن القانون، فكانت تقتحم الحدود وتقوم بعمليات سلبٍ ونهب، وكان من المُمكن الوقوف بوجهها من قِبل الجانبين، حيث أنّ أفراد تلك العصابات مطلوبين من قبل الحكومتين، وكان من المُمكن أيضًا إغلاق الحدود بشكلٍ جيّد من الخرطوم الأمر الذي من شأنه إبعاد تلك العصابات إلى الداخل الإثيوبي.
جديد الحدود المُتوتّرة اليوم هو الحشود العسكرية الكبيرة من قِبل الجانب السوداني، الأمر الذي يوحي بأنّ هذه الحشود الكبيرة ليس لمواجهة عصابات خارجة عن القانون، حيث ظهر الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني مُرتديًا لباسه العسكري الكامل ومصطحبًا هيئة الأركان إلى الحدود الشرقية بين السودان وإثيوبيا، مُطلقًا تصريحات مُثيرة للجدل وفتحت باب التكهن باقتراب نشوب حرب بين الدولتين.
واليوم ومع إصرار أديس أبابا على المُضي قُدمًا في مشروعها؛ بدأت المخاوف الدولية تأخذ شكلًا مختلف، فهل قررت الخرطوم الدخول بعملٍ عسكري ضد أديس أبابا بدعمٍ وتوجيه من القاهرة، خصوصًا وأنّ المجلس العسكري الحاكم في الخرطوم يرتبط ارتباطًا عضويًّا بالقاهرة، وهل ستنجح الجهود الدولية بنزع فتيل حربٍ محتملة، وهل سترضخ أديس أبابا للخرطوم والقاهرة والمجتمع الدولي، جميعها أسئلةٌ تبقى مُعلقة بانتظار ما ستُنبئنا به الأيام المُقبلة.