الوقت- لم تبق دولة في هذا العالم (تحترم نفسها) إلّا وقامت من التخفيف قيودها على السجون اتقاءً لخطر فايروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، غير أنّ بعض الدول أبت على سُجنائها أن يبقوا بعيدين عن خطر الإصابة بهذا الفايروس، بل الأدهى من ذلك أن بعض الدول في الأصل سُجنائها لم يرتكبوا أيّ مُخالفة تُذكر، فكلُّ ذنبهم أنّهم عارضوا أنظمة الحكم "سلميًّا"، وهذه التهمة في الأنظمة البالية تفوق على جرائم القتل والمخدرات، بل إنها تتفوق على الكفر والردّة.
نظام آل خليفة أعطى لنفسه الحق باختيار من يمكن له الحصول والوصول إلى الأمان من خلال إبقاءه على السجناء السياسيين في معتقلاته مع وصول فايروس كورونا إلى البلاد، وإصراره على إبقاء المُعتقلين في زنازينهم بانتظار وصول هذا الفايروس إليهم، الأمر الذي دفع نشطاء من 22 مدينة حول العالم لإطلاق حملة ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي لتحرير السجناء السياسيين في البحرين، حملت هذه الحملة شعار (أطلقوا سجناء البحرين)، وتأتي هذه الحملة وسط مخاوف متزايدة من انتشار فايروس كورونا ووصوله إلى السجناء في سجون نظام آل خليفة، مع التجاهل الكامل لهذا الأمر من قِبل سلطات آل خليفة.
إدانات حقوقيّة
منظمة العفو الدولية بالاشتراك مع تسعة عشرة من المُنظمات الحقوقية والمعنيّة بحقوق الإنسان طالبت سلطات آل خليفة بالإفراج فوراً عن النشطاء السلميين في خضم تفشي فيروس كورونا، مؤكدين في الوقت ذاته على أنّ سجون نظام آل خليفة تفتقر إلى أبسط إجراءات الحماية والطبابة.
نشطاء بحرينيون أكدوا أنّ أغلب المعتقلين في سجون سلطات آل خليفة والبالغ عددهم أكثر من أربعة آلاف سجين هم من المسنين، ويعانون من أمراض مُزمنة وظروف اعتقالهم من الناحية الصحية صعبة للغاية، الأمر الذي يزيد من احتمال تعرضهم لخطر الإصابة بـفايروس كورونا، مؤكدين في الوقت ذاته أنّ عمليات الإفراج التي اتخذتها سلطات آل خليفة استثنت قادة المعارضة البحرينية ونشطاء حقوق الإنسان وحرية التعبير.
وبعد أن وصل خطر موت السجناء إلى مراحل خطيرة بسبب انتشار الفايروس؛ قامت منظمة "أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين" بنشر مجموعة من الفيديوهات لنشطاء حقوقيين يرفعون شعار أطلقوا سجناء البحرين، مُطالبين بإطلاق سراح المعتقلين من دول أوروبية وعالمية عديدة، من بينها فرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وإيرلندا، وبلجيكا، وسويسرا، وهولندا، والبرتغال، ولوكسمبورغ، والدانمارك، وأذربيجان، والسويد، والنرويج.
إعدام من دون أحكام
مئات السجناء المُكدسين في أقبية سجون نظام آل خليفة باتوا يواجهون خطر الموت ليس فقط تحت سياط جلّادو ذلك النظام وحسب، بل من خطر فايروس كورونا الذي بدأ يتسلل إلى السجون، حيث قررت سُلطات آل خليفة الاحتفاظ بالسجناء المُطالبين بحرية الرأي والتعبير والمُنادين بحقوق الإنسان.
أكثر من ذلك؛ فمع الاحتفاظ بالسجناء السياسيين في معتقلاتهم؛ فقد قامت سلطات آل خليفة بالإفراج عن السجناء الجنائيين من اللصوص وتُجار المُخدرات والقتلة، الأمر الذي يؤكد أنّ هذا الإجراء عبارة عن عملية انتقامية هدفها تصفية السجناء من دون إصدار أحكام بالإعدام.
إذن؛ من المُلاحظ أنّ سلطات آل خليفة وجدت في فايروس كورونا المُخلص من فضيحة إصدار أيّة أحكام بالإعدام ضد أولئك الناشطين، لتعمل التخفيف من الرعاية الطبيّة في تلك السجون –المُنعدمة أصلًا- وذلك بهدف وصول فايروس كورونا للمعتقلين، وعندها سيكون موتهم (قضاءً وقدر)، وهو الأمر الذي سيُخلص آل خليفة من الإحراج الدولي.
وبالإضافة لما سبق؛ وقل وصول الفايروس لمملكة آل خليفة؛ فقد عُرِفَ هذا النظام بافتقاره وفشله في التعامل مع الملف الصحي في سجونه، من ناحية النظافة أو العناية الصحيّة، حيث أنّ حرم المُعتقلين من أدنى شروط الرعاية الصحية، بل إنّه منع عليهم الاستشفاء من خلال مُصادرته للأدوية التي يتلقونها، بخصوص أولئك الذين يعانون أمراض مزمنة.
وفي النهاية؛ يقولون من أمن العقوبة أساء الأدب، ونظام آل خليفة فقد علم أنّ أمريكا والنظام السعودي يدعمانه، فلم يعد يعطي أيّة أهمية لأيِّ مُناشدات دولية من شأنها تخفيف معاناة المعتقلين في سجونه، فهو لا يُعاملهم كبحرينيين أو كمعتقلين سياسيين كباقي الأنظمة القمعية، بل إنّه يحمل ضغينة شخصيّة ضد هؤلاء المُعتقلين، فلو تسنى لهم –أي المُعتقلين- وقاموا بالحصول على حقوقهم الدستورية التي أقرّها نظام آل خليفة ذاته، أو أعطاهم بعض الحريّة والديموقراطية التي يتشدق بها، لكان انتزاعه مسألة وقتٍ لا أكثر، وعلى هذا الأساس فهو يشعر أنّه يحمل ثأرًا شخصيًا ضد المعتقلين السياسيين.